إعادة فتح الصين طوق نجاة للاقتصاد العالمي المتعثر

بكين تتوقع انتعاش الرحلات الدولية ما بين 15% و25% بنهاية مارس مقارنةً بعام 2019

مسافرون في مطار العاصمة بكين الدولي، الصين، أول من أمس
مسافرون في مطار العاصمة بكين الدولي، الصين، أول من أمس
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

إعادة الفتح المفاجئة للصين سوف تقدم دَفْعة للاقتصاد العالمي المتعثر. سيظهر الحافز نحو النمو على امتداد قطاعات الخدمات، مثل الطيران والسياحة والتعليم، تزامناً مع إقدام الصينيين على حزم حقائبهم للسفر الدولي لأول مرة منذ بدء تفشي وباء كورونا.

من المرجّح أن تكون الدول المعتمدة على السياحة في جنوب شرق آسيا من أوائل الدول التي تسجل انتعاشاً، مع استفادة الاقتصادات المتقدمة أيضاً من عودة الزوار الصينيين.

في حين أنه من المتوقع أن يخوض التعافي الاقتصادي في الصين مساراً وعِراً، فإن التحول الدراماتيكي في "كوفيد" يتزامن مع الجهود المبذولة لمعالجة الركود العقاري. سيعطي هذا دَفْعة للدول المنتجة للسلع الأساسية مثل تشيلي والبرازيل.

يمتد نطاق التأثير بالفعل إلى الأسواق المالية. ارتفعت أسعار النحاس إلى 9000 دولار للطن للمرة الأولى منذ يونيو، وهو مقياس لأسهم التعدين الأسترالية يرتفع عند أعلى مستوى له على الإطلاق، فيما يتمتع البيزو التشيلي بأفضل سلسلة من المكاسب منذ أغسطس الماضي، وكل ذلك اعتماداً على رهانات إعادة فتح الصين.

الاقتصاد العالمي يستقبل العام الجديد بتفاؤل حذر رغم مخاوف الركود

إنهاء "صفر كوفيد" يعزز النمو العالمي

وصف رئيس صندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي إنهاء محور الصين "صفر كوفيد" بأنه من المرجح أن يكون العامل الوحيد الأكثر أهمية للنمو العالمي في عام 2023، وسيعني أن الصين مساهم إيجابي في متوسط النمو العالمي بحلول منتصف العام تقريباً.

قال فريدريك نيومان، كبير الاقتصاديين الآسيويين في "إتش إس بي سي هولدينغز" (HSBC Holdings Plc): "إن إعادة فتح الصين ستُحدث تغييراً ملحوظاً تمسُّ إليه الحاجة من أجل تحقيق النمو العالمي. بصفتها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، فإن تسريع إنفاق الأسر والاستثمار الصيني سيساعدان على إرساء أرضية أمان للتجارة العالمية في وقت يتعثر فيه الطلب في الغرب".

بالنسبة إلى الخدمات، تتوقع الصين أن ينتعش عدد الرحلات الدولية إلى ما يعادل 15%-25% مقارنة بمستويات ما قبل الوباء، وذلك بحلول نهاية مارس المقبل.

النفط يسجل أعلى مكاسبه منذ أكتوبر مع تعاظم الثقة بتعافي الصين

تعافي السياحة الصينية

يتوقع محللو "باركليز" (Barclays Plc)، بمن فيهم جيان تشانغ، ارتفاعاً في السياحة الخارجية، مستندين إلى بيانات من "سي تريب إنترناشيونال" (.Ctrip International Ltd) التي تُظهِر أن حجوزات السفر الدولية لعطلة رأس السنة القمرية الجديدة قد ارتفعت بـ260% مقارنة بالعام السابق، مضيفين أن الاقتصادات المتقدمة مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا ستكون من بين الوجهات المستفيدة.

قبل تفشي "كوفيد"، كانت الصين تعاني من عجز في الخدمات بقيمة 260 مليار دولار، إذ كان 85% منه نتيجة السياحة الخارجية، وفقاً لـ"باركليز".

