تراجع مبيعات التجزئة.. أكثر من مجرد لقطة عابرة

هبوط في مشتريات السلع المعمرة والمستهلكون يستخدمون المدخرات والائتمان لتوفير احتياجاتهم

متسوقون يحملون حقائب من نوع "غوتشي" بسان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة
متسوقون يحملون حقائب من نوع "غوتشي" بسان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة المصدر: بلومبرغ
Jonathan Levin
Jonathan Levin

Jonathan Levin has worked as a Bloomberg journalist in Latin America and the U.S., covering finance, markets and M&A. Most recently, he has served as the company's Miami bureau chief. He is a CFA charterholder.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

من أول وهلة، كان تجاهل تقرير مبيعات التجزئة السيئ الذي صدر الأربعاء في الولايات المتحدة الأميركية سهلاً: فرغم كل شيء كانت أرقام شهر ديسمبر في العامين السابقين ضعيفة بصورة خادعة حتى أنها تصاعدت بقوة خلال الشهور التالية. لكن مع نهاية الفترة الصباحية، توقف المضاربون عن التماس الأعذار وبدأت الأسهم في الهبوط. ربما يكون التفسير الثاني هو الصواب.

يدور السؤال، قطعاً، حول ما إذا كانت الأرقام خادعة بحيث يجري تجاهلها بطريقة آمنة، أو أنها تمثل تراجعاً صحياً، أو أنها بداية انهيار أوسع نطاقاً. قد يبشر التراجع بفترة إيقاف مؤقت مرحب بها لحملة بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الضارية المتمثلة في رفع أسعار الفائدة بنسب عالية، بينما قد يسفر ذلك عن ركود اقتصادي.

في حين يعد من المبكر التوصل لاستنتاجات، ظهر أن التراجع في أرقام ديسمبر كان واسع النطاق وأعقب مراجعات خفضت من بيانات شهر نوفمبر. هبطت قيمة إجمالي مشتريات التجزئة 1.1% بديسمبر الماضي، ما يعد أسوأ من متوسط التوقعات 0.9% باستطلاع رأي لبلومبرغ شمل خبراء اقتصاد. هبطت 10 فئات من أصل 13 فئة، بما فيها السيارات وشركات تجارة التجزئة خارج المتاجر ومحلات بيع الأثاث. انخفضت فئات السلع المعمرة على غرار الأجهزة المنزلية والأجهزة الإلكترونية فعلاً على مدى شهور عقب بلوغ مشتريات المستهلكين ذروتها أثناء حقبة وباء كورونا، وكان الأمل يحدو بعض المستثمرين في رؤية بصيص من النور.

الإنفاق الاستهلاكي

لكن ربما يكون تدهور مبيعات المطاعم في أكبر هبوط منذ تفشي مرض كوفيد -19 خلال يناير 2022 هو الأكثر إثارة للقلق من بين كافة الأمور. عزز ذلك وجود دليل على أن قطاع الخدمات الأوسع نطاقاً قد يواجه ضغوطات، وقد يُنهي فترة حول المستهلكين فيها بوضوح استهلاكهم من البضائع للخدمات، وهو ما يُطلق عليه عملية إعادة فتح التجارة. على إثر ذلك، توجد إمكانية لبدء تراجع الإنفاق الاستهلاكي بشكل عام.

توقعات بنمو أبطأ لمبيعات التجزئة خلال موسم العطلات هذا العام

على العموم، حققت المبيعات نمواً خلال موسم العطلات بنوفمبر وديسمبر الماضيين - عدا السيارات والبنزين والمطاعم - 5.3% فقط لتسجل 936.3 مليار دولار أميركي بالمقارنة مع الأرقام المحققة خلال نفس الفترة من السنة السابقة، والتي جاءت أقل من توقعات الاتحاد الوطني للبيع بالتجزئة بأن تترواح نسبة النمو بين 6% و8% مقارنة بما سجلته السنة السابقة. لم تضبط الأرقام مع احتساب التضخم في أسعار المستهلك، الذي صعد 6.5% بديسمبر 2022 عن السنة السابقة (زادت أسعار البضائع الأساسية تحديداً 2.1%).

