الركود الأميركي المحدق يهدد انتعاشة إيرادات المصارف

مخاطر حدوث تراجع اقتصادي تطغى على نتائج الربع الأخير من 2022

المباني تنعكس على نافذة بأحد فروع مصرف "أوف أميركا" بألاميدا في كاليفورنيا، الولايات المتحدة
المباني تنعكس على نافذة بأحد فروع مصرف "أوف أميركا" بألاميدا في كاليفورنيا، الولايات المتحدة المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

ربما يتضح أنَّ تقلبات السوق وزيادة أسعار الفائدة التي حققت لمصارف أميركية أكبر أرباحها الاستثنائية السنة الماضية هي أكبر مصادر قلقها في 2023.

عندما تبدأ مصارف "بنك أوف أميركا" و"جيه بي مورغان تشيس أند كو" و"سيتي غروب" و"ويلز فارغو أند كو" الإعلان عن أرباح الربع الأخير للقطاع يوم الجمعة، سيهتم المستثمرون بقدر أقل بمتابعة مدى قوة الأرباح خلال الشهور الثلاثة الأخيرة من العام المنصرم مقارنة بتركيزهم على وجود علامات تدل على أنَّ كبرى المصارف بالبلاد تستعد لتراجع كبير في ظل عرقلة زيادة أسعار الفائدة للنشاط الاقتصادي.

َالركود الاقتصادي

قال جيسون غولدبيرغ، المحلل بمصرف "باركليز"، أثناء مقابلة: "بدأنا الدخول لفترة من انعدام اليقين بعد خروجنا من فترة تميّزت بالقوة. برغم حقيقة ترقبنا لإمكانية حدوث ركود اقتصادي محدق، فإنَّ خسائر القروض وصلت أدنى مستوياتها القياسية، ويبقى التداول مرتفعاً، وسيسجل صافي دخل الفوائد مستويات قياسية للمصارف. لكنَّ الجميع خائفون دون مبرر".

من المحتمل أن يدفع التداول القوي لأصول الدخل الثابت والمستوى القياسي لصافي دخل الفوائد نتائج الأعمال الفصلية، لكنَّ توفير مخصصات للديون الرديئة، وانحسار عمليات ضمان وترويج الاكتتاب وتراجع عدد صفقات الاندماج والاستحواذ سيحد من هذه الدفعة. ربما تتفاقم الظروف غير المواتية في حال استمرار ضعف الاقتصاد والتوترات الجيوسياسية.

سجلت أسهم المصارف الكبرى خسائر فعلية، إذ هبط مؤشر القطاع المصرفي "كيه بي دبليو بنك" 24% السنة الماضية، علماً أنَّه صعد 0.1% عند الساعة 10:24 صباح الأربعاء.

نستعرض فيما يلي ما يتعين علينا مراقبته عندما تشرع المصارف في الإعلان عن نتائجها بوقت لاحق من الأسبوع الجاري:

دخل الفوائد

تواصل أسعار الفائدة العالية تعزيز صافي دخل الفوائد، والذي يعرف بأنَّه يمثل الفرق بين ما تجنيه المصارف على القروض وما تسدده للمودعين من فوائد. يتوقَّع محللون أنَّ المصارف الأربعة الكبرى حققت 59 مليار دولار تقريباً من هذا المصدر في الربع الأخير من العام الماضي، بحسب بيانات جمعتها "بلومبرغ". يقارن هذا المبلغ مع 45 مليار دولار شهدته الفترة نفسها من السنة المنصرمة. لكنَّ أوقات الازدهار قد لا تدوم للأبد.

قال غولدبيرغ: "سيسجل صافي دخل الفوائد رقماً قياسياً خلال الربع الأخير، ولكن مع مضي السنة الحالية تشير توقُّعاتنا إلى أنَّه سيثبت دون تغيير تقريباً".

بنوك الاستثمار تجني أعلى رسوم في 14 عاماً من أعمالها بالمنطقة

ما دام بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي سيواصل زيادة أسعار الفائدة أكثر وسيبقي عليها عند مستويات عالية؛ فإنَّه من المفترض أن يعود ذلك بالنفع على صافي دخل الفوائد. لكن في الغالب ستبدأ القوة الدافعة الإيجابية في الخفوت خلال الفصول المقبلة.

قد يطغى الركود المحتمل على مستوى الذروة لصافي دخل الفوائد، وهو ما سيؤثر سلباً على المكاسب، ويحد من نمو الأرباح. ومن بين العوامل المؤثرة؛ تباطؤ نمو القروض مع بدء المستهلكين والشركات بالتخلي عن الاقتراض وزيادة النفقات، بحسب محللين من شركة "ايفركور" في مقدمتهم جلين شور.

المصارف الكبرى

حققت المصارف الأميركية الكبرى كافة زيادات في صافي دخل الفوائد خلال الربع الثالث من العام الماضي، مع رفع بعضها لتوقُّعات النمو للفترة المتبقية من العام. في حين كانت المصارف متحمسة لفرض أسعار فائدة أعلى على المقترضين، فقد كانت أبطأ فيما يتعلق بتمرير المزايا للمدخرين الذين ادخروا ودائع بتريليونات الدولارات بأكبر مصارف البلاد. سيحتل خليط الودائع مركز الاهتمام عقب ظهور مؤشرات على حدوث تدفقات خارجة خلال الفترات الأخيرة.

ربما يتسبب العملاء الذين يسحبون جزءاً من ودائعهم بضغوط على المصارف لبدء زيادة الفوائد المقدّمة لهم، وهو ما يخفض صافي دخل الفوائد مستقبلاً.

التداول وإبرام الصفقات

واصلت التقلبات تعزيز انتعاشة التداول، مما دفع بالإيرادات الناتجة عن هذا النشاط لمستويات هي الأعلى منذ أكثر من 10 سنوات. من المرجح أن تجني أكبر 5 مكاتب للتداول في "وول ستريت" عائدات بقيمة 22 مليار دولار خلال الربع الحالي، بارتفاع 9.5%. ستقدم منصة تداول أصول الدخل الثابت أغلب هذا الارتفاع، إذ عاش مضاربو السلع الأساسية والعملات وأسعار الفائدة سنة من أكثر السنوات نشاطاً للمعاملات بالتاريخ.

من المرتقب أن يجني مضاربو الدخل الثابت مكاسب بنسبة 22% تقريباً، في ظل تراجع أقرانهم بمعاملات سوق الأسهم 4.5% مقارنة بالسنة السابقة. أشارت سوزان روث كاتزكي، محللة لدى مصرف "كريدي سويس غروب" في رسالة للعملاء إلى أنَّ التقلب فوق المتوسط، مع صعود أحجام التداول على أساس ربع سنوي، يعد أمراً غير اعتيادي موسمياً، ولكن "بصفة عامة سيكون بحدود مستويات السنة الماضية".

البنوك الأميركية تتجنب خسائر ضخمة من تمويل عمليات الاستحواذ في الربع الثالث

يأتي ذلك على خلفية ظروف صعبة بالنسبة لإبرام الصفقات وأسواق رأس المال، التي كابدت المصاعب في ظل التلاشي التدريجي لسوق 2022. ومن المنتظر أن تهبط عوائد نشاط ضمان وترويج الاكتتاب في أكبر 6 مصارف بنسبة 51% خلال الربع الاخير من العام الماضي بالمقارنة مع ارتفاع السنة الماضية.

من المفترض أن يجد المصرفيون السلوى في توقُّعات تفيد أنَّ الإيقاف المؤقت لزيادة أسعار الفائدة واستقرار أسعار الأصول بالنصف الأول من السنة الجديدة "سيفتح الباب" لحدوث انتعاش في عمليات عقد الصفقات عبر النصف الثاني من 2023، وفق توقُّعات محللين لدى "ويلز فارغو أند كو" يقودهم مايك مايو.

الاحتياطيات والتوقعات

من المقرر أن يكشف مسؤولون تنفيذيون عن مدى جاهزيتهم لمواجهة الركود الاقتصادي، ومدى احتمال حدوث هذه النتيجة. اضطرت المصارف لادخار أموال بالاحتياطيات النقدية مع احتمال وجود قروض متعثرة، وهو ما يأتي بشكل معاكس لصرف الأموال عقب فترة تفشي وباء كورونا.

يتوقَّع محللون تخصيص ما يبلغ إجماليه 5.4 مليار دولار لتعويض خسائر القروض لدى أكبر 4 مصارف.

