محضر "الفيدرالي" يوضح جوانب المفاضلة بين سوق العمل والتضخم

استمرار ارتفاع الأسعار يعزز فرص تجاوز الفائدة لمستويات أعلى من 5% العام الجاري

مقر بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بواشنطن العاصمة بالولايات المتحدة
مقر بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بواشنطن العاصمة بالولايات المتحدة المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يستعدّ بنك الاحتياطي الفيدرالي لإلقاء مزيد من الضوء على سبب قلقه من احتمال استمرار التضخم في الولايات المتحدة المرتفع بشدة مع دخول الاقتصاد الأميركي العام الجديد.

نشر صناع السياسة النقدية توقعات جديدة بختام اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة خلال يومي 13 و14 ديسمبر الماضي، التي كشفت عن توقعهم إنهاء التضخم لعام 2023 عند مستوى أعلى مما كانوا يعتقدون بالسابق. وهو ما وفّر دعماً مفاجئاً على نطاق واسع للتوقعات بأن أسعار الفائدة ستصعد لتتخطى 5% خلال العام الحالي.

من المقرر أن ينشر بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي محضر الاجتماع اليوم الأربعاء الساعة 2 بعد الظهر بتوقيت واشنطن.

توقعات التضخم

توقع المسؤولون أن يُنهي التضخم العام الحالي عند 3.1%، حسب أوسط ترجيحاتهم، مقارنة بـ2.8% في توقعاتهم الفصلية السابقة المنشورة في سبتمبر الماضي. وتتناقض التوقعات الأخيرة لبنك الاحتياطي الفيدرالي مع ترجيحات "وول ستريت"، التي باتت أكثر تفاؤلاً خلال الشهور الأخيرة بوجه عام مع بدء ضغوط الأسعار في الانحسار.

في أثناء مؤتمره الصحفي عقب الاجتماع، ربط رئيس البنك جيروم باول تشاؤم البنك المركزي إزاء التضخم باستمرار قوة سوق العمل، مشيراً إلى أسعار الخدمات تحديداً.

إنفوغراف: التضخم في الولايات المتحدة وأهداف الفيدرالي

أوضح كيفين كامينز، كبير خبراء الاقتصاد الأميركي بشركة "نات ويست ماركتس" (NatWest Markets) في ستامفورد بولاية كونيتيكت: "كان رفع توقعات التضخم بمثابة مفاجئة نظراً إلى أن الأمور بدت وكأن غالبية خبراء الاقتصاد كانوا يتوقعون حدوث تغيير محدود للغاية هنالك، وكنت أنتظر منهم تقليص توقعاتهم، ويبدو أن هناك إجماعَ آراء حول أنه يتوجب عليهم تخطي 5% أكثر مما كنت أعتقد قطعاً أن الأرقام تشير إليه ضمنياً".

يدخل الاحتياطي الفيدرالي العام الجديد بإصرار شديد على التأكد من انتصاره في الحرب على التضخم، الذي تقدم خلال 2022 لأعلى مستوياته خلال 4 عقود قبل أن يبدأ في التقهقر خلال الأشهُر الأخيرة من العام الماضي.

أسعار الفائدة

شرع البنك المركزي في زيادة سعر الفائدة الأساسي في مارس الماضي من مستوى الصفر تقريباً، وهو ما كان مثار انتقاد من قِبل أطراف خارجية عديدة، على أساس أنها كانت بداية متأخرة لدورة تشديد السياسة النقدية. رفع الفيدرالي بعد ذلك الوتيرة عبر إقرار زيادات ضخمة لأسعار الفائدة لأغلب الفترات المتبقية من العام، ما زاد سعر فائدة التمويل لدى البنك المركزي إلى 4.3%- وهو الأعلى منذ 2007.

لماذا أخطأت "وول ستريت" في توقعاتها للتضخم والفائدة خلال 2022؟

خلال اجتماع ديسمبر الماضي، فضّل صناع السياسة النقدية زيادة سعر الفائدة بنصف نقطة مئوية، عقب 4 زيادات بـ75 نقطة أساس لكل منها، لكنهم لوّحوا أيضاً إلى زيادات لسعر الفائدة بما يصل إلى 75 نقطة أساس مرة أخرى العام الجاري، أي أعلى من توقعات مراقبي الاحتياطي الفيدرالي، مع الأخذ بالاعتبار تراجع أرقام التضخم في الأشهُر الأخيرة.

في هذا الإطار، قالت بريا ميسرا، الرئيسة العالمية لوحدة استراتيجية أسعار الفائدة بشركة "تي دي سيكيوريتيز" (TD Securities) في نيويورك، إن توقعات أسعار الفائدة "كانت متشددة تماماً وتفوق بكثير ما توقعته السوق".

مستثمرو سوق الائتمان يترقبون توجه "الفيدرالي" الأسبوع الجاري

نوهت ميسرا بأنها ستبحث في محضر الاجتماع عن إشارات تدلل على أن اللجنة عدّلت من موقفها إزاء المفاضلة بين مكافحة التضخم والحفاظ على معدلات توظيف مرتفعة، وأضافت أن السؤال المهم يتمثل في: "ما مقدار صعود معدل البطالة الذي يمكنهم تحمله؟".

يتوقع المستثمرون حالياً عودة الاحتياطي الفيدرالي لزيادة أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية خلال اجتماع السياسة النقدية المقبل المقرر عقده في الفترة من 31 يناير إلى 1 فبراير، ويرجحون بلوغ سعر فائدة التمويل لدى الاحتياطي الفيدرالي ذروته عند أقل من 5% بقليل مع حلول منتصف العام الحالي، حسب بيانات العقود الآجلة.

رأي خبراء "بلومبرغ إيكونوميكس"

قالت آنا وونغ كبيرة خبراء الاقتصاد الأميركي: "سيكشف محضر الاجتماع الذي عُقد في 13 و14 ديسمبر الماضي عن أن الشعور بالقلق حيال عدم تراجع قوة سوق العمل بسرعة كافية هو الذي دفع 17 من أصل 19 عضواً باللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة إلى وضع سعر فائدة لنهاية العام يفوق 5% في المخطط النقدي المُحدث. سيعدّ ذلك تحولاً قوياً مقارنة بمحضر اجتماع نوفمبر الماضي الذي جاء بنبرة تيسيرية، والذي بيّن أن هناك صناع سياسة كثيرين كانوا يناقشون مخاطر الإفراط في التشديد النقدي".

تقرير الوظائف والبطالة

دعمت هذا التوقع البيانات الأخيرة المتعلقة بضغوط الأسعار التي نشرتها وزارة التجارة الأميركية في 23 ديسمبر الماضي، والتي بيّنت زيادة معدل التضخم الأساسي -الذي يستبعد تكاليف الغذاء والطاقة- بنسبة 0.2% فقط في نوفمبر الماضي. جاءت هذه النسبة أقل مما تضمنته توقعات الاحتياطي الفيدرالي الأخيرة، كما ستكون البيانات الشهرية المقبلة بنفس القدر متسقة مع عودة التضخم إلى مستهدف البنك المركزي البالغ 2%.

لكن، حسب ما بيّن باول، فإن تقرير الوظائف الشهري الصادر عن وزارة العمل الأميركية المنتظر صدوره الجمعة سيكون أيضاً بمثابة عامل مهمّ في قرار الفائدة في فبراير المقبل. ويتنبأ الخبراء أن يكشف هذا التقرير حدوث نمو بالوظائف بصورة محدودة تصل إلى 200 ألف وظيفة الشهر الماضي، حسب استطلاع رأي أجرته "بلومبرغ". من المنتظر أن يستقر معدل البطالة عند 3.7%، وتشير التوقعات إلى أن نمو الأجور سيتراجع إلى 5% على أساس سنوي.

تضخم الأجور قد يدفع "الاحتياطي الفيدرالي" لرفع ذروة الفائدة

بصرف النظر عن طريقة تقييمها، تظل أوضاع سوق العمل قوية، وفق مارك سبينديل، كبير مسؤولي الاستثمار بشركة "إم بي بي كابيتال بارتنرز" (MBB Capital Partners) ومقرها في شيكاغو.

أشار سبينديل أيضاً إلى أنه سيبحث عن إشارات عن تغاضي الاحتياطي الفيدرالي عن مخاطر وصول البطالة إلى معدلات أعلى من 4.6% التي توقعها لعامي 2023 و2024، وهو ما يتجاوز المعدل الحالي بنقطة مئوية كاملة تقريباً.

ويرى سبينديل عن تحقيق الهبوط السلس للاقتصاد في 2023 أن "الوضع سيكون أشد صعوبة"، خصوصاً في حال واصل بنك الاحتياطي الفيدرالي خططه لتشديد السياسة النقدية. وبالنظر إلى طريقته في إدارة السياسية النقدية بعنف، قال: "إنهم يشبهون الجزارين، لا الجراحين".