موظفون يلفظهم قطاع التقنية فتتلقفهم صناعة السيارات

اعتماد السيارات على البرمجيات يجعل ديترويت المستفيد الأكبر من تسرب موظفي وادي السيليكون

جناح "كارياد" في معرض الإلكترونيات الاستهلاكية السنوي في مدينة لاس فيجاس
جناح "كارياد" في معرض الإلكترونيات الاستهلاكية السنوي في مدينة لاس فيجاس المصدر: كاريد
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يشتهر معرض الإلكترونيات الاستهلاكية السنوي في لاس فيغاس بأجهزة تقنية مدهشة ومثيرة للإعجاب في آن معاً. غير أنَّ ديرك هيلغنبيرغ، رئيس شركة "كارياد" للبرمجيات، التابعة لصانعة السيارات الألمانية "فولكس واجن"، حضر إليه في مطلع يناير بحثاً عن نوع مختلف من نفائس قطاع التقنية، وهم مهندسو البرمجيات.

حوّل المسؤول التنفيذي جناح صانعة السيارات الألمانية، المبني من حاويات شحن ملونة، إلى قاعة توظيف مؤقتة كُتب على أحد جوانبها عبارة "انضم للعمل معنا". تضاعف عدد موظفي "كايارد" خمس مرات ليصل إجمالي القوى العاملة بها إلى 6600 موظف تقريباً منذ إنشائها في يوليو 2020، ويأمل هيلغنبيرغ بتعيين 1700 موظف إضافي هذا العام.

تبنى رئيس "كايارد"، 58 عاماً، منهجاً تحررياً لجذب مرشحين رائعين اعتمد على إتاحة العمل عن بُعد وجعل الإنجليزية لغة "كارياد" الرسمية عملياً، وهو امتياز من شركة سيارات عملاقة قائمة بفخر على الهندسة الألمانية بحجم "فولكس واجن" لموظفيها.

بيّن هيلغنبيرغ لمراسل "بلومبرغ بيزنس ويك" أنَّ "كارياد" تهدف "للاستفادة من مجموعة الكوادر والخبرات التي تحظى بها الشركات الأميركية". استغل المدير التنفيذي المعرض كمركز لإطلاق حملة التوظيف القائم عليها، معتبراً أنَّه: "لن يكون هناك توقيت أنسب من هذا" لإطلاق الحملة.

"فولكس واجن" تُعد مصنعها في ألمانيا لزيادة إنتاج السيارات الكهربائية

يشهد قطاع تصنيع السيارات تزايداً مطرداً في الطلب على مهارات تطوير البرمجيات التي لا غنى عنها لإعادة تصميم منتجاته بما يناسب عصر التقنية الرقمية. يعكف ستيفن لوسير، أحد مديري شبكة "توبتال" لإدارة المواهب الحرة التي تضطلع بربط تلك الكوادر بصناعة السيارات وغيرها من الصناعات، على إشغال قائمة طويلة من الوظائف التقنية.

تتراوح الوظائف المطلوبة من خبراء البيانات والمتخصصين في تطوير تجربة المستخدم إلى المهندسين بغية استدامة البنية الأساسية للمنظومات السحابية والعمليات المتعلقة بها. يتزامن الطلب المتزايد مع فرصة تسريