ما المخاطر التي قد تواجه بنك الاحتياطي الفيدرالي في 2023؟

البنك المركزي يواجه 3 مخاطر محتملة في محاولاته لكبح جماح التضخم

جيروم باول، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي بالولايات المتحدة، خلال مؤتمر صحفي
جيروم باول، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي بالولايات المتحدة، خلال مؤتمر صحفي المصدر: بلومبرغ
Bill Dudley
Bill Dudley

Bill Dudley is a senior research scholar at Princeton University’s Center for Economic Policy Studies. He served as president of the Federal Reserve Bank of New York from 2009 to 2018, and as vice chairman of the Federal Open Market Committee. He was previously chief U.S. economist at Goldman Sachs.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

آفاق اقتصاد الولايات المتحدة في 2023 محددة بشكل ما. فهدف بنك الاحتياطي الفيدرالي هو خفض معدل التضخم مرة أخرى إلى 2% على مدار السنوات القليلة المقبلة. سيحقق البنك ذلك من خلال البقاء على تقشف السياسة النقدية بقدر كافٍ لفترة تكفي لكبح النشاط الاقتصادي.

سيؤدي ذلك في نهاية المطاف إلى تخفيف الضغط عن سوق العمل بما يكفي لخفض تضخم الأجور إلى نطاق 3% إلى 4% المتماشي مع مستوى البنك المستهدف للتضخم.

لذا، فالعديد من الأسئلة التي يطرحها المشاركون في السوق تخص الهوامش. إلى أي مدى سيحتاج الاحتياطي الفيدرالي لرفع أسعار الفائدة؟ إلى متى ينبغي أن تبقى أسعار الفائدة في ذلك المستوى؟ هل سيكون تباطؤ الاقتصاد كافياً، أم ستدخل الولايات المتحدة في ركود؟

مخاطر رئيسية

ماهي المشاكل المحتملة؟ في رأيي، هناك 3 مخاطر رئيسية.

أولاً، قد يتكشف أن النمو الاقتصادي أشد رسوخاً من المتوقع. فلم يتوسع الاقتصاد الأميركي خلال النصف الثاني من 2022 بوتيرة أسرع مقارنةً بالنصف الأول فقط، بل إنه سيتلقى دعماً إضافياً في العام الجديد مع زيادة إنفاق الحكومة الفيدرالية.إذ إن مشروع قانون تمويل الحكومة، التي تبلغ قيمته 1.7 تريليون دولار، لعام 2023 يرفع الإنفاق العسكري بنسبة 10% والإنفاق المحلي غير الإلزامي بنسبة 6%.

لماذا أخطأت وول ستريت في توقعاتها للتضخم والفائدة خلال 2022؟

في الوقت نفسه، سترتفع قيمة شيكات إعانات الإعاقة والضمان الاجتماعي الشهرية لـ70 مليون مستفيد بنسبة 8.7% بدءاً من الشهر الجاري. في الواقع، ستكون الزيادة في الدخل القابل للإنفاق الخاص بهولاء المستفيدين أكبر، لأن أقساط تأمين برنامج الرعاية الصحية "ميديكير" (Medicare)، التي تُخصم من هذه الشيكات، ستنخفض هذا العام، وذلك لأن الزيادات التي جرى تطبيقها في 2022 اتضح أنها أعلى كثيراً من المطلوب.

تشديد السياسة النقدية

ثانياً، قد لا تكون السياسة النقدية متقشفة بما يكفي لكبح النمو الاقتصادي بشكل كبير. يعتقد مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي أن سعر الفائدة الذي يبلغ 2.5% على أموال الاحتياطي الفيدرالي سيكون محايداً، عندما يصل التضخم لمستوى 2%.

لذا، يبدو أن ذلك يوحي أن سعر الفائدة الذي يبلغ 5% على أموال الاحتياطي الفيدرالي (المقارن بالنطاق المستهدف حالياً بين 4.25% و4.5%) أو أكثر قليلاً يجب أن يكون كافياً لتحقيق النتيجة المرجوة.

الفائدة الأميركية تبلغ ذروتها منذ الأزمة المالية العالمية

لكن هناك بعض الأسباب المهمة وراء احتمال أن يكون سعر الفائدة المحايد أعلى. أولاً، لأن معدلات التضخم وتوقعاتها مرتفعة حالياً، يجب أن يكون سعر الفائدة المحايد مرتفعاً هو الآخر. من الصعب تحديد إلى مدى. هل علينا استخدام توقعات التضخم لعام واحد، التي ما تزال مرتفعة، أم توقعات التصخم الأطول أجلاً، التي ما تزال راسخة بقوة؟

ميزان الاستثمار والادخار

هناك أمر آخر وهو ميزان الاستثمار والادخار. إذا ارتفع الطلب على الاستثمار – على سبيل المثال، بسبب تكاليف تحويل الإنتاج إلى السيارات ذات المحركات الكهربائية أو بناء مرونة أكبر تجاه سلاسل الإمداد – يوحي ذلك بأسعار الفائدة الحقيقية الأعلى قصيرة الأجل.

على نحو مشابه، إذا قلل تقاعد جيل طفرة المواليد وعجز الميزانية الفيدرالية الأكثر استمرارية ، فإن ذلك يدفع في الاتجاه نفسه. تذكَّر أن قبل الأزمة المالية، كان يُعتقد على نطاق واسع أن سعر الفائدة المحايد يبلغ نحو 4% - 2% سعر الفائدة الحقيقي (مثلما يتمثل في "قاعدة تايلور") و2% نسبة التضخم.

