حملة القمع ضدّ قطاع التشفير لا تزال في بداياتها

غسيل الأموال والاحتيال والتهرب الضريبي.. مخاطر لن تزول من تلقاء نفسها

شاشة تلفزيونية تعرض رسالة من مكتب المدعي العام الفرنسي في باريس خلال مؤتمر صحفي عقدته وزارة العدل الأميركية في واشنطن العاصمة، الولايات المتحدة، يوم 18 يناير 2022. أعلنت الوزارة خلال المؤتمر عن القبض على مؤسس بورصة "بيتزلاتو"، بتهمة معالجة معاملات بملايين الدولارات من الأموال غير المشروعة
شاشة تلفزيونية تعرض رسالة من مكتب المدعي العام الفرنسي في باريس خلال مؤتمر صحفي عقدته وزارة العدل الأميركية في واشنطن العاصمة، الولايات المتحدة، يوم 18 يناير 2022. أعلنت الوزارة خلال المؤتمر عن القبض على مؤسس بورصة "بيتزلاتو"، بتهمة معالجة معاملات بملايين الدولارات من الأموال غير المشروعة المصدر: بلومبرغ
Lionel Laurent
Lionel Laurent

Bloomberg Opinion. Writing my own views on Flag of European UnionFlag of FranceMoney-mouth face(Brussels/Paris/London) here: https://bloom.bg/2H8eH0P Hate-love-mail here: llaurent2 at bloomberg dot net

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كان هناك الكثير من الهزل والمرح على الإنترنت عندما أعلنت وزارة العدل الأميركية عن اعتقال مؤسس بورصة العملات المشفرة "بيتزلاتو" (Bitzlato) الأسبوع الماضي. فجأة باتت هذه البورصة غير المعروفة، ذات الاسم صعب النطق، التي ليست كأي صيد أكبر بكثير - مثل "بينانس" - تتصدر عناوين الأخبار. بدت "بيتزلاتو" غير مهمة، وعديمة الجوهر. وحقيقة أن "بتكوين" استأنفت مسيرتها لتجتاز عتبة 21 ألف دولار، تؤكد ذلك.

لكن ذلك يتجاهل الصورة الأكبر، ويغفل عن الكثير مما قامت به هيئات المراقبة خلال الأسابيع القليلة الأولى من عام 2023. في 3 يناير، حذّر بيان مشترك صادر عن الجهات التنظيمية المصارف من مخاطر العملات المشفرة التي تتسلل إلى النظام المصرفي.

تصاعد الحملة التنظيمية

ثم جاءت تسوية بقيمة 100 مليون دولار مع شركة "كوين بيس غلوبال" بشأن ضعفٍ في الضوابط الداخلية، ودعوى قضائية ضد التوأمين "وينكلفوس" اللذين يقودان منصة "جيميني" (Gemini) وشركة سمسرة العملات المشفرة "جينيسيس" (Genesis)، بتهمة بيع أوراق مالية غير مسجلة، بالإضافة إلى تسوية بلغت 45 مليون دولار مع منصة إقراض العملات المشفرة "نيكسو" (Nexo)، التي أوقفت عملياتها في الولايات المتحدة.

مذكرات الاستدعاء تتزايد بسرعة.

تدور عجلات العدالة ببطء. جاءت شكوى "جيميني"، و"جينيسيس" متأخرة جداً بالنسبة إلى العملاء الذين يكافحون لاستعادة 900 مليون دولار من الأموال العالقة. إلا أن دوران تلك العجلات بدأ يتسارع الآن. تشعر الجهات التنظيمية مثل "هيئة الأوراق المالية والبورصات" -وبشكل مُحق- أن أحداث العام الماضي أثبتت صحة طرحها، حيث شهد العام فقداناً واسعاً للثقة بالعملات المشفرة، وإن لم يتحوّل ذلك إلى أزمة اقتصادية أوسع نطاقاً.

فقاعة العملات المشفرة بقيادة "إف تي إكس".. الأسوأ من نوعها

أظهر انهيار "إف تي إكس" عيوب هذه الصناعة، كما أظهر أيضاً فوائد اتباع نهج تنظيمي صارم تجاه البورصات، مثل عندما تدخلت "هيئة الأوراق المالية والبورصات" خلف الكواليس في عام 2021 لمنع "كوين بيس" من إطلاق منتج خاص بها لإقراض العملات المشفرة. فكما قال أحد المسؤولين في العام الماضي، فإن "الفسحة باتت أضيق" بالنسبة إلى المنصات غير المنضبطة.