بدأ المتسوقون في استخدام مدخراتهم الشخصية والحصول على ائتمان لسداد ما لا يطيقونه من تكلفة من خلال صافي الأجر الخاص بهم. أثناء فترة الذروة لأيام التسوق بموسم العطلات خلال الفترة من 19 إلى 26 ديسمبر، رفع المتسوقون إنفاقهم الائتماني بنحو 11% عن العام السابق بينما زاد استخدام بطاقات الخصم المباشر 3% تقريباً، وفق شركة "فايسيرف" للمدفوعات المالية.

تكلفة المعيشة

فعلياً، زاد عدد الأفراد الذين قالوا إن رواتبهم تكفي بالكاد تكلفة المعيشة في الفترة بين نوفمبر وديسمبر، بحسب شركة "ليندينغ كلوب". أوضح مارك ماثيوز، نائب رئيس وحدة تطوير البحوث وتحليل القطاع بالاتحاد الوطني لتجارة التجزئة، أنه في ظل تراجع ​​المدخرات وتزايد الديون، فإن ذلك "لا يترك احتياطيات مالية مطلقاً" في حالة تلقى الاقتصاد خسارة أخرى.

أشارت كايلا برون، المحللة الاقتصادية لدى شركة "مورنينغ كونسالت" (Morning Consult)، إلى أن شركة تكنولوجيا ذكاء القرار توقعت تراجع مبيعات المطاعم من خلال مسح تناول بيانات تخضع لملكيتها الخاصة على مدى عدة شهور، وأن الضغط قد ينتشر قريباً ليصل إل فئات أخرى من الخدمات. تابعت: "يُصعب توقع من أين ستأتي دفقات من القوة خلال المرحلة الراهنة".

تراجع إنفاق المستهلكين بأميركا مع ارتفاع التضخم لأعلى مستوى في 40 عاماً

قطعاً، توجد مخاوف عديدة صحيحة إزاء عمليات إعادة الضبط الموسمية لبيانات مبيعات التجزئة، وسيضطر المستثمرون على الأرجح لانتظار صدور مزيد من البيانات لاتخاذ قرار حول تحديد مغزى الاتجاه. أسفر وباء كورونا عن تغيرات بأنماط الإنفاق خلال موسم العطلات - انتشرت على مدى شهور عدة حالياً - ما نجم عنها فوضى بعملية تصحيح البيانات الشهرية على أساس موسمي. سيكون لتقرير وزارة التجارة في 27 يناير الجاري حول الإنفاق الشخصي دور أكبر في إلقاء الضوء على خطورة الموضوع، شأنه شأن مبيعات التجزئة لشهر أو شهرين آخرين.

سوق الأسهم

لكن المستثمرين لن يقفوا موقف المتفرج. فقد اتجه مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" صوب أكبر تراجع له منذ 5 يناير الجاري ليتخلي عن مكاسبه السابقة عقب كشف تقرير آخر عن هبوط إنتاج معدات الشركات. توقعات النمو القاتمة أثرت سلباً على التفاؤل إزاء تراجع معدل التضخم بمؤشر أسعار المنتجين الخاص بوزارة العمل وتكوّن خليط استثنائي (بمعايير عام 2022 على الأقل) من صعود عائدات سندات الخزانة وهبوط أسواق الأسهم.

على ما يبدو فإن التحركات تثبت صحة فرضيات العديد من المحللين الاستراتيجيين بوول ستريت، بمن فيهم مايك ويلسون من مصرف "مورغان ستانلي"، الذين حذّروا من أن انخفاص عوائد السندات قد ينجم عنه مرحلة جديدة من سوق هبوطية، بسبب التراجع في الأرباح. إذا كانوا على صواب، فليس من الفطنة أن يتجاهل المستثمرون مبيعات التجزئة باعتبارها فقط لقطة تقنية أخرى بسبب العوامل الموسمية المؤثرة.