الشركات الصينية تتهافت على إندونيسيا بحثاً عن النيكل

استثمرت الشركات 14.2 مليار دولار على مدى 10 سنوات لضمان واردات المعدن لصناعة البطاريات

مجمع موروالي الصناعي في إندونيسيا
مجمع موروالي الصناعي في إندونيسيا المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

باشرت شركات تعدين صينية العمل في جزيرتي سولاويزي وهالماهيرا في إندونيسيا على بعد 5000 كيلومتر جنوب بكين في موطن أكبر احتياطي نيكل في العالم، فأنشأت مصافي تكرير ومصاهر ومدرسة لتعليم فنون التعدين، بل وبنت متحفاً للنيكل.

استثمرت الشركات الصينية ما مجموعه 3.2 مليار دولار خلال 2022 وحده في الجزيرتين النائيتين ليبلغ إجمالي استثماراتها 14.2 مليار دولار خلال 10 سنوات، وهو ما يضمن تأمين إمداداتها من النيكل طيلة عقد مقبل.

يتزايد القلق من أن يفوق الطلب على النيكل المعروض منه في المستقبل القريب، وهو عنصر هام يدخل أساساً في إنتاج الفولاذ المقاوم للصدأ، كما أنه حيوي لصناعة السيارات الكهربائية، إذ يُمثل 90% من أغلى أجزاء البطاريات عالية الكفاءة.

تُمثل تلك الندرة مشكلة لمُصنّعي السيارات الكهربائية حول العالم، فقد توسل إيلون ماسك، رئيس "تسلا" التنفيذي شركات التعدين، خلال مؤتمر هاتفي للتعليق على الأرباح السنوية لعام 2020، طالباً منهم "تعدين مزيد من النيكل" وخاصةً الشركات الصينية، حيث أكبر سوق في العالم للسيارات الكهربائية.

تتوقع "بلومبرغ إن إي إف" أن تهيمن الشركات الصينية على سلسلة توريده لخمس سنوات مقبلة على الأقل في ظل حرصها على تأمين إمدادات مختلف مكونات البطاريات. تحتاج الولايات المتحدة استثمار نحو 90 مليار دولار بحلول 2030 لتكسر الاعتماد على الصين في إمدادات النيكل وباقي المعادن الهامة.

شريك متحمس

تملك الصين أقل من 5% من الاحتياطي العالمي من النيكل، لذلك اتجهت للتنجيم عن المعدن خارج حدودها كما فعلت مع الكوبالت في الكونغو والليثيوم بأميركا الجنوبية والوسطى، فوجدت ضالتها في بلد يتوق لرأس المال الأجنبي والخبرة الفنية.

قالت ميشيل فوس، الزميلة بمركز دراسات الطاقة في معهد بيكر التابع لجامعة رايس، التي قدمت أبحاثاً عن سيطرة الصين المتزايدة على النيكل: "الصين لديها الرغبة والاستعداد للاستثمار بأماكن لم تذهب إليها الشركات الأميركية والأوروبية وحتى الكندية والأسترالية".

تحولت إندونيسيا إلى شريك متحمس في ظل إصرار الرئيس جوكو ويدودو على عدم تصدير البلاد مواد خام وإجبار المنتجين على التصنيع محلياً، ما دفع جوكوي، كما يُسمى هناك لحظر صادرات المواد الخام المعدنية في 2020 والحد من صادرات المنتجات القابلة للتصنيع.

الرئيس الإندونيسي يرجح فرض ضريبة على صادرات النيكل هذا العام

ارتفعت في العامين التاليين قيمة صادرات إندونيسيا من النيكل من 3 مليارات دولار إلى 30 مليار دولار. قال جوكوي خلال مقابلة في جاكرتا في أغسطس: "نريد الاستفادة من الصادرات ذات القيمة المضافة لزيادة دخل الدولة من الضرائب وخلق فرص عمل جديدة، فنحن لا نريد صنع بطاريات فقط لأن ذلك يُمثل نصف ما نريد وهو صناعة سيارات كهربائية في إندونيسيا".

تواصلت إدارة جوكوي مع شبكة واسعة من الشركاء، لكن حتى الآن لا يبدو أن هناك من لديه استعداد لاستثمار مبالغ كبيرة بمرافق الإنتاج سوى الصينيين، بينما استثمرت أستراليا وكندا وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة مجتمعة 1.5 مليار دولار فقط في سولاويزي وهالماهيرا خلال العقد الماضي.

أنواع رديئة

قد يرجع تردد بعض الدول بشأن الاستثمار في إندونيسيا جزئياً لانخفاض جودة نوع النيكل المُستخرج وهو يُستخدم في صناعة الفولاذ المقاوم للصدأ.

