شركة هولندية ترى أن البطاريات الأكبر أفضل

خلايا البطاريات الأكبر حجماً تساعد في تخزين الطاقة في القطاع الصناعي وخفض أسعارها

نظام بطارية "زينون" محملاً على شاحنة.
نظام بطارية "زينون" محملاً على شاحنة. المصدر: زينون
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في يوم مشمس من ديسمبر قرب ميناء أمستردام، التقطت رافعة تعمل بضغط الزيت حاوية شحن طولها 12 متراً وناورت بها بتؤدة لتدور بها وتضعها قرب رافعة كهربائية طولها ستة أمتار.

كانت الحاوية تضم بطارية زنتها 3.75 طنّ تستطيع إمداد أكثر من 10 منازل بالكهرباء، أو ما خُصصت له وهو تزويد كهرباء تكفي كافة عمليات تشغيل رافعة وبساط متحرك ينقل الرمل لتحمله الرافعة إلى معمل الخرسانة المجاور، وكذلك لتشغيل معدّات خلط الخرسانة داخله.

قال يروين دروخ، الرئيس التنفيذي لشركة "ألبيتون" (Albeton) للخرسانة مالكة المصنع: "إن لم تتوفر لنا الكهرباء لا يمكننا أن ننتج." تواجه "ألبيتون"، أكبر منتج خرسانة في هولندا شحاً في الطاقة الكهربائية مثل كثير من المؤسسات في البلاد.

في الجزء من البلدة حيث تعمل "ألبيتون"، تُستنزف الشبكة إلى حدّها الأقصى، ما دفع بالشركة لأن تطلب من الشركة الهولندية الناشئة "زينون إنيرجي يوروب" (Zenon Energy Europe) أن تصنع لها نظام بطاريات يمكن مضاعفة حجمه، فيما تنتقل "ألبيتون" لاستخدام شاحنات كهربائية استعداداً للحظر الذي ستفرضه أمستردام على المركبات العاملة بالديزل ابتداءً من 2030.

رغم كون هولندا في طليعة الدول التي تتصدر ترتيب المنتدى الاقتصادي العالمي على صعيد البنية التحتية، إلا أن شبكة الكهرباء فيها بلغت حدّها الأقصى. تتقلب أسعار الكهرباء على مدى اليوم في البلاد فيما يترفع الطلب خلال ساعات العمل وتنتج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح فائضاً في أوقات أخرى.

نجاح طاقة الرياح يتحوّل إلى أكبر تهديد للقطاع

أسس "زينون" في 2020 شخصان لفظهما قطاع النفط، وهي متخصصة في تصميم منتجات تلائم مثل هذه الظروف بالذات، فتمكّن المستخدمين من شحن البطاريات خلال الليل حين تكون الأسعار منخفضة ليستخدموا الكهرباء المختزنة حين ترتفع خلال ساعات الذروة، وهذا بالضبط ما تنتويه "ألبيتون".

نظام بسيط

تميل "زينون" للبساطة، فتستخدم نظام وحدات قابل للتكديس يمكن توسيعه بسهولة. استوحت فكرة الصناديق التي تحتوي على الخلايا من صناديق الجعة، وهي مصممة مع فتحات على الجانب للتبريد. يمكن لهذا النظام الانتقال من الشحن إلى التفريغ بسرعات مختلفة، فينتقل مثلاً من شحن المركبات الكهربائية بسرعة إلى ارتشاف الإلكترونات فيما يعيد تعبئة نفسه خلال الليل.

تسعى "زينون" لتأمين معظم إمداداتها من أماكن قريبة، فتستخدم إطارات ألمنيوم معاداً تدويرها في أوروبا. أمّا الكابلات فهي قليلة، ويمكن تأمين معظم المكوّنات بسهولة حتى من دول نامية إن طرأت حاجة لاستبدال شيء ما.

قال مؤسس الشركة كريستيان جيانيني، وهو أميركي بلغ عمره 48 عاماً وسبق أن عمل في تطوير الأعمال في قطاع النفط: "نريد أن نكون أشبه بسيارة (لاند كروزر) في مجال التخزين، وليس سيارة (بوغاتي)".

في يوم تسليم الحاوية التي يبلغ طولها 12 متراً، كان العمال في مصنع "زينون" الكائن في مجمّع أعمال في أرنهيم على بعد ساعة بالقطار جنوب شرق أمستردام، يصنعون بطاريات لمطعم يحتاج إلى حاويتين بحجم موقف سيارة.

"ليكيلا" تخطط لبناء أكبر منشأة لتخزين البطاريات بغرب أفريقيا

تتسم عملية التصنيع بالسهولة لدرجة أن جيانيني الذي بالكاد تلقى تدريباً تقنياً خلال برنامج الماجستير في جامعة "شيكاغو–بوث" يستطيع أن يمدّ يد العون حين يحتاج أحد العمال البالغ عددهم نحو اثني عشر قسطاً من راحة. قال جيانيني "تنظر إلى خلية فترى إشارة سلبي وإشارة إيجابي، وفي غضون 10 دقائق تبني بطارية".

قال أشوك جهونهونوالا، أستاذ الهندسة في المعهد الهندي للتقنية في مادراس إن نظام البطاريات من الشركة قابل للاستخدام في أي مكان تقريباً. فبدل مزائج الليثيوم-حديد-فوسفات، أو نيكل– منغنيز-كوبالت التي يفضّلها صانعو المنتجات الاستهلاكية المختلفة، من الهواتف إلى السيارات، تستخدم "زينون" مصعد تيتانات الكيميائي الذي يتيح الشحن والتفريغ بأسرع من الكربون التقليدي.

