كيف يمكن أن تضم الصين "الشيوعية" كل هؤلاء المليارديرات؟

رجل يحمل طائرة ورقية على شكل العلم الوطني الصيني عند الواجهة البحرية لمدينة  شنغهاي. الصين
رجل يحمل طائرة ورقية على شكل العلم الوطني الصيني عند الواجهة البحرية لمدينة شنغهاي. الصين المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

عندما أعلن رجل الأعمال الأغنى بين أصحاب الثروات المالية الضخمة في الصين، "جاك ما" (Jack Ma)، مؤسس مجموعة "علي بابا" عملاقة التجارة الإلكترونية، انضمامه للحزب الشيوعي الصيني، ظهرت التساؤلات حول، كيف تكون الصين التي كثيراً ماعُرف عن معاداتها للفكر الرأسمالي، قد أصبحت تربة خصبة لنمو الثروات الشخصية؟. ويعود ذلك إلى 4 عقود مضت، عندما طرح مُنظِّر الحزب الشيوعي الصيني "دنج شياو بينغ"، مجموعة إصلاحات حوَّلت البلاد إلى ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم.

1. كم عدد أصحاب المليارات في الصين؟

وفق بيانات تمَّ رصدها في نوفمبر 2020 يتتبع "مؤشر بلومبرغ للمليارديرات" ثروات أغنى 500 شخص في العالم، ومن بينهم 74 شخصية صينية، وبالنظر إلى أصحاب المليارات في العالم بنهاية 2019، البالغ عددهم 2825 مليارديراً، نجد أنًّ 788 شخصية منهم أي ما نسبته 28 % من الولايات المتحدة الأمريكية و342 شخصية، أي ما نسبته 12% من الصين، ويملكون 1.151 تريليون دولار، وفقاً لشركة أبحاث الثروة العالمية "ويلث إكس" (Wealth-X) في تقرير سابق صدر في يوليو 2020. في حين تُقدِّر مجموعة "يو بي إس" أنَّ مليارديراً جديداً يظهر في الصين كل يومين.

2. لماذا سمح الحزب الشيوعي للناس بالثراء؟

"شرٌٌ لا بد منه"، هذا ما يراه الحزب الشيوعي الصيني، لأنَّ النهوض بالمصلحة الأساسية لأغلبية الشعب الصيني من المهام الجوهرية التي يضعها نصب عينيه. وهنا يفسر "دينج" مقولته الشهيرة التي تنص على أنَّ الاشتراكية لا تعني الفقر، كما لا بأس في أن يسعى الناس إلى أن يصبحوا أثرياء بهدف تحسين حياة الجميع، ومنذ أن طرح دينج سلسلة إصلاحاته، انتُشل أكثر من 700 مليون شخص من الفقر في الصين.

3. هل الحزب لا يعنيه إن كانت الصين شيوعية أم لا؟

ينصُّ دستور الحزب الشيوعي الصيني على أنَّ "المُثُل العليا والهدف النهائي للحزب يتمثل في تحقيق الشيوعية"، إلا أنه لم يحدد إطاراً زمنياً لتحقيق ذلك، وهذا الأمر من شأنه أن يمنح قادة الحزب مساحةً أكبر للمناورة ضمن هذا الهدف الأوسع نطاقاً.

كما وفَّر ذلك مساحة لبروز وجهات النظر المتباينة، إذ لا يزال الزعيم الصيني السابق "ماو تسي تونج"، الذي شغل منصب رئيس جمهورية الصين الشعبية، وتولى قيادة الحزب الشيوعي في البلاد، يحظى بتقدير واحترام كبيرين، وذلك بالرغم من الخطوات التي اتخذها وأدت إلى انتشار المجاعة وسفك الكثير من الدماء.

ويحظى "دينغ"، الذي دعا إلى تبني إصلاحات اقتصادية في السوق والانفتاح على الاستثمارات الأجنبية، بالقدر نفسه من الاحترام. ومع ذلك، لا بد أن يُظهر القادة احترامهم للأيدولوجية التي قام عليها الحزب، فقد احتفل الرئيس "شي جين بينج" عام 2018 علناً بالذكرى السنوية الـ 200 لميلاد "كارل ماركس"، الأب الروحي للنظرية الشيوعية، وأهدى تمثالاً برونزياً ضخماً لماركس إلى البلدة التي وُلد فيها في ألمانيا.

4. كيف ستبدو ملامح الشيوعية في الصين؟

تنظر الصين إلى الشيوعية على أنها "يوتوبيا" العصر الحديث، إذ أنَّ الشيوعية تنصُّ بأنَّ لكل فرد الحق في امتلاك وسائل الإنتاج، وأنَّ جميع المواطنين يعملون من أجل الصالح العام وجميعهم متساوون، والثروة تُقسم حسب الحاجات. وسواءً كان كل ذلك واقعياً أم لا، فقد حدد الحزب مراحل التطوير اللازمة لتحقيق هذه الأهداف، ولكن من أجل تحقيق الشيوعية، لا بد أن تعمل الصين على تحقيق الاشتراكية أولاً وقد وضع "شي جين بينج" استراتيجية لتحقيقها بحلول عام 2035.

قال "شي جين بينغ" في خطاب ألقاه عام 2017، إن التحديث الاشتراكي من شأنه أن يجعل الصين رائدة عالمياً في مجال الابتكار وأن يجعل السيادة للقانون، وأن تصبح الثقافة الصينية أكثر جاذبية ورواجاً في العالم، بالإضافة إلى ذلك، سيعيش الناس في رخاء وسيحصل السكان على الخدمات العامة الأساسية، وستتقلص الفوارق في الدخول خاصةً بين سكان المناطق الحضرية والريفية، وستتحسن البيئة تحسناً جوهرياً.

5. هل يدعم الحزب الشيوعي الثروة الشخصية؟

يبدو الأمر معقداً بعض الشيء، لأنَّ الحزب الشيوعي الصيني يدعم الشركات الخاصة والروح الريادية بوصفهما محركاً أساسياً للنمو الاقتصادي وخلق فرص العمل. أمَّا حين يتعلق الأمر بالثروة الشخصية، يبدو الحزب متردداً في دعمه لها، لما تعنيه من تزايد الفجوة في الدخل بين الأغنياء والفقراء التي لا توحي أبداً بالشيوعية.

سبق وأن قال "شي جين بينغ"، في أحد خطاباته، إنَّ على الصين تقليص هذه الفجوة، فجاء فرض الضرائب كإحدى السياسات التي تم تبنيها في سبيل ذلك، إذ قام المسؤولون بتخفيض الضرائب على أصحاب الدخل المنخفض، وفي المقابل فرضوا الرسوم على الممتلكات، الأمر الذي من شأنه زيادة العبء الضريبي على الأثرياء.

6. ما المخاطر التي يواجهها أصحاب المليارات في الصين؟

كثَّفت حكومة "شي جين بينغ" جهودها في التدقيق على كيفية حصول الأثرياء على أموالهم، مما أدى إلى سقوط بعض كبار رجال الأعمال الأثرياء من ذوي النفوذ. وتشمل إحدى القضايا البارزة التحقيقات المتعلقة برجل الأعمال "وو شياو هوى"، مؤسس شركة التأمين "أنبانج للتأمين"، ورجل الأعمال "شياو جيان هوا" الذي طُلب من شركته "تومورو القابضة" التنازل عن العديد من أصولها المالية.

كما اختفى بعض المليارديرات، إذ شهدت شركة "لاندنج التنمية الدولية" انخفاضاً سريعاً في قيمتها، بعد أن اختفى رئيس إدارتها السابق الملياردير "يانج تشيهوي" في ظروف غامضة، واستعادت جزءاً من قيمتها المفقودة بعد أن ظهر بعد 3 أشهر.

في حين فرَّ آخرون إلى الخارج، من أمثال "جو وينجوي"، الذي تعاون مع "ستيف بانون" كبير الخبراء الاستراتيجيين السابق للرئيس الأمريكي "دونالد ترمب" لجمع 100 مليون دولار من أجل دعم التحقيقات المتعلقة بحوادث مقتل واختفاء المسؤولين التنفيذيين الصينيين، والسياسيين، والشخصيات العامة.

7. هل لأثرياء الصين رأي؟

نعم.. إنَّ العديد من أثرياء الصين الرجال والنساء أعضاء في البرلمان، أو هيئاته الاستشارية، وهذا بدوره يمنحهم الفرصة في التأثير على توجُّه السياسة عبر تقديم مقترحات للتشريع، أو كسب تأييد المسؤولين الحكوميين. وكان "ما هواتنغ" رئيس شركة "تينسنت القابضة" من الذين استفادوا من سياسات "شي جين بينغ"، والذين تمَّ انتخابهم في المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني.