آفاق صفقات الدمج والاستحواذ بقطاع الصحة الأميركي في 2023

تكهنات بفقدان شركات الأدوية 200 مليار دولار من عائداتها حتى 2030

طبيب يفحص مريضاً في مركز صحي بولاية ماريلاند، الولايات المتحدة
طبيب يفحص مريضاً في مركز صحي بولاية ماريلاند، الولايات المتحدة المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

استبعد صانعو الصفقات حدوث انتعاش سريع بعمليات الدمج والاستحواذ في مجال الرعاية الصحية داخل الولايات المتحدة، بعد ركود هو الأكبر منذ عام 2000.

رجح ريك لاندغارتن، المسؤول العالمي للرعاية الصحية والفِرق الاستشارية العقارية في "باركليز"، أن تكون بداية السنة بطيئة مع اعتماد آفاق عقد الصفقات جزئياً على اعتقاد الناس بأن التضخم قد بلغ ذروته، وهو ما سيساعد على تهدئة أسواق الأسهم وعودة تكاليف الديون إلى حدودها الطبيعية.

أضاف: "إذا حدث ذلك فمن المحتمل أن نشهد عودة لازدياد حجم عمليات الدمج والاستحواذ في النصف الثاني من العام الجاري، ويمكن بعد ذلك حدوث موجة من الصفقات التي كان يعدّ لها، أو تلك التي كانت تنتظر طرحها في السوق حين حدث التباطؤ منتصف العام الماضي".

شارك لاندغارتن توقعاته هذه مع مصرفيين آخرين ومحامين مختصين بعمليات الدمج والاستحواذ، قبل انطلاق مؤتمر "جيه بي مورغان تشيس" للرعاية الصحية هذا الأسبوع في سان فرانسيسكو، وهو أكبر تجمع حضوري في مجال الصحة منذ ثلاث سنوات.

يأتي المؤتمر بعد سنة تراجعت فيها صفقات شركات الرعاية الصحية الأميركية 43%، بعد المستوى القياسي الذي بلغ نحو 386 مليار دولار في 2021، وفقاً لبيانات جمعتها "بلومبرغ".

صفقات الاستحواذ

أعلنت شركات تصنيع الأدوية الحيوية السنة الماضية عن أدنى مستوى من الصفقات منذ 2013، مع أنهم عادوا في النهاية إلى توقيع عقود كبيرة، كصفقة استحواذ "أمجين" على "هورايزون ثيرابويتكس" بقيمة 27.8 مليار دولار، واستحواذ "فايزر" على "بيوهافن فارماسوتيكال هولدينغ" بقيمة 11.6 مليار دولار، اللتين رفعتا حجم التداول 36% إلى 82.8 مليار دولار، كما تظهر البيانات.

أدت أسواق تمويل الديون التي تعاني من الضيق إلى انخفاضات حادة في خدمات الرعاية الصحية ومداولات المعدات الطبية، التي لطالما كانت فيها شركات الأسهم الخاصة من بين الأكثر نشاطاً.

إضرابات الممرضين والمسعفين تفاقم أزمة القطاع الصحي البريطاني

تراجعت صفقات المعدات الطبية 66% إلى 50.2 مليار دولار، مع صفقة "جونسون آند جونسون" لشراء شركة تصنيع مضخات القلب "ابيوميد" بقيمة 17.3 مليار دولار، وهي الوحيدة التي تجاوزت 5 مليارات دولار. تضررت شركات المعدات الطبية أيضاً مع ارتفاع التكاليف بسبب أزمة سلاسل التوريد.

انتعاش المعدات الطبية

علق مايك غاينو، المسؤول العالمي للخدمات المصرفية المتعلقة بالرعاية الصحية في "جيه بي مورغان"، قائلاً: "نتوقع رؤية بعض الانتعاش في المعدات الطبية وأدوات علوم الحياة، بالإضافة إلى التشخيص، بعد سنة بطيئة نسبياً في 2022".

أعلنت شركات خدمات الرعاية الصحية، التي تشمل مقدمي الخدمات وشركات التأمين وتلك التي تخدمها، عن صفقات بقيمة 61.6 مليار دولار، أي 67% أقل من السنة الماضية، إذ إنّ اضطراب سوق الأوراق المالية جعل الاكتتابات العامة الأولية التي كان يجريها داعمو الأسهم الخاصة للتخارج من الشركات خياراً صعباً وعرقل عمليات البيع.

ضمت قائمة أبرز الشركات التي تشارك عادة في الصفقات كلاً من "ولغرينز بوتس اليانس" و"يونايتد هيلث غروب" و"سي في اس هيلث كورب" و"أمازون دوت كوم".

قال ديفيد بلايس، المسؤول الإداري في مجموعة الخدمات المصرفية للرعاية الصحية في "غوغنهايم سكيوريتيس" (Guggenheim Securities): "انقلب ميزان القوى مرة أخرى نحو الشركات ذات رؤوس الأموال الكبيرة، بسبب سوق التمويل المشترك الضيقة، والاضطرابات في الأسواق العامة".

خطوط إنتاج الأدوية

يرجح الخبراء أن يكون صانعو الأدوية الكبار هم الأنشط هذه السنة، لأن بحوزتهم تدفقات مالية كبيرة، كما أنهم بحاجة إلى تعزيز خطوط إنتاج الأدوية.

حسب تقديرات سوبين بارال، مسؤول صفقات العلوم الحيوية العالمية في "إي واي" (EY)، يُرجح أن تخسر شركات الأدوية العالمية عوائد تناهز 200 مليار دولار من الآن حتى 2030، مع طرح أدوية بديلة كثيرة لمنتجاتها الأكثر مبيعاً. وفقاً لتقرير "إي واي" الذي اطلعت عليه "بلومبرغ نيوز"، ونُشر الاثنين الماضي، فإن لديهم قوة مالية قياسية تبلغ 1.4 تريليون دولار متاحة للتداول.

"وي دكتور" المدعومة من "تينسنت" تخطط للاكتتاب العام في أبريل

قال بارال: "نحن متفائلون جداً بحلول 2023.. تواجه شركات الأدوية والمعدات الطبية الكبرى كثيراً من الرياح المعاكسة، لكن الأساسات قوية. نتوقع عديداً من الصفقات الإضافية، إذ سيوجه أقل من 40 مليار دولار للأدوية الحيوية، وأقل من 10 مليارات دولار للمعدات الطبية".

مع ازدياد التشاؤم حول توقعات الاقتصاد الكلي، أصبح اهتمام مؤسسات صناعة الأدوية منصباً على شراء شركات التقنيات الحيوية المجربة بالفعل، مثل تلك التي لديها على الأقل دواء واحد معتمد ويدر الإيرادات. علق بونيت مهتا، وهو أيضاً مسؤول إداري في مجموعة الخدمات المصرفية للرعاية الصحية في "غوغنهايم سكيوريتيس" (Guggenheim Securities)، قائلاً: "هذا يتناقض مع ما شهدناه من ميل أكبر نحو المخاطرة، وشراء شركات لا تزال في بداية الطريق خلال السنوات القليلة التي سبقت 2022".

ستوفر صفقة استحواذ "أمجين" على "هورايزون ثيرابويتكس" قرابة 12 دواءً معتمداً، كما أن استحواذ "فايزر" على "بيوهافن فارماسوتيكال هولدينغ" منحها علاجاً معتمداً للصداع النصفي. لكن الخبراء يقولون إنه لا يوجد ما يكفي من الشركات التي تملك أدوية مجربة ومعتمدة بالفعل.

المخاطر والتوقعات

علقت باربرا بوردن، الرئيسة المشاركة لعمليات الدمج والاستحواذ في شركة "كولي" (Cooley) للمحاماة، قائلة: "كثير من الأهداف لها مخاطر مرتبطة بها، أو توقعات ذات قيمة عالية جداً، وهي لا تزال قائمة على الارتفاعات في تداول الأسهم التي حصلت في 2021 أو في 2020"، متوقعة مزيداً من الصفقات في حدود 3 مليارات إلى 5 مليارات دولار.

كثير من الرؤساء التنفيذيين في التكنولوجيا الحيوية ليسوا مستعدّين بعدُ لبيع الأسهم، بعد مراقبة مقياس واحد من أسهمها عن قرب ينخفض 53% من أعلى مستوياته في فبراير 2021.

بعدما تراجع مؤشر لشركات التكنولوجيا الحيوية يتابعه المستثمرون من كثب بنسبة 53% مقارنة بالارتفاعات التي شهدها في فبراير الماضي، أصبح عديد من الرؤساء التنفيذيين في القطاع غير مستعدّين لبيع أسهم شركاتهم بعد.

لماذا يثير دواء "ليكانيماب" أملاً حذراً حيال مرض ألزهايمر؟

قالت شارون فلانغان، الشريكة في مؤسسة "سيدلي أوستن" (Sidley Austin) لعمليات الدمج والاستحواذ: "لا يزال لدينا انفصال بين التوقعات والتقييمات من ناحية، وشركات التكنولوجيا الحيوية التي لا تزال في بداية الطريق والمؤسسات الدوائية الكبرى من ناحية أخرى، وهو ما تسبب في تعليق كثير من الصفقات.. وبمجرد معالجة هذا الانفصال، أظن أننا سنشهد مزيداً من المبيعات".

توقعات أخرى:

مارن وينك، المسؤولة الإدارية في مؤسسة "إيفركور" التي تساعد في قيادة الخدمات المصرفية الاستثمارية في مجال التكنولوجيا الحيوية:

"طُرح كثير من الشركات التي لا تزال في بداية الطريق للاكتتاب العام خلال 2020 و2021، وكانت أدويتها في بعض الأحيان دون بيانات سريرية، أو جرى نشرها للتو في العيادات. سيحتاج الآن عديد من هذه الشركات إلى البحث عن رأس المال في 2023، وهي إما تراهن على البيانات لتحفيز التمويل، وإما أنها بحاجة إلى القيام بخطوات استراتيجية. لكن هذه ليست فعلياً شركات يتحمس كبار صانعو الأدوية للاستحواذ عليها، أخشى أننا سنفقد كثيراً منها، وسيضيع كثير من علومها إذا لم تجد سوقاً قوية للتمويل.

شهاب فيجفي، المدير العام لشركة "تي إتش إل بارتنرز":

"يُتوقع عموماً أن تتباطأ عمليات رفع أسعار الفائدة أو تستقر في 2023. وهنا لا بد أن تستقر أسواق الائتمان قليلاً، أعتقد أن الناس بشكل عام يأملون أن تبدأ الأمور بالانفتاح مرة أخرى في الربع الثاني أو الثالث. ثمة كثير من التمويل لا يزال بعيداً عن السوق. من المؤكد أن 2023 تبدو أكثر نشاطاً مقارنة بالنصف الثاني من 2022، لأننا نبتعد أكثر وأكثر عن التقييمات الكبيرة التي شهدناها في 2021".

كاي تشاندلر، مسؤولة ممارسات قطاع العلوم الحيوية العالمية في شركة "كولي":

"أصدرت إدارة الغذاء والدواء ملاحظات دفعت الناس إلى الاعتقاد بأن الجهة التنظيمية أصبحت أقل تساهلاً في إعطاء موافقاتها على الأدوية، ما دفع شركات القطاع إلى التشكيك في إمكانية حصولها على موافقة تنظيمية، إضافة إلى محدودية مواردها. لذلك، قد تضطر إلى قبول عروض شراء قد لا تتعكس قيمتها الحقيقية".