ملاك أبنية نيويورك يختبرون شفط الكربون امتثالاً لقانون مناخي

يتبنى الملاك حلولاً غير تقليدية لإزالة كربون المباني قبل تطبيق المدينة لقانون غازات الاحتباس الحراري

نظام "كاربون كويست" البيئي المركب في برج غراند تير.
نظام "كاربون كويست" البيئي المركب في برج غراند تير. المصدر: كاربون كويست
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

غراند تير برج من 30 طابقاً يقع عند تقاطع شارعي برودوي و64 في مانهاتن يتميز بفخامة التفاصيل كما هو حال أبنية منطقة أبر ويست سايد. إضافة لإطلالته على سنترال بارك، يزدان بهوه برسوم قماشية فرنسية ورخام الترافين الفضي وزخارف معدنية إيطالية.

لكن لهذا البرج القائم منذ عقدين ميزة فريدة، إذ يضم قبوه مجموعة أنابيب وضواغط تحتل مساحة مواقف ست سيارات لتنقية غازات العادم الآتية من مرجلين يعملان بالغاز الطبيعي. تفصل هذه المعدات ثاني أوكسيد الكربون عن النيتروجين والأوكسجين وتحوله إلى سائل وتخزنه في خزانات معدنية.

تعكس منصة احتجاز الكربون التي رُكبت العام الماضي، وهي المنصة الوحيدة في المدينة ضمن بناء سكني، التحدي البيئي الذي تواجهه المدينة. يهدف القانون المحلي رقم 97، وهو تشريع مناخي رائد أُقر في 2019 لخفض الانبعاثات الصادرة عن أضخم مباني نيويورك بنسبة 40% بحلول 2030 و80% بحلول 2050.

"تحول الطاقة" بدأ.. ولن يكون سلساً

ستبدأ المدينة بتغريم أصحاب العقارات التجارية والسكنية التي تفتقر للكفاءة البيئية العام المقبل وستزداد الغرامات بشدة في 2030.

تجعل كثافة سكان نيويورك المدينة فريدة بين قريناتها الأميركية، حيث تأتي الحصة الأكبر من انبعاثات غازات الدفيئة من المباني وليس من السيارات أو محطات الطاقة. أما الرهان الكبير وراء القانون الذي ألهم إصدار تشريعات مماثلة في بوسطن وواشنطن العاصمة، فهو أن ثروة نيويورك وطاقة ريادة الأعمال فيها ستحولان المدينة إلى أرض لإثبات فاعلية التقنية المناخية على المستوى الوطني.

تقنية احتجاز الكربون

قال برايان أسبارو رئيس عمليات شركة "كربون كويست" (CarbonQuest) الناشئة التي عملت على منصة برج غراند تير مع الشركة التي تملكه "غلينوود مانجمنت" (Glenwood Management): "تصدر مدينة نيويورك 17 مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون من المراجل والسخانات سنوياً. فلماذا لا تكون هناك تقنية كهذه عند كل مرجل؟".

قال أسبارو أن تكلفة معدات احتجاز الكربون هي نحو خُمس الاستثمار اللازم لتحويل أنظمة المبنى مثل المواقد والمراجل التي تعمل بالوقود الأحفوري لتصبح كهربائية، كما أنها مرنة بما يكفي لتلائم أي مبنى تقريباً.

الطاقة المتجددة تحتاج إلى 1.3 تريليون دولار سنوياً بحلول 2030 لتحقيق أهداف المناخ

ستساعد هذه المعدات مبنى غراند تير على تجنب دفع 100 ألف دولار في العام كغرامات وفق قانون المناخ المحلي، التي ستُطبق اعتباراً من 2024، و ستتضاعف أربع مرات في 2030.

قد يطلق هذا القانون الجديد سوقاً لتحديث مباني المدينة تبلغ قيمتها 20 مليار دولار على امتداد العقد المقبل مع سعي ملاك العقارات لخفض الانبعاثات في 50 ألف مبنى تقريباً، حسب المجلس الحضري الأخضر.

قال زاكري شتاينبرغ، نائب الرئيس الأول للسياسة في مجلس العقارات في مدينة نيويورك، وهو اتحاد يمثل كبار الملاك: "إن الجزء الأكبر من هذه الاستثمارات سيذهب إلى أعمال كفاءة الطاقة المنخفضة المعلقة". يتضمن ذلك إضافة مصابيح "إل إي دي" ونوافذ بثلاث طبقات من الزجاج ومعدات تدفئة وتبريد محدثة مثل مضخات الحرارة.

حلول احتجاز الكربون

لكن ستكون هناك حاجة لحلول غير تقليدية نظراً لتنوع المباني والميزانيات في المدينة. قال ستينبيرغ: "صنع الجميع نماذج معقدة لمبانيهم لفهم من أين يأتي استهلاك الكهرباء وانبعاثات الكربون". قال مجلس العقارات في ولاية نيويورك إن 3786 مبنى سيواجه غرامات وفق القانون المحلي في 2024، وسينمو هذا الرقم ليصل إلى 13544 مبنى في 2030.

قال ستينبيرغ: "كيفما كان الامتثال سنحتاج أدوات كثيرة. لا أستطيع حتى تخيل حجم تراكم الطلبات على مضخات الحرارة لتحويل 10 آلاف مبنى لتعمل على الكهرباء".

رغم أن القانون المحلي لا يذكر صراحة احتجاز الكربون، إلا أن المطلعين على الصناعة يقولون إنه يتضمن أحكاماً تأخذ هذه التقنية بعين الاعتبار في مسعى تنفيذ مهمة خفض الانبعاثات.