يحتاج صانعو بطاريات أيونات الليثيوم لأجود أنواع النيكل بدرجة نقاء تزيد عن 99.8%، التي يحصل عليها المنتجون أساساً من رواسب كبريتيد النيكل عالية الجودة التي تأتي من أستراليا وكندا.

تصاعدت حدة المنافسة على استكشاف سلاسل إمداد جديدة مع زيادة إنتاج السيارات الكهربائية.

تعتمد الشركات الصينية للحصول على نيكل أكثر جودة على تقنية الضغط العالي لترشيح الأحماض المعقدة والمكلفة والملوثة للبيئة، لكنها راهنت على استمرار ارتفاع الأسعار في ظل استخدام مواد خام رخيصة، ما يجعل التقنية مجدية تجارياً رغم تكلفتها الباهظة وخاصةً مع عدم إعطاء المستثمرين الصينيين أو الحكومة الإندونيسية أولوية للمخاوف البيئية على حساب المكاسب الاقتصادية المحتملة.

مشاريع ضخمة

أنشأت "جي إي إم" (GEM)، أحد موردي "سامسونغ إلكترونكس" و"كونتيمبوريري أمبيركس تكنولوجي" (Contemporary Amperex Technology)، أكبر شركة لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية في العالم في سبتمبر من خلال خط إنتاج مشترك في إندونيسيا يعتمد تقنية الضغط العالي لترشيح الحمض.

كما تُخطط مجموعة "تسينغشان هولدينغز" (Tsingshan Holding Group)، أكبر مُنتج للنيكل والفولاذ المقاوم للصدأ في العالم، لتوريد 100 ألف طن من مُنتج شبه مكرر يُسمى النيكل غير اللامع من مصفاة سولاويزي التي تعمل بتقنية الضغط العالي لترشيح الحمض لصالح شركتين صينيتين.

قال وزير تنسيق الاستثمار والموانئ والشحن الإندونيسي لوهوت بانجيتان في سبتمبر خلال رحلة جوية إلى سولاويزي استغرقت 4 ساعات من العاصمة: "لدى الصين مزيد من تقنيات التنقيب عن المعادن التي يُريدون إشراكنا فيها... ولدينا مزيد من النيكل في خليج ويدا وبولي وبنتان ما يعكس مدى ثراء البلد".

جال بانجيتان بعد مغارته الطائرة في مجمع موروالي الصناعية، حيث مصنع بطاريات أيونات الليثيوم الذي تدعمه "تسينغشان" و"كونتيمبوريري أمبيركس" ومصفاة التكرير التي تديرها "جيجانغ هوايو كوبالت" (Zhejiang Huayou Cobalt) وموقع إنشاء مصنع الصهر التابع لشركة "سي إن جي آر أدفانسد ماتيريال" (CNGR Advanced Material). أينما توجه بانجيتان، كانت هناك لافتات ترحيب بلغتين: الماندرين والإندونيسية.

وقت ذروة انتهاء العمل مساءً في مجمع موروالي الصناعية
وقت ذروة انتهاء العمل مساءً في مجمع موروالي الصناعية المصدر: بلومبرغ

مصير واحد

تواجه الشركات الصينية مقاومة في أماكن أخرى، إذ تكثف أستراليا وكندا والولايات المتحدة التدقيق على الاستثمار الأجنبي في المواد الخام الحيوية لصناعة السيارات الكهربائية والطاقة النظيفة.

كما طغى البرود على علاقة الصين مع الفلبين، التي لديها احتياطيات كبيرة من خام النيكل، بسبب اتهامات بانتهاكات الصين في بحر الصين الجنوبي.

كندا تطالب 3 شركات صينية بالتخارج من تعدين الليثيوم بالبلاد

لا يُرحب الجميع في إندونيسيا بتلك الشراكة، حيث ارتبط التوسع الصيني هناك بازدياد أعداد العمال الصينيين المهاجرين في سوق عمل عالية التنافسية. سعياً لتهدئة بعض الاستياء، شدد البلدان متطلبات تصاريح العمال الصينيين لدخول إندونيسيا.

لا تدعم الصين قيمة إندونيسيا في سلسلة إمدادات النيكل فحسب، بل تتيح لها تعلم طريقة عمل يبدو جوكوي سعيداً بها، وهي الترحيب بالمستثمرين الأجانب شريطة مشاركتهم الملكية الفكرية والاستثمار بالتدريب والتطوير. كانت هذه السياسة حيوية للتنمية في الصين في تسعينيات القرن الماضي ومطلع الحالي.

اقترح الرئيس الصيني شي جين بينغ في نوفمبر حين التقى نظيره جوكوي ترسيخ العلاقة بين البلدين وأن تكون قائمة على فكرة "مصير وتحديات مشتركة"، في إشارة لتحدي السعي للتحول إلى دول غنية قبل ارتفاع أعمار سكان البلدين.