ما هو مسار التضخم الأميركي في التقرير الأخير لهذا العام؟

نقطة أخيرة – لكنها أقل وضوحاً – هي حقيقة أن ميزانية الاحتياطي الفيدرالي ما تزال متضخمة بشكل كبير، إذ تبلغ قيمة الأصول فيها 8.56 تريليون دولار. فسياسة التيسير الكمي أضافت تحفيزاً للسياسة النقدية. لذا، كان من المفترض أن يدفع ذلك التحفيز سعر الفائدة المحايد للارتفاع.

رغم أن ذلك التحفيز يجري سحبه الآن من خلال التقشف الكمي، سيتطلب الأمر عاماً أو اثنين آخرين للوصول إلى ما كنا عليه في البداية. لذا، رغم أن التقشف الكمي يجعل السياسة النقدية أكثر تشدداً، فإنه لم يفعل ذلك بعد بمقارنة بما كنا عليه في البداية.

اتجاه أسعار السلع

ثالثاً، قد ينجذب المشاركون في السوق (بالإضافة إلى الاحتياطي الفيدرالي) أكثر مما ينبغي إلى تراجع مستوى التضخم في أسعار السلع.

تحول تاريخي بأسواق السلع العالمية بعد خروج تدفقات بـ129 مليار دولار

إن الضغط التصاعدي نحو ارتفاع أسعار السلع دائماً على الأرجح عابر وانتقالي بدرجة كبيرة – وقد نتج بشكل رئيسي عن تحول هيكل الطلب باتجاه السلع في ذروة جائحة كورونا، التي انحسرت الآن. إذا كنت مستعداً لتجاهل الضغوط العابرة على أسعار السلع وهي في طريقها للارتفاع، فعليك أيضاً أن تتجاهلها وهي في طريقها للانخفاض.

من المرجح أن تضخم أسعار السلع سينخفض عن اتجاهه الأساسي في 2023 قبل أن يعود إلى مسار الارتفاع في 2024 وما بعدها.

3 نقاط مهمة

ما الذي ينبغي أن نتحسب له أثناء المضي قدماً؟ علينا التركيز على 3 نقاط:

1) سوق العمل: لكبح تضخم أسعار الخدمات، على مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي تخفيض تضخم الأجور إلى نطاق 3% إلى 4%. سيتطلب ذلك سلسلة بيانات متواصلة تزيد فيها أعداد المدرجين في قوائم الأجور بأقل من 100 ألف شهرياً مع زيادة في معدل البطالة إلى ما بين 4.5% و5% على الأقل من المستوى الحالي الذي يبلغ 3.7%.

زيادة الوظائف والأجور الأميركية تواصل الضغط على "الفيدرالي"

2) أوضاع السوق المالية: حتى تحقق السياسة النقدية النتيجة المرجوة، لابد أن تظل السياسة المالية تقشفية. إذا تحسنت الأوضاع المالية، يضع ذلك عبئاً أكبر على الاحتياطي الفيدرالي ليبقي أسعار الفائدة أعلى لفترة أطول.

3) الاحتياطي الفيدرالي: لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية اتخذت موقفاً موحداً في التزامها الجماعي بخفض التضخم مرة أخرى إلى 2%. لكن مع تدهور سوق العمل، ستصبح مهمة الاحتياطي الفيدرالي المزدوجة في وضع متناقض، وستزداد صعوبة الوفاء بها. رغم اعتقادي أن الاحتياطي الفيدرالي سيحافظ على مساره، سيتزايد الضغط السياسي على البنك المركزي مع اقتراب جولة الانتخابات في 2024.

مخاطر الطاقة والمالية العامة

هل هناك أي مخاطر كبيرة؟ هناك اثنان أود تسليط الضوء عليهما:

الأول هو أسعار وأمن الطاقة. هنا توجد الكثير من العوامل المتغيرة. قد يقرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استخدام إنتاج النفط الروسي كسلاح. وقد يؤدي انتهاء العمل بسياسة "صفر كوفيد" في الصين إلى كبت الطلب على الطاقة ثم تحفيزه. واستمرار انخفاض الاستثمار في إنتاج النفط والغاز قد يساهم أيضاً في زيادة أسعار وتقلباتها.

الاحتياطي الفيدرالي يعوّل الآن على مفاجأة لإنقاذ الاقتصاد

الخطر الثاني هو مستقبل المالية العامة. من المرجح أن يبلغ عجز الموازنة نحو 5% من الناتج المحلي الإجمالي في 2023. وهذا أداء بائس مع تجاوز الاقتصاد مستوى التوظف الكامل. إضافةً إلى ذلك، فهي نقطة تحرك سيئة لما ينتظر السوق مستقبلاً – ارتفاع تكلفة خدمة الديون وزيادة الإنفاق على برامج الرعاية الصحية "ميديكير" والضمان الاجتماعي، مع تقاعد جيل مواليد عهد الرخاء الطويل.

تفاقم الضغط

سيتفاقم الضغط على مالية الحكومة بسبب الارتفاع الكبير في تكلفة التزامات الاحتياطي الفيدرالي (احتياطيات البنوك بشكل أساسي)، مقارنة مع الأرباح التي يحققها الاحتياطي الفيدرالي من حيازاته لسندات الخزانة والأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري.

الارتفاع في أسعار الفائدة قصيرة الأجل سيؤدي إلى تراجع دخل البنك المركزي ليتحول من تحقيق أرباح تجاوزت 100 مليار دولار في 2021 إلى تكبد خسارة بأكثر من 100 مليار دولار في 2023. كما قال إيفريت ديركسن حينما كان زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ: "مليار هنا ومليار هناك، وعما قريب سنتحدث عن أموال حقيقية".

رغم أنه من الصعب التحديد بدقة متى ستعتبر هذه الخسائر المستمرة كبيرة بما يكفي لإثارة الاهتمام، يبدو أنه لا مفر من حدوث أزمة مالية واضطرابات في سوق السندات في مرحلة ما.