الطاقة والرقائق وتايوان.. قضايا شائكة في 2023

مصنع "غلوبال فاوندرز" (GlobalFoundries) لتصنيع أشباه الموصلات في مالطا بنيويورك
مصنع "غلوبال فاوندرز" (GlobalFoundries) لتصنيع أشباه الموصلات في مالطا بنيويورك المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تتشكل خريطة الاقتصاد العالمي من جديد في عصر يتزايد فيه التنافس بين القوى العظمى، واضطرار قادة الأعمال إلى مواجهة عدد متزايد من بؤر التوتر الجيوسياسية عالمياً.

مع اندلاع حرب ساخنة في أوروبا وتصاعد أخرى باردة بين الولايات المتحدة والصين، لا يبقى أمام باقي دول العالم سوى الانحياز إلى جانب دون الآخر. كما يُغير القادة السياسيون أولوياتهم الاقتصادية، في ظل محاولاتهم الحثيثة لتفادي نقص السلع الحيوية، من الغاز الطبيعي إلى أشباه الموصلات، واستخدام ما توفر لديهم من سلع لزيادة النفوذ والضغط لتحقيق مصالحهم.

وتمثل تلك التغيرات لعمالقة التجارة المجتمعين في دافوس هذا الأسبوع تحولاً رئيسياً عن عصر العلاقات الدولية المستقرة، الذي اعتقدت فيه كبرى الشركات نجاحها في تحقيق الاستقرار عالمياً. والآن حان وقت المواجهات الصعبة.

يتركز النقاش في المنتدى الاقتصادي العالمي حول تصاعد تلك المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية. ويُركز البعض على السلع أو الأسواق الرئيسية، مثل أمن الطاقة عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، أو الحملة الأميركية لحرمان الصين من الوصول إلى التكنولوجيا المتطورة، فيما تتركز باقي النقاشات حول قضايا جيوسياسية، بينما يتصدر تصاعد مخاطر الصراع في تايوان كافة القضايا.

اقرأ أيضاً: منتدى دافوس يعود للانعقاد شتاءً بجدول أعمال مزدحم بالأزمات

قالت كارين هاريس، العضو المنتدب لشركة "بين آند كومباني" (Bain & Company) للاستشارات، من نيويورك قبل أن تسافر إلى دافوس: "نعيش في عالم أكثر انقساماً يُعاني من ضعف مالي واضح، وما يسيطر على تفكير الجميع هو أمر واحد يتعلق بمكان وكيفية استثمار أموالهم وسط عالم تتزايد فيه تعددية الأقطاب".

نُلقي فيما يلي نظرة عامة على بعض القضايا المحتمل أن تكون أكثر سخونة هذا العام، وسط عالم يتزايد فيه استخدام الأدوات الاقتصادية لتحقيق أهداف سياسية:

سلاح الطاقة

تقع الطاقة في قلب الحرب الاقتصادية التي تشنها الولايات المتحدة وحلفاؤها ضد روسيا، إذ يسعى الجانبان إلى جعلها سلاحاً وسط تزايد الاضطرابات المحتملة في 2023.

يقول الرئيس، فلاديمير بوتين إن روسيا لن تبيع النفط لأي دولة تُشارك الولايات المتحدة وحلفاءها في مجموعة السبع محاولات فرض سقف للأسعار، الذي يبلغ 60 دولاراً للبرميل، حيث تسببت قيود مجموعة السبع في دفع أسعار صادرات النفط الروسي لما دون ذلك السقف، ما قد يضغط على قدرة تمويل بوتين للحرب.

اقرأ أيضاً: سقف أسعار النفط يكلف روسيا 170 مليون دولار يومياً

لكن يبقى هناك من يشتري النفط من روسيا، وخاصةً الهند والصين وتركيا، فيما يبقى لدى روسيا خيار الوقف التام للإمدادات، ما قد يتسبب في فوضى بأسواق النفط، ويهدد بتكرار ارتفاع الأسعار الذي حدث العام الماضي، ويدفع التضخم حول العالم للارتفاع.

لن يقتصر الأمر على النفط فقط، حيث من المقرر بدايةً من الشهر المقبل فرض قيود مماثلة على منتجات النفط الروسية المكررة، مثل الديزل، وهو ما يخشى بعض المسؤولين الغربيين أن يسبب نقصاً في الإمدادات.

