أسعار السيارات المستعملة تنخفض أخيراً

عقبات إنتاج السيارات إبان الوباء وشح العرض رفعت أسعار السيارات القديمة.. لكن ذلك انقضى

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

اشتهرت عبارة قالها قبيل الأزمة المالية العالمية تشاك برينس، رئيس "سيتي غروب" التنفيذي السابق ومفادها أنه علينا أن نرقص طالما استمر العزف، ولم تنطبق مقولته على أي قطاع بقدر ما مثلّت حال صناعة السيارات العالمية خلال جنون الشراء إبان الوباء، فقد تمكنت من قوة في فرض الأسعار لم تعرفها قبلاً.

تنبأ محللو "يو بي سي غروب" (UBS Group) في تقرير في أكتوبر بعنوان "الفرقة تتوقف عن العزف" بأن هذه السوق يُفترض أن تفقد جاذبيتها بسرعة في 2023. اتفق محللو "مورغان ستانلي" مع ذلك الطرح بعد بضعة أسابيع قائلين: "لعلنا سنشهد أحدّ تغيير خلال جيل فيه انتقال من نقص المعروض من المركبات الخفيفة إلى إفراط فيه". بعد خمسة أيام من ذلك حذّرت "بيرنستين" (Bernstein) من "ظهور تصدعات في زخم التسعير العالمي" خلال الربع الرابع من 2022.

تباين أسعار السيارات يشي بتضخم أشد وطأة في المستقبل

تبدو هذه التصدعات بوضوح شديد في سوق السيارات المستعملة أكثر من أي جزء آخر في قطاع السيارات. بالكاد تمكنت شركة "كار ماكس" (CarMax) لبيع السيارات بالتجزئة من شق طريقها حتى نهاية العام، بينما عانت منافستها المفترضة "كارفانا" (Carvana) لتتجنب الإفلاس.

سجلت قيم المركبات المستعملة في ديسمبر أكبر تراجع خلال 27 عاماً رصدته "مانهايم" (Manheim) أكبر شركة مزادات سيارات في أميركا الشمالية. كما بدأت أرباح شركات التمويل المرتبطة بشركات صناعات السيارات في التراجع.

أسعار غير مسبوقة

يمثّل هذا المنظور القاتم منعطفاً درامياً لصناعة السيارات. شكلت الأيام الأولى للوباء الحدث الأكثر ضرراً على شركات صناعات السيارات منذ أجبرت الحرب العالمية الثانية مصانع ديترويت على التحول من صناعة السيارات إلى صناعة الأسلحة.

تراجع الإنتاج حتى توقف في بدايات 2020 نتيجة استمرار تفشي كوفيد-19 وشح قطع الغيار، ليعود للتعافي ببطء، ما حدّ من توريدات المركبات. لكن الطلب بقي قوياً على الوسيلة الأفضل للتباعد الاجتماعي. اضطر الملايين ممن كانوا سيشترون سيارات جديدة لابتياع سيارات مستعملة نظراً لضعف إنتاج السيارات.

قفزة بأسعار السيارات المستعملة في أمريكا بفعل الانتعاش الاقتصادي ونقص العرض

أدى كسر ارتباط العرض بالطلب إلى دفع أسعار كل من السيارات المستعملة والجديدة والسيارات الرياضية والشاحنات إلى مستويات قياسية. واجهت شركات صناعة السيارات صعوبة في استعادة أي من مظاهر التوازن لأن استمرار نقص أشباه الموصلات أعاق الإنتاج.

كما ساهمت الأسعار شديدة الارتفاع بالتضخم المرتفع المستحكم الذي أجبر الاحتياطي الفيدرالي على رفع أسعار الفائدة بأسرع وتيرة في التاريخ الحديث.

رغم أن شركات صناعة السيارات لم تحصل بعد على كمية الرقائق التي تريدها، إلا أن العرض يتعافى. ارتفع مخزون السيارات الجديدة بنسبة 81% مع اقتراب نهاية 2022، مع توفر نحو 740 ألف سيارة أكثر مقارنة مع 2021، وفقاً لـ"كوكس أوتوموتيف" (Cox Automotive).

عودة التوازن

قال كارلوس تافاريس الرئيس التنفيذي لشركة "ستيلانتيس" (Stellantis) التي تصنع سيارات (جيب) في مصنع قرب حدود فرنسا مع لوكسمبورغ للصحفيين الشهر الماضي: "يعود التوازن الآن، مع تحسن في توفر الرقائق وتباطؤ الطلب على السيارات نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة وصعوبة الاقتراض. تعني إعادة التوازن هذه أن أسعار السيارات المستعملة ستعود إلى حيث كانت دائماً، بالتالي يجب إدارة الأعمال التجارية التي كانت رابحة بكثير من الدقة".

تثبت إدارة عملية الانتقال هذه أنها صعبة على البعض، إذ تعود مشكلات "كارفانا" جزئياً إلى دفعها للنمو مهما كان الثمن، وهي عملية بدأتها شركة تجارة السيارات هذه قبل توقف العزف مباشرة. كتب الرئيس التنفيذي إيرني غارسيا الحفيد في رسالة للمساهمين في فبراير: "يجب أن نتوسع، هذا طريقنا".