منع تسرُّب كوارث التشفير للقطاع المالي

قد يكون هناك الكثير من الجدل حول ما إذا كانت العملات المشفرة تشبه الأوراق المالية أو السلع أو نظام الظل المصرفي أو المقامرة، لكن التركيز المستمر يتمحور حول ضمان عدم تسرب مشكلات قطاع التشفير إلى النظام المالي.

على الرغم من أنَّ المحاولات التشريعية لصياغة قواعد لقطاع التشفير تمنع تكرار ما حصل مع "ليمان براذرز"، تواجه تأخيرات إجرائية وتسريبات محرجة حول تاريخ من العلاقات الحميمة بين "إف تي إكس" والكونغرس، إلا أن الجهات التنظيمية ذات الذاكرة القوية، تراقب بشكل نشط تعرّض البنوك للعملات المشفرة على أنها مؤشر لقياس الخطر الفعلي.

مصرفيون ومنظمون يجدون أرضية مشتركة للعملات المشفرة في دافوس

يبدو أن بنك "سيلفرغيت كابيتال" (Silvergate Capital) -الذي سحقه تعرّضه لـ"إف تي إكس"- قد فهم الرسالة، وخفّض قيمة أصوله من عملة "ديم" (Diem) المستقرة التي اشتراها من "ميتا بلاتفورمز" – والتي كانت قيمتها في ذلك الوقت حوالي 200 مليون دولار – لتبلغ فعلياً لا شيء.

يُعد الإجراء الذي اتُخذ بحق "بيتزلاتو" جزءاً من هذه الجهود، إذ أشارت وزارة العدل إلى أن ضوابط البورصة غير الكافية لمكافحة غسيل الأموال، والأعمال "الكبيرة" مع العملاء الأميركيين، هي مثال على نوع الثغرات التنظيمية في النظام التي فاتتها الإشارات التحذيرية بشأن "إف تي إكس".

أول الغيث التنظيمي قطرة

ترى كارول فان كليف، المحامية ذات الخبرة الطويلة في الأصول الرقمية، أن هناك مخططاً للإجراءات المستقبلية، بما في ذلك قرار وزارة الخزانة الأميركية الذي يعتبر أن "بيتزلاتو" هي "مصدر قلق أساسي في ما يتعلق بغسيل الأموال"، ما يجعلها فعلياً منبوذة دولياً، أي أن ذلك يتجاوز "هيئة الأوراق المالية والبورصات".

لكن، هناك أيضاً من ينتقد الإجراءات التنظيمية، حيث يخشى البعض من المبالغة فيها، في وقت يعتقد البعض الآخر أن نتائج عكسية ستنجم عن محاولة بناء حواجز حماية حول الأصول الرقمية، عوضاً عن التراجع وتركها "تحترق". إذ من الصحيح القول، إن العملات المشفرة مليئة بالنشاط الذي ينطوي على المقامرة أكثر من الاستثمار. وما هو محبط إلى حد ما أن نرى أن أولئك الذين كانوا في قلب انهيار العملات المشفرة في العام الماضي، يفكرون بالفعل في استرداد اعتبارهم، من "ثري آروز كابيتال" (Three Arrows Capital)، وصولاً إلى "إف تي إكس".

الخزانة الأميركية: "بينانس" من بين شركاء منصة "بيتزلاتو" في قضية أموال غير مشروعة

لكن غسيل الأموال، والاحتيال، والتلاعب بالسوق، والتهرب الضريبي، ليست مخاطر قادرة ببساطة على إصلاح نفسها. فكما أشار فابيو بانيتا من "البنك المركزي الأوروبي"، ترى الجهات التنظيمية أنَّ التكاليف التي يتحملها المجتمع من الأصول المشفرة غير المنظمة، مرتفعة، وتتطلب المزيد من الإجراءات.

من الواضح أن الحملة لا تزال في بداياتها. لذلك، يتعين على أولئك الذين يحرصون على العودة إلى العملات المشفرة -رغم تكبدهم لخسائر هائلة مؤخراً– أن يلاحظوا ذلك.