ألمانيا تعود للفحم لتأمين الطاقة على حساب الأهداف المناخية

ركزت معظم عمليات احتجاز الكربون حتى الآن على المعامل الضخمة التي تسعى لتفريغ الغازات من انبعاثات المداخن في محطات الكهرباء أو من الجو نفسه، لكنها تستهلك كثيراً من الكهرباء لدرجة أن المجهود المبذول يحد من أي مكاسب محققة لإزالة الكربون. قالت "كربون كويست" إن أنظمتها أكثر فعالية لأنها تعمل على نطاق أصغر عند المصدر.

تقول شركة "غلينوود" التي تخطط لتوسيع مشروعها الرائد لاحتجاز الكربون إلى خمس مواقع إضافية، إنها تعمل على التعامل مع الانبعاثات على عدة جبهات مثل استبدال المحركات الكهربائية وتركيب أنظمة لفصل البخار عن المكثفات وتحديث المراجل والأسطح والعزل.

قال جوشوا لاندن نائب رئيس "غلينوود" لشؤون الإدارة: "يكمن الحل في النهاية بتحول المبنى للعمل على الكهرباء بالكامل مدعوماً بشبكة تغذيها كهرباء منتجة من الطاقة المتجددة".

لكنه يبحث عن تقنية يمكنها العمل بشكل أسرع، شارحاً أن الوضع يشبه اقتراب عربة إطفاء من مكان الحريق بخزان غير ممتلئ بالماء، فهل تعيدها من حيث أتت؟

قال لاندون: "يعمل نظام (كربون كويست) هذا على تقليل الانبعاثات بنسبة 25%. لقد قمنا بكثير من الاستثمارات الكبيرة التي لم تقدم لنا مثل هذه النسبة".

الطاقة الشمسية

في وسط بروكلين نجد أن "ألوي ديفلوبمنت" (Alloy Development) تعتمد مقاربة مختلفة في مبنى 100 فلاتبوش، وهو برج يضم 441 مسكناً مختلط الدخل و30 ألف متر مربع من متاجر البيع بالتجزئة. سيتحول المبنى بأكمله للعمل على الكهرباء، التي ستولد من ألواح الطاقة الشمسية وبطاريات تخزن المخرجات المتقطعة.

قال إيه جيه بيريس رئيس "ألوي": "سنصل إلى مستقبل أفضل من خلال جعل كل شيء يعمل على الكهرباء وجعل شبكة الكهرباء تستند إلى الطاقة المتجددة".

سيتطلب المشروع 7 ميغاواط من كهرباء الطاقة الشمسية، أي ألواح تغطي مساحة 25 إلى 30 فداناً تقريباً، وهو ما لا يسهل بناؤه في نيويورك، فهو مشروع طاقة شمسية مجتمعي نموذجي، وقد تكون هناك مئات الأسر التي تعد بشراء الكهرباء المنتجة من الألواح الشمسية على الأسطح والواجهات ومظلات مواقف السيارات القريبة.

كما قد يصعب تمويل مثل هذه التركيبات، لكن ينبغي أن تجعل مشاركة مالك عقار جدير ائتمانياً جمع المال من أجلها أسهل.

ما هي تعويضات الكربون؟ وما مدى جدواها؟

قال نوا غينسبيرغ مدير شركة "سولار ون" (Solar One): "الاقتصاديات تعمل بنجاح ونرى كثيراً من المشاريع الجديدة لتخزين الكهرباء تدخل حيز التشغيل".

وجدت دراسة أجريت في 2011 أن الألواح الشمسية على الأبنية يمكنها تلبية نصف استهلاك المدينة في ذروة النهار فقط و14% من إجمالي الطلب السنوي على الكهرباء، لكن المدينة تهدف لإضافة ألف ميغاواط من الاستطاعة المولدة من الألواح الشمسية بحلول 2030، حيث تُعدّ الطاقة المتجددة على الأسطح أساسية لخطة إزالة الكربون من الشبكة "بسرعة وتكلفة منخفضة وقيمة عالية".

أُعلنت تحديثات للتشريعات في أكتوبر وضحت أنه يمكن اعتبار الاستثمارات في الطاقة الشمسية وبطاريات التخزين خطوة نحو تحقيق متطلبات القانون المحلي 97.

استفسارات وانتقادات

تساعد شركة "بلوبرينت باور" (Blueprint Power) الشركات على إزالة الكربون، ويقول رئيسها التنفيذي روبن بيفيرز إنه رغم اقتراب الموعد النهائي للامتثال، ما تزال هناك أسئلة حول القانون 97.

مثلاً مايزال غير واضح ما إذا كان القانون سيعتمد نظام نقاط للطاقة المتجددة يمكن أن يشتريها ملاك العقارات كبديل عن تحديثات المباني، وقد تظهر سوق لتداول هذه النقاط ويمنح ملاك العقارات الكبيرة طريقة لتعويض الغرامات عبر الاستثمار في الطاقة الشمسية وبطاريات التخزين في الأبنية الأخرى. أضاف قوله: "قد يلفت هذا انتباه المستثمرين العقاريين ويحفزهم".

انتقد مجلس العقارات في مدينة نيويورك بعض نواحي القانون، ويجادل بشأن ضرورة تقديم دعم مالي أكبر للأعمال التي تسعى لإزالة الكربون. تدعم المجموعة قانوناً مقترحاً في الولاية لتقديم إعفاءات من ضريبة العقارات على مثل هذا الإنفاق.

قال ستينبيرغر: "يُعدّ تخفيض انبعاثات الكربون مصلحة عامة لكننا نعتقد أن هذا القانون فيه كثير من العقوبات لكنه لا يقدم أي حوافز ونحن بحاجة لحوافز".