خلاف بين مليارديرين يعطل مشروعاً أسترالياً لتصدير الطاقة الشمسية

المشروع ينقل الطاقة النظيفة من أستراليا إلى سنغافورة عبر كابل طوله 4,200 كيلومتر تحت البحر

ألواح لتوليد الطاقة الشمسية
ألواح لتوليد الطاقة الشمسية المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

الحلم بعيد المنال بإنشاء شبكة كهرباء تحت سطح البحر لنقل الطاقة النظيفة في أنحاء آسيا اصطدم بعقبة جديدة: صراع بين المليارديرات.

مشروع "صن كابل" (Sun Cable)، الذي يهدف لتصدير الطاقة الشمسية من أستراليا إلى سنغافورة باستخدام كابل تحت البحر يبلغ طوله 4200 كيلومتر (2600 ميل)، أصبح تحت الإدارة الطوعية، الأربعاء الماضي، بعد خلاف بين اثنين من أكبر أغنياء أستراليا: قطب التكنولوجيا مايك كانون-بروكس وقطب خام الحديد أندرو فورست.

مايك كانون-بروكس
مايك كانون-بروكس المصدر: بلومبرغ

هدف خفض الانبعاثات

كان المشروع، الذي تبلغ قيمته 30 مليار دولار أسترالي (21 مليار دولار أميركي)، أحد المشروعات المتنافسة لمساعدة اقتصادات آسيا، التي يهيمن عليها الوقود الأحفوري، للتحوّل إلى مصادر طاقة منخفضة الانبعاثات، فيما تحاول هذه الدول تحقيق أهداف التخلص من الكربون على مدار العقود المقبلة.

رأى المطورون المشروع أولى الخطوات وأكثرها طموحاً في ما يسمى شبكة فائقة، تتقاطع فيها خطوط الكهرباء عبر القارة وتمتد من اليابان إلى الهند.

من أين ستأتي التريليونات المطلوبة للتحول إلى الطاقة النظيفة؟

لكن مشكلات "صن كابل" تذكرِة أخرى للحكومات والمرافق التي تضع آمالها في الوصول للطاقة النظيفة على توصيل الكهرباء من دول تتمتع بوفرة من الشمس والرياح إلى المراكز السكانية المتعطشة للكهرباء. يضم المشروع قائمة متزايدة من المشروعات التي واجهت صعوبات في تخطي المراحل الأولية، رغم حصولها على تأييد من بعض الرؤساء التنفيذيين الأكثر نفوذاً في العالم.

مشروع طموح

قال غيورغيوس كونستانتينو، محاضر كبير في أنظمة الطاقة بجامعة نيو ساوث ويلز: "كان مشروع (صن كابل) طموحاً للغاية منذ البداية في ما تعهد به. الهندسة المطلوبة لتحقيقه بنجاح ستُمثِّل تحدياً ضخماً، وبجانب ذلك عليك العمل على نجاح الجانب الاقتصادي".

تبدو خطة الشبكة الفائقة منطقية نظرياً، في وقت يتسابق فيه العالم لتحقيق هدف الانبعاثات الصفرية بمختلف وسائل التكنولوجيا التجريبية. اليابان أو سنغافورة المزدحمتان لن تقلقا بعد الآن بشأن إيجاد مساحة لبناء محطات الطاقة المتجددة، إذ يمكنهما بدلاً من ذلك استيراد الطاقة الخضراء من جاراتهما. حثَّ مؤسس "سوفت بنك"، ماسايوشي صن، حكومة اليابان بالفعل على الترويج لتطوير شبكة إقليمية.

الطاقة المتجددة تحتاج إلى 1.3 تريليون دولار سنوياً بحلول 2030 لتحقيق أهداف المناخ

تحويل تلك الرؤية إلى واقع يتطلب تخطي عدد مذهل من العقبات التقنية، والتغلب على مشكلات سياسية، مثل حماية الطاقة وتكلفة المشروع التي تضاهي تكلفة السفر للفضاء. رئيس مجلس إدارة مؤسسة "الشبكة الحكومية الصينية" السابق، ليو تشينيا، اقترح خطة لشبكة عالمية تتكلف 50 تريليون دولار.

في حالة مشروع "صن كابل" لتصدير الطاقة، المعروف باسم"أستراليا-آسيا باور لينك" (Australia-Asia PowerLink) ، لابد أيضاً من التعامل مع خلافات بين المستثمرين.

أندرو فورست
أندرو فورست المصدر: بلومبرغ

خلافات بين داعمي المشروع

قال مديرو مشروع "صن كابل" إن تعيينهم جاء بعد خلافات بين داعمين رئيسيين، وتُظهِر تعليقات عامة منذ ذلك الحين لكيانات تابعة لفورست وللمؤسس المشارك بشركة "أتلاسيان" (Atlassian)، كانون-بروكس، الذي يملك كل منهما حصة تبلغ نحو 25% في الشركة، اختلاف آرائهما بشأن التقدم في المشروع.

سياسة المناخ الجديدة تعيد تشكيل الاقتصاد الأسترالي

قال رئيس مجلس إدارة وحدة "سكوادرون إنيرجي" (Squadron Energy) التابعة لفورست، التي تملك حصة في (صن كابل)، في بيان، إن الوحدة ترى أن "الطريقة التي يُنفَّذ بها المشروع في حاجة لتغيير عاجل. هناك حاجة لممارسات حوكمة استثنائية وخبرة عالمية في تنفيذ المشروعات، بالإضافة لتقنيات يُعتمد عليها لتحقيق المشروع".

شككت "سكوادرون" أيضاً في مزايا خطط توصيل الكهرباء المولَّدة في أستراليا إلى سنغافورة، وفق مكتب العائلة لشركة "غروك" (Grok)، التي يملكها كانون بروكس.

اختلاف في الرأي

ذكرت "غروك" في بيان: "هناك اختلاف في الرأي بين (سكوادرون) وكل المساهمين الآخرين بشأن إعطاء أولوية لمشروع سنغافورة. يرجَّح أن هذا المشروع الرائد سيثمر عن نتائج كبيرة للشركة ويجذب المزيد من رأس المال الاستثماري ويشكل صناعة جديدة في أستراليا".

رفضت "سكوادرون"، التي تدرس عدة خيارات من بينها عرض محتمل لتولي زمام القيادة، التعليق على مزاعم "غروك".

حتى مع وضوح موقفه من ناحية الملكية، فإن حجم مشروع "صن كابل" وطموحه يطرحان خطر ارتفاع التكلفة بما يخرج عن السيطرة. قال ديلان ماكونِل، باحث مشارك كبير في جامعة نيو ساوث ويلز، إن من الصعب أن نتوقع تنفيذ مشروع مد كابل تحت سطح البحر كهذا، مقترناً بتخزين ضخم للطاقة الشمسية والبطاريات، بتقديرات التكلفة الحالية عند الشركة.

طموح لا متناهي

الكابل المخطط له نفسه سيفوق أكبر كابلات الطاقة الموجودة تحت سطح البحر في العالم بأكثر من 5 مرات، الذي يربط بين المملكة المتحدة والنرويج على طول 720 كيلومتراً. هناك صعوبات تقنية في إرساء الكابل بمنطقة "غور تيمور" بين أستراليا وإندونيسيا، بالإضافة إلى قيود محتملة في الإنتاج لكابلات الضغط العالي.

تُظهِر بيانات "بلومبرغ إن إي إف" أن مزرعة الطاقة الشمسية التابعة للمشروع في الإقليم الشمالي بأستراليا هي أكبر مزرعة مقترحة من نوعها على المستوى العالمي.

أستراليا تدشن أول مشروعات طاقة الرياح البحرية لخفض اعتمادها على الفحم

كما أن محطة البطاريات لتخزين الطاقة المصاحبة لها ضخمة بشكل هائل أيضاً – إذ أن سعتها التخزينية المتخيلة تبلغ 42 ألف ميغاواط ساعة، مقارنةً بالسعة التخزينية الموجودة في أكبر منشأة عاملة حالياً بأستراليا، وتبلغ سعتها التخزينية 450 ميغاواط ساعة.

تحديات صعبة

لكن بعض المحللين يقولون إن الكثير من تحديات المشروع يمكن التغلب عليها في نهاية المطاف، مما سيحقق هدف "صن كابل" بتزويد سنغافورة بـ15% من احتياجاتها من الكهرباء.

قال هينينغ غلويستاين، مدير للطاقة والمناخ والموارد في مجموعة "يوراسيا" بلندن، إنه رغم أن موافقات الجهات التنظيمية والسياسية ستظل صعبة، خصوصاً في جنوب شرق آسيا حيث يقل التعاون بين الدول، تقلل التكنولوجيا والاكتشافات الجديدة تكلفة الكابلات وتُحسِّن من سعتها.

أضاف غلويستاين: "حتى فترة قريبة جداً، بدت مشروعات الربط الضخمة هذه مثل (صن كابل) ضرباً من ضروب الخيال العلمي– لكن لم يعد الأمر كذلك".