كان لدينا عشرة أشهر للتخطيط، فلماذا كل هذا التخبط خلال التطعيم؟

ممرضة تجهز حقنة تطعيم بلقاح من صنع "فايزر-بايوإنتك" ضد كوفيد-19 في أحد المراكز الصحية بالعاصمة الفرنسية باريس
ممرضة تجهز حقنة تطعيم بلقاح من صنع "فايزر-بايوإنتك" ضد كوفيد-19 في أحد المراكز الصحية بالعاصمة الفرنسية باريس المصدر: بلومبرغ
Clara Ferreira Marques
Clara Ferreira Marques

Columnist for Bloomberg Opinion in Hong Kong. Commodities, ESG, Russia & more. Via Singapore, Mumbai, London, Milan, Moscow, Paris, Cape Town, Lisbon.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كشف فيروس كوفيد 19 جميع عيوب الحوكمة الوطنية والدولية، وعانت منظمة الصحة العالمية. فشلت العديد من البلدان، حتى تلك التي يُفترض أنها الأفضل استعداداً لمواجهة الوباء أخطأت وفشلت في استيعاب الدروس من تجارب بعضها بعضا، على حساب مليوني شخص وتريليونات الدولارات.

هل عالج العالم نقاط الضعف تلك؟ تعد حملة التطعيم ذات الحجم الاستثنائي أول فرصة لتقييم ذلك جزئياً على الأقل، وإن كانت النتائج العالمية غير مشجعة كما يفترض بها أن تكون.

لنأخذ الولايات المتحدة على سبيل المثال، والتي كانت تأمل في تطعيم ما لا يقل عن 20 مليون شخص بالجرعة الأولى لفيروس كورونا بحلول نهاية العام الماضي، لكنها حتى الآن لم تنجز إلا نحو نصف هذا العدد تقريباً. تعاني الولايات، التي أعاقها الدعم الفيدرالي الضعيف مع أساسيات التطعيم، مثل من سيحصل عليه أولاً. كما تسببت المواقف المتشددة والواسعة للغاية في حدوث مشكلات. عانت فرنسا من التردد بشأن اللقاحات. في حين سارعت روسيا لتطوير واعتماد اللقاح المحلي، لكن حماس السكان المتشككين لا يزال قليلاً، والغالبية العظمى من البلاد لم تبدأ حتى.

حاجة ضرورية لتقييم الجاهزية

اعتبر الوباء تهديداً منذ وقت طويل قبل عام 2020، ولكن بالنسبة لمعظمنا، لم يكن من الممكن تصور الواقع في نطاقه النهائي، وخاصة تلك السلسلة المدمرة من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي أوجدها. نحن نعلم أن هذا اليوم سيحل في النهاية فيما يتعلق الأمر بالتطعيم. كانت الحكومات تدرك أن ذلك سيمثل تحدياً لوجستياً غير مسبوق، وكانوا يعلمون أنه يمكن أن يحدث في فصل الشتاء في نصف الكرة الشمالي، عندما كان من المحتم أن يرتفع عدد الإصابات. كان لديهم أشهر للتخطيط ووضع الاستراتيجيات ومناقشة الأساسيات مثل تحديد أولوية جرعة واحدة أو استهداف التطعيم بجرعتين منذ البداية. ولا يزال الكثيرون في حالة تخبط.

صحيح أن هذا ما كان الحال عليه في الأيام الأولى، وقد لا تبدو البلاد التي تبلي بلاءً حسناً في المراحل الأولى في وضع جيد عندما نصل إلى خط النهاية. لكن من الضروري عند مواصلة التقييم أن نعرف ما إذا كان هناك تقدم ما. يعد توفير السلع العامة على نطاق واسع جوهر وظيفة الحكومة في النهاية. والأهم من ذلك، أن الأساسيات التي نحتاج إلى الحصول عليها الآن -من المرونة إلى اتباع العلم ومكافحة المعلومات المضللة- ستدعم كفاحنا ضد كل تحد عالمي لاحق، وليس التغير المناخي أبسط هذه التحديات.

بالطبع، وكما هو الحال مع كل شيء متعلق بالوباء، فإن قياس نجاح التطعيم ليس بالأمر السهل. ومع ذلك، يمكننا أن نفعل ما هو أسوأ من أن نبدأ من خلال تقييم أداء البلدان في تأمين اللقاحات وتوزيع الجرعات والتواصل بشكل فعال لبناء الثقة.

رشاقة اتخاذ وتطبيق الإجراءات

يمثل التوريد مشكلة فورية كمقياس لنجاح الحكومة بمفردها. يمكننا بالطبع إحصاء حجم الجرعات التي تم تأمينها في البلاد، وكانت هناك أخطاء فادحة، كما في حالة الولايات المتحدة التي فوتت فرصة شراء جرعات إضافية من لقاح فايزر في الصيف الماضي. لكن المكاسب هنا تعتمد على الثروة والتدافع القوي بالقدر نفسه الذي تعتمد فيه على القدرة الإدارية وجودة الحكم. فعلى سبيل المثال، دفعت إسرائيل علاوة كبيرة مقابل الحصول على لقاحاتها، وهو أمر لا تسمح به جميع الميزانيات المخصصة لكوفيد-19 والتي تعاني من ضائقة مالية، وتمكنت من إضافة بيانات إلى الصفقة أيضاً، بفضل نظام صحي شخصي غير عادي مؤتمت.