آلة بيع السيارات المستعملة لـ"كارفانا" في ميامي
آلة بيع السيارات المستعملة لـ"كارفانا" في ميامي المصدر: غيتي إيمجز

كابوس التقليد

كانت هذه الشركة الناشئة قد وضعت نصب عينيها أن تصبح مكافئة "أمازون" في قطاع السيارات، وأصبحت أسهمها خياراً رائجاً جداً خلال الإغلاقات، نظراً لوجودها في عالم التجارة الإلكترونية وقدرتها على إيصال السيارات إلى منازل العملاء.

لقد اشترى مستثمرون منهم صندوق التحوط "تيغر غلوبال مانجمنت" (Tiger Global Management) و"بايلي غيفورد" (Baillie Gifford) أسهماً فيها. ارتفع سهمها لأكثر من 370 دولاراً بحلول أغسطس 2021، رافعاً قيمتها السوقية إلى ما فاق 60 مليار دولار.

لكن رغم أن بيع السيارات وشراءها من خلال "كارفانا" يجري إلكترونياً في الغالب، إلا أن هناك تقييدات جدية على أتمتة أعمال فحص المركبات وتجديدها ونقلها. عملت الشركة في تلك الأثناء على جمع أكبر قدر ممكن من مخزون السيارات وكثيراً ما دفعت قيماً مرتفعة في مزادات السيارات المستعملة.

اتخذت "كارفانا" خطوة متطرفة في فبراير باستحواذها على شركة المزادات "أديسا" (Adesa) لقاء ملياري دولار تقريباً، وأعلنت عن الصفقة في الشهر نفسه الذي سجلت فيه أول تراجع ربعي كبير في مبيعات التجزئة.

بعد الضربة المزدوجة التي تلقتها بسبب تباطؤ المبيعات وتراجع الأسعار في الأشهر اللاحقة، بلغت القيمة السوقية للشركة في نهاية العام 851.9 مليون دولار. لتتحول أولويتها القصوى في 2023 من تنمية المبيعات إلى تخفيض النفقات، وإلغاء آلاف الوظائف والتقليل من الإنفاق على الإعلانات.

معاناة الممولين

لم تكن "كارنافا" وحدها من عانت من الهبوط الحاد في أسعار السيارات المستعملة. شركة "هيرتز غلوبال هولدينغز" (Hertz Global Holdings)، شركة تأجير السيارات التي خرجت من الإفلاس في 2020 نتيجة إقبال مستثمرين أفراد بلا خبرة على أسهمها وكذلك الارتفاع الكبير في قيمة أسطولها، حذّرت المستثمرين العام الماضي من أن انخفاض تكاليف أسعار السيارات المستعملة سيزيد من تكاليف الاستهلاك عليها ويضيق الأرباح. كذلك فعلت "أوتو نايشن" (AutoNation) أكبر سلسلة لتجارة السيارات المستعملة في الولايات المتحدة.

تُعدّ المكاسب الضخمة لشركات تمويل صناعة السيارات من بين الضحايا الآخرين المحتملين هذا العام، فقد كانت هذه المكاسب دخلاً غير متوقع لشركاتها الأم حين رزح إنتاج السيارات تحت الضغط،

فقد سجلت "فولكس واجن فايننشال سيرفسز" (Volkswagen Financial Services) على سبيل المثال أرباحاً قياسية في 2021، وقال فرانك فيدلر الرئيس المالي في نوفمبر إنه يتوقع تحقيق أرباح تتجاوز التوقعات في 2022 بمليار يورو (1.1 مليار دولار).

انتعاش الرقائق يدعم نمو مبيعات السيارات في العام الجديد

لكنه لن يعتمد على استمرار هذا الوضع في 2023. قال : "اتسمت نتائج الأعمال العالية لشركة (فولكس واجن فايننشال سيرفسز) بين 2021 و2022 بمؤثرات خاصة قوية لن تتكرر على الأرجح".

انتبهت "وول ستريت" لهذا، لأن مزيجاً من تراجع أسعار السيارات المستعملة وارتفاع معدلات التأخر في السداد سيؤثر على الأوراق المالية التي تدعم ديون قروض السيارات للمقترضين الأخطر. تعمل شركات مثل "كارنافا" و"كار ماكس" على أخذ القروض التي تقدمها لعملائها وتجميعها في حزم مختلفة المخاطر والأحجام، وبيعها للمستثمرين مقابل تمويل رخيص.

يُطالب هؤلاء المستثمرون الذين اشتروا هذه السندات بأسعار فائدة أعلى منذ أشهر. بلغت العائدات الإضافية المطلوبة على الأجزاء الأخطر من هذه السندات في نوفمبر أوسع نطاق لها منذ 2010، باستثناء مدة لم تتجاوز بضعة أسابيع خلال الوباء، وفقاً لبيانات جمعتها شركة "جيه بي مورغان تشايس آند كو".

قال جون كيرشنر، رئيس المنتجات المالية المورقة في "جانوس هيندرسون غروب" (Janus Henderson Group): "دائماً ما يمثل انخفاض أسعار السيارات المستعملة شأناً مقلقاً في السوق، لكن ما يزال علينا رؤية نسب البطالة ترتفع كثيراً ليتوقف عدد كافٍ من المقترضين عن سداد الدفعات بما يضرب سندات السيارات".