تسبب إغلاق خطوط أنابيب الغاز الطبيعي الروسية في نقص كبير بالإمدادات العالمية، التي هدأت حدتها وتراجعت بالتبعية أسعار الغاز والكهرباء نتيجة الشتاء الأوروبي الدافئ. ورغم ذلك، يُتوقع أن نشهد هذا العام تدافع الدول لمنع تصدير بعض مواد الوقود المسال الشحيحة.

معركة الرقائق

أصبحت أشباه الموصلات مكوناً أساسياً لكافة الأشياء، من السيارات الكهربائية إلى الصواريخ الباليستية، وتقنيات الذكاء الاصطناعي الجديدة، لذلك أضحت إحدى أبرز ساحات المنافسة في الاقتصاد العالمي.

اقرأ أيضاً: الصين تستعد لمواجهة حصار أميركا على "الرقائق" بـ143 مليار دولار

استخدمت إدارة بايدن العام الماضي العديد من الأدوات، ومن بينها ضوابط التصدير لمنع الصين من شراء أو تصنيع الرقائق الأكثر تطوراً، إضافة إلى إطلاق برنامج بقيمة 52 مليار دولار لتعزيز صناعة الرقائق وإعادة بناء قدرات التصنيع محلياً.

قالت الولايات المتحدة إن قيودها الصارمة تستهدف القدرات العسكرية الصينية. في المقابل، أكدت بكين أنها جزء من جهودها الواسعة لإحراز مزيد من التقدم الاقتصادي. وفي كافة الأحوال، تحتاج الولايات المتحدة دعم الحلفاء لتحقيق القيود للأهداف المرجوة منها. وبالفعل وافقت هولندا واليابان، اللتان تستضيفان أكثر شركات الرقائق تطوراً.

لكن تبقى هناك تكلفة للامتثال لتلك الضوابط تتمثل في خسارة شركات تصنيع الرقائق أو آلات تصنيعها للسوق الصينية الضخمة. في المقابل، تضخ بكين استثمارات لتعزيز صناعة أشباه الموصلات محلياً، وإن كان من الصعب إمكانية استبدال التقنيات المتطورة، ما قد يدفعها إلى الانتقام إذا شُددت القيود.

هل تمتد الحرب إلى تايوان؟

يخشى قادة الولايات المتحدة وأوروبا تحول تايوان من جبهة حرب باردة إلى ساخنة.

منذ الثورة الشيوعية وفرار الحكومة القومية المخلوعة إلى الجزيرة، تدعي الصين تبعية تايوان لها، وقد استبعدت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) مؤخراً وجود مؤشرات على هجوم وشيك، لكنها تتوقع تزايد السلوك العدواني عقب غضب بكين من زيارة رئيسة مجلس النواب السابقة، نانسي بيلوسي للجزيرة في أغسطس الماضي، حيث تزايدت من وقتها التدريبات العسكرية واختراق الحدود جواً وبحراً. لكن الرئيس، جو بايدن وعد بإرسال قوات أميركية إذا حدث غزو لتايوان، عكس استبعاده القيام بذلك في أوكرانيا.

اقرأ أيضاً: الصين تجري أكبر تدريب عسكري بالقرب من تايوان منذ زيارة بيلوسي

يُضاف للمخاطر الأكيدة في حالة اندلاع صراع مباشر بين القوى العظمى، أبعاداً اقتصادية للتصعيد، لأن الجزيرة موطن لشركة "تايوان لأشباه الموصلات" (TSMC)، الأكبر عالمياً في صناعة الرقائق، ما يجعلها مهمة للغاية لكافة أنواع سلاسل التوريد العالمية، وحتى في حالة التصعيد دون اندلاع حرب، مثل محاصرة الصين للجزيرة، قد يكون لذلك الإجراء تداعيات واسعة وممتدة.

"بناء صداقات" ومساعدات

يقول تيم آدامز، الرئيس التنفيذي لمعهد التمويل الدولي إن التحرك الصيني ضد تايوان، والرد الغربي المحتمل هو "أمر طارئ يسعى الجميع للاستعداد له، وكل شركة تتكيف على حدة وفقاً لسيناريو العقوبات ومن سينضم للحلف الأميركي".