تأتي سرعة التسليم بعد ذلك- أي الحصول الفعلي على اللقاح وتوزيعها. ومجدداً، لا يتعلق هذا بالحوكمة الرشيدة فحسب. بالتأكيد، تحتل إسرائيل مكانة بارزة عند النظر إلى عدد الجرعات المقدمة مقارنة بعدد الأفراد، حيث وفرت أكثر من مليوني جرعة لسكان يزيد عددهم عن 9 ملايين بقليل. وكذلك الأمر بالنسبة للإمارات العربية المتحدة، وحتى بريطانيا. لكن السرعة هنا كانت إلى حد كبير وليدة الظروف -إنها سباق ضد تفشي الوباء إلى مرحلة يخرج فيها عن السيطرة. لدى إسرائيل أكثر من 535000 حالة، أي حوالي 6% من عدد سكانها. وسجلت بريطانيا حوالي 56000 حالة جديدة يوم الجمعة، في واحد من أسوأ المعدلات على مستوى العالم. وفي كلا الدولتين يعتمد مصير السياسيين على ذلك.

على النقيض من ذلك، لا تمثل مقاربة "العمل ببطء" التي اتبعتها بعض الدول الآسيوية فشلاً عند المقارنة -ليس بعد بالطبع. حتى لو كان قرار "الوقوف جانباً" مطروحاً للتساؤل خلال جائحة مدمرة اقتصادياً، في الوقت الذي فيه بالفعل تطعيم الملايين في أمكنة أخرى. عادة ما تظهر الآثار الجانبية للقاح بسرعة، ونحن نعلم أنه حتى تلك الإجراءات التي تمنع حدوث مضاعفات ستساعد.

الاختبار الأمثل للاستجابة

إذاً ما أفضل اختبار لكيفية أداء الحكومات بالفعل، بغض النظر عن الثروة الموجودة مسبقاً وحالة كوفيد-19؟

أولاً، هل أفسحوا المجال لمناقشات صعبة أخلاقياً. كان هذا الأمر ضرورياً بالفعل في العام الماضي، عندما فرضت عمليات الإغلاق أضراراً على الاقتصاد لا بد من موازنتها مقابل المخاطر على حياة البشر، ولكن كما قال لي دونالد لو، الأستاذ الممارس في السياسة العامة بجامعة هونغ كونغ للعلوم والتكنولوجيا، هناك مساحة صغيرة ثمينة للأخلاقيات عندما تركز المحادثات على تحليل التكلفة والعائد. وبالتالي فهناك الكثير من التخبط في المناقشات عندما لا يوجد إجابة مثالية، مثلما هو الحال عند المراهنة على الحماية المحتملة لجرعة واحدة أو اليقين شبه المؤكد للحماية التي توفرها الجرعتان، أو ما إذا كان يجب تطعيم كبار السن قبل معلمي المدرسة.

يقول كيجي فوكودا، بروفسور الطب السريري ومدير كلية الصحة العامة بجامعة هونغ كونغ، إن المداولات بشأن الجرعات، على سبيل المثال، كان من الممكن أن تبدأ في وقت سابق، رغم أنه أضاف أن القرارات النهائية لم تكن ممكنة مسبقاً دون معرفة الاستجابة المناعية للجرعة الأولى من لقاحات معينة، والقدرة على التصنيع والسرعة التي تنتشر بها العدوى، والتي تأتي فقط مع تفشي المرض.

وأخيراً، أكثر ما لا يمكن التغاضي عنه يكمن في السؤال: هل قامت الحكومات بالتثقيف والتواصل اللازمين لجعل المواطنين يشمرون عن سواعدهم ليتجنبوا أعظم فشل في العمل الجماعي في عصرنا؟ الأمر لا يتعلق بتلقيح الرئيس في بث حي ومباشر على التلفاز كما فعلت إندونيسيا، بل بشرح العلم وعملية الاختبار والمخاطر والمكافآت. ففي النهاية لا يعد معظم الناس مشككين متعصبين ضد اللقاح. ونجد بدلاً من ذلك، أن المسؤولين يتحدثون علناً، كما هو الحال هنا في هونغ كونغ حيث يجب أن يدفع غياب الثقة في الحكومة إلى جعل هذا الأمر من الأولويات، عن لقاحات لا تحمي بشكل كامل من العدوى دون تقديم شرح كافٍ لما يعنيه ذلك.

ربما، في غضون بضعة أشهر سنجد أن معظم البلدان الغنية قد تجاوزت هذه المرحلة، على حد قول جيمس كرابتري من كلية لي كوان يو للسياسة العامة في سنغافورة لكنها ستترك الاقتصادات الناشئة خلفها. وأضاف أن هذا ليس نجاحاً في الحوكمة أيضاً. الدرس الوحيد الذي كان يجب علينا أن نتعلمه من عام 2020 هو أنه لا أحد بأمان حتى يصبح الجميع آمنين.