صناعة هذه الخلايا المستوردة من الصين أعقد من بطاريات أيونات الليثيوم، إلا أنها أقل عرضة للإحماء ويمكن تكديسها بسهولة أكبر في وحدات كبيرة. لكن نظراً لأن وزن بطاريات التيتانات أكبر من وزن تصاميم بطاريات أيونات الليثيوم الأخرى، فهي نادراً ما تُستخدم في السيارات الكهربائية التي يركز عليها معظم قطاع تطوير البطاريات.

%25 انخفاض متوقع في أسعار الليثيوم خلال 2023

بطاريات تدوم طويلاً

تقول "زينون" إن بطارياتها تدوم عشرين سنة وتُشحن وتُفرغ عشرين ألف مرة، أي أكثر بعشر مرات من أكثر البطاريات تطوراً المستخدمة في المركبات الكهربائية. شرح جهونهونوالا أنه في الحالات التي يترفع فيها العرض والطلب في أوقات مختلفة، تعمل البطاريات العاملة بتقنية التيانيوم "بشكل جيد جداً، لأنها تُشحن وتُفرغ بسرعة وتستمر لعدد كبير من الدورات".

تعهدت دول بحر الشمال بتأمين 260 غيغاواط من طاقة الرياح بحلول 2050، وتخطط هولندا نفسها لزيادة إنتاج الطاقة من البحار أربع مرات بحلول 2040، بالتالي سيكون تأمين نوع من تخزين الطاقة ضرورةً.

قال دهاريك مالابراغادا، الباحث العلمي في مبادرة الطاقة التابعة لمعهد مساتشوستس للتقنية: "أثبت التخزين في الموقع أنه استراتيجية بالغة الأهمية لتسريع استخدام الطاقة المتجددة والحدّ من الاعتماد على الغاز الطبيعي".

هذه هي البطاريات التي نحتاجها للتخفيف من أزمة الطاقة

يُتوقع أن تنمو السوق أكثر بثلاث مرات في هذا العقد، لتصل قيمتها إلى نحو 28 مليار دولار، ما يشجع عشرات الوافدين الجدد حول العالم للانخراط فيها، فيما تبني شركات مخضرمة في القطاع مثل "جنرال إلكتريك" "صن باور" (SunPower) و"توشيبا" تجارتهما الخاصة في مجال تخزين الطاقة.

شاركت "زينون" في نوفمبر بمناقصات على مشاريع في وجه شركات مثل "فلوانس" (Fluence) تابعة "سيمنز" و"تسلا". إلا أن عديداً من الشركات الكبرى يستخدم البطاريات المصممة للمركبات الكهربائية ويحاول تكييفها لاستخدامها في التخزين، أو لتُقدم سعة وطاقة معدّة سلفاً، دون أن تصنع بطاريات لتلبية الاحتياجات الفردية.

خفض أسعار الطاقة

تكاد "زينون" محدودة الملاك تعجز عن مواكبة الطلب على منتجاتها، وبلغت إيراداتها 13 مليون يورو (14.1 مليون دولار) في العام المالي المنتهي في مارس، وذلك أربعة أضعاف توقعاتها الأولية. تخطط الشركة لمضاعفة مساحة مصنعها بالاستحواذ على مساحة من شركة لخدمات النفط تقع قربها.

يضمّ عملاء "زينون" شركات مثل "كيس غريف " (Kees Greeve) الرائدة في مجال الزراعة العمودية والداخلية و"جومبو سوبرماركتين" (Jumbo Supermarkten)، التي تملك أكثر من 700 متجر بقالة في هولندا وبلجيكا.

يتوقع جيانيني أن تحلّ بطارياته مكان مولدات الديزل في أبراج الهواتف في المناطق النائية وفي أعمال التنقيب عبر توصيل ألواح شمسية إلى بطاريات "زينون" القادرة على الإمداد بالكهرباء عند الحاجة، إضافة لتحميل حاوياته على متن شاحنات ونقلها إلى أماكن تعطلت فيها الشبكة.

الاتحاد الأوروبي يوافق على تمويل خط كهرباء جديد من القوقاز

تقول الشركة المشغلة للشبكة في هولندا "لياندر" (Liander) إن أسعار الكهرباء ستنخفض بشكل كبير إذا ما حدّت الشركات الكبرى من استهلاكها من خلال الاعتماد على البطاريات، وهذا أكثر ما يثير حماسة جيانيني.

كانت أكبر بطارية من صنع "زينون" لحدّ اليوم قد اشترتها في ديسمبر شركة ناشئة هولندية لتخزين الطاقة، وستُستخدم لتحقيق هذا النوع من الفروق في أسعار الطاقة. قال جيانيني: "إذا كان لدى 100 شركة في هولندا سعة تخزين بـ100 ميغاواط، سيسهم ذلك في خفض تكلفة الطاقة للجميع بواقع 15%". أضاف: "يمكن للحكومة بهذه الطريقة أن تؤمّن دعماً للأسعار يعوّل عليه في المستقبل، بدل الاكتفاء بإعطاء شيكات، ويمكن تحقيق ذلك في غضون عام".