تتطلع المناطق السياحية الأكثر إقبالاً في جنوب شرق آسيا، بما في ذلك تايلندا وفيتنام، أيضاً إلى عودة الزوار الصينيين، فقد استقطبت تايلندا نحو 11.5 مليون زائر أجنبي العام الماضي، بانخفاض كبير عن 40 مليوناً شهدتها فترة ما قبل الوباء في عام 2019، إذ شكّل الزائرون من الصين ربع هذا العدد تقريباً. تتوقع الحكومة 25 مليون زائر أجنبي هذا العام.

في الوقت نفسه، سوف يفسح الانتعاش المحلي في الصين المجال لارتفاع الطلب على الواردات ومشتريات العلامات التجارية الأجنبية. في حين أنه من المرجح أن تُظهِر البيانات الرسمية الصادرة غداً الثلاثاء تقلص مبيعات التجزئة العام الماضي، توقعت "إس آند بي غلوبال" (S&P Global) نمو التجزئة بـ5.8% في عام 2023.

انتهاء سياسة "صفر كوفيد" يُنعش السفر الداخلي في الصين

انتعاش الصين لن يمضي في مسار مستقيم

من المؤكد أن انتعاش الصين ليس من المتوقع أن يمضي في مسار مستقيم، فلا يزال الترقب حول مدى تأثير أزمة الصحة العامة، الذي يمكن أن يلقي بظلال طويلة على ثقة المستهلكين. سيؤثر التراجع الكبير في أسعار العقارات سلباً على انتعاش الاستهلاك، كما أن التحفيز الحكومي لا يزال مقيداً نسبياً حتى الآن على الأقل.

قال فريا بيميش، كبير الاقتصاديين في "تي إس لومبارد" (TS Lombard): "عندما يستقر وضع كوفيد بما يكفي لإعادة فتح الصين حقاً، ربما في شهر مارس تقريباً، فإن الطفرة الناتجة عن ذلك سوف تكون مخيّبة مقارنة باستجابة السوق في الدول المتقدمة. التحفيز المحلي الصيني كان باهتاً مقارنةً بذلك، في الوقت الذي تتسم فيه مجموعة الثروة التي من شأنها دعم الطلب المكبوت بأنها أقل بكثير".

يدور أيضاً سؤال حول مدى تأثير الصين في التضخم العالمي. وفقاً لتقديرات "بلومبرغ إيكونوميكس"، فإن إعادة الفتح ستدفع نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني في عام 2023 إلى 5.1%، وهو ما سيضيف نحو 0.9 نقطة مئوية إلى التضخم العالمي، مقارنة بما سيحدث إذا استمرت سياسات "صفر كوفيد".

يسود القلق لدى صانعي السياسات إزاء مدى تأثير الصين في الأسعار، فقد اعترف ري تشانغ يونغ، محافظ بنك كوريا، الأسبوع الماضي أنه على الرغم من أن الصين قد تعزز صادرات بلاده، فإنها قد تزيد أيضاً ضغوط التضخم.

الصين تخطط لبرنامج تحفيز موجّه وسط تحذيرات من مخاطر الأسعار

ارتفاع أسعار النفط الخام

قال يونغ للصحفيين: "إذا كان الاقتصاد الصيني يتعافى بسرعة فقد يكون ذلك جيداً بالنسبة إلى ميزان الحساب الجاري لكوريا، لكنه قد يتسبب في ارتفاع أسعار النفط الخام".

مع ذلك، فبالنسبة إلى اقتصاد عالمي في أمسّ الحاجة إلى الأخبار الإيجابية، فإن انتعاش الطلب من الصين سيحظى بالترحيب. فإذا حدث الانتعاش كما هو متوقع فقد ينتهي الأمر بالصين إلى أن تمثل نصف النمو العالمي، حسب تقديرات أليشيا غارسيا هيريرو، كبيرة الاقتصاديين في منطقة آسيا والمحيط الهادي في شركة "ناتيكسيس" (Natixis SA).

أضافت: "بالنظر إلى النمو الضئيل المتوقع في الولايات المتحدة وأوروبا، في ظل انخفاض خطر حدوث ركود بهما، فإن نمو الناتج المحلي الإجمالي المتوقع بنسبة 5.5% للصين في عام 2023، حتى وإن لم يكن هائلاً، فإنه سيسهم بشكل كبير في النمو العالمي".