أشارت المصارف فعلاً إلى توقُّعات تتسم بالحذر بالنسبة لـ2023، مع إعلان بعضها عن إجراءات للحد من التكاليف بهدف الاستمرار في خفض النفقات. يعمل مصرف "غولدمان ساكس غروب"، الذي سيعلن نتائجه الثلاثاء المقبل، على إطلاق جولة حديثة من تقليص الوظائف لإحداث توازن مع تباطؤ النشاط الاقتصادي ولخفض الإنفاق. استغنت مصارف "مورغان ستانلي" و"كريدي سويس" و"باركليز" جميعاً عن موظفين، أو أعلنت أنَّها تعتزم فعل ذلك بغضون الشهور المقبلة.

دويتشه بنك: إذا حدث ركود اقتصادي ستتراجع الأسهم الأميركية 25%

برغم تباطؤ الاقتصاد والركود المحدق؛ يتوقَّع محللون تجاوز المصارف للعراقيل وزيادة الأرباح خلال السنة الجديدة. تختلف المخاوف المتعلقة بقوة القطاع المصرفي تماماً عند مقارنتها مع الأزمة المالية العالمية، إذ أمضت المصارف ما يزيد عن عقد في تعزيز قوتها وميزانياتها العمومية للتصدي لتراجع آخر، بحسب مايو من "ويلز فارغو".

شتاء العملات المشفرة

استثمرت كبرى المصارف الأميركية بطريقة محدودة تماماً في مجال العملات المشفرة، ويشكل انهيار "إف تي إكس"، بورصة سام بانكمان فريد لتداول العملات المشفَّرة، على الأرجح عائقاً هائلاً أمام حدوث أي عمليات تقدّم أخرى. طالب بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي ومكتب مراقب حسابات العملة والمؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع المصارف عبر رسالة الأسبوع الماضي بتوخي أقصى درجات الحذر فيما يتعلق بالسوق.

سام بانكمان فريد، مؤسس شركة "إف تي إكس" أثناء مغادرته للمحكمة في نيويورك بتاريخ 3 يناير 2023
سام بانكمان فريد، مؤسس شركة "إف تي إكس" أثناء مغادرته للمحكمة في نيويورك بتاريخ 3 يناير 2023 المصدر: بلومبرغ

في حين ستُصدر أيضاً بعض المؤسسات المالية بما فيها " بنك أوف نيويورك ميلون" تقاريرها الجمعة؛ فإنَّها تتطلع إلى تقديم خدمات الإيداع للأصول المشفَّرة، وهو نظام مفروض من قبل لجنة الأوراق المالية والبورصات السنة الماضية والذي يتطلب من الشركات المتداولة بالبورصة التعامل مع العملات المشفَّرة المودعة لديها الخاصة بالعملاء، لأنَّها دين، مما يجعل الاحتفاظ بالرموز المشفَّرة بحاجة إلى رأس مال كثيف.

أوضح أوين لاو، محلل بشركة "أوبنهايمر"، برسالة عبر البريد الإلكتروني: "في حال استمر مصرف "بنك أوف نيويورك ميلون" بتنفيذ خطته لتوفير خدمة إيداع العملات المشفَّرة، فسيواصل تعزيز الثقة بقطاع العملات المشفَّرة وتشجيع استخدامنا لها، ولا يرغب القطاع برؤية طرف كبير يتخلى عن الاستثمار بالعملات المشفَّرة لأنَّه قد يسفر عن انتشار ذلك وسط أطراف كبيرة أخرى".

سيضع مستثمرون أيضاً المصارف الأقل حجماً تحت الرقابة والتي شاركت على نحو كبير في سوق العملات المشفَّرة، على غرار مصرف "سيلفرغيت كابيتال" و"سيغنيتشر بنك" (Signature Bank). لكنَّ أي تغيّر يطرأ على موقف الرؤساء التنفيذيين للمصارف الكبرى مثل جيمي ديمون تجاه القطاع سيخضع لمراقبتهم أيضاً.

أشار بريان مولبيري، مدير محفظة أصول العملاء في شركة "زاكس إنفستمنت مانجمنت" (Zacks Investment Management): "عقب انهيار (إف تي إكس)؛ توجد هواجس تتعلق بمكان تخزين الأموال، مما سيفيد المصارف، وستكون عودة الأشخاص مبنية على الشعور بالخوف".