تتسارع وتيرة استخدام الحكومات اقتصاداتها لزيادة نفوذها السياسي. ويمثل ذلك بالنسبة للأعداء، منع المنافسين من الوصول للسلع أو الأسواق. أما الأصدقاء، فيعني إمكانية الثقة في الحلفاء فقط لتقديم دعم استراتيجي، فيما يُعرف بـ"بناء الصداقات".

لكن الأصدقاء قد يختلفون والصداقات قد تنتهي ويعود الجميع لما كانوا عليه من قبل، لذلك تركز الدول على دعم المنتجين محلياً، ما يُمثل تحولاً في ثوابت التجارة الحرة بسبب الخلافات.

تُنفق إدارة بايدن أكثر من 50 مليار دولار لدعم مصنعي الرقائق محلياً، إلى جانب دعم صناعة السيارات الكهربائية، ضمن خطة أكبر بقيمة 437 مليار دولار لمكافحة تغير المناخ، ما أدى لغضب الحلفاء في أوروبا من الممارسات التجارية غير العادلة، التي تُحفز الشركات على الانتقال للولايات المتحدة، ودفعها للتهديد بتقديم دعم مالي هي الأخرى.

اقرأ أيضاً: توقعات بتأثير محدود للحظر الأميركي على مساعدي منتجي الرقائق الصينية

من بين مخاطر تصاعد سباق المساعدات الدولية أيضاً استفادة الدول صاحبة الموارد المالية الوفيرة مقابل خسارة الاقتصادات النامية المثقلة بأعباء الديون.

هيمنة الدولار

يواصل مزيد من الدول، ومن بينهم حلفاء للولايات المتحدة، البحث عن طرق لإبرام صفقات تجارية بعيداً عن الدولار الأميركي، في ظل إدراكهم استغلال الولايات المتحدة لقوة عملتها لتحقيق أهداف سياستها الخارجية.

جمدت إدارة بايدن نحو 7 مليارات دولار من احتياطيات البنك المركزي الأفغاني من النقد الأجنبي، لتجفيف مصادر تمويل الحكام الجدد في البلاد، المتمثلين في حركة طالبان، كما تبحث الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي طرقاً لمُصادرة نحو نصف تريليون دولار من احتياطيات روسيا من النقد الأجنبي بشكل قانوني، واستخدامها لإعادة بناء أوكرانيا.

قد نحتاج سنوات عديدة لاستبدال الدولار بأصل آخر يحل محله في الاحتياطيات النقدية حول العالم، في حالة حدوث ذلك من الأساس، حيث ترسخت مكانة الدولار كملاذ آمن خلال الأشهر الأولى من العام الماضي، عندما ارتفع بسبب تداعيات الحرب في أوكرانيا، وترسخ استخدامه بدايةً من البنوك المركزية إلى تداولات السلع، فيما لا يوجد بديل واضح حتى الآن.

بدائل محتملة

تواصل دول مثل الصين وروسيا وإيران، وغيرها ممن لديها علاقات جيدة مع واشنطن، مثل الهند وعمالقة الطاقة في الخليج، البحث عن طرق لبناء علاقات تجارية لا تعتمد على الدولار. وقد تكون زيارة الرئيس الصيني، شي جين بينغ إلى السعودية الشهر الماضي، وما شهدته من مناقشة حول تبادل صادرات النفط المقومة باليوان مقابل الاستثمارات الصينية بالمملكة مؤشراً على ما قد يحدث في المستقبل.

اقرأ أيضاً: 50 مليار دولار الحصيلة الاستثمارية لزيارة رئيس الصين إلى السعودية

تحمل تلك المؤشرات شقين من المخاطر بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها، حيث قد يفقد سلاح العقوبات المعتمد على هيمنة الدولار جانباً من فعاليته، كما قد ترتفع معدلات التضخم، لأن تبادل الاقتصادات غير الغربية للسلع الأساسية فيما بينها بعيداً عن السوق يؤدي لارتفاع الأسعار على باقي المشترين.

قال جورج يو، وزير خارجية سنغافورة الأسبق خلال مؤتمر الأسبوع الماضي: "للدولار الأميركي أثر السحر علينا جميعاً، وفي حالة تسليح النظام المالي الدولي، سوف تنمو فرص بدائل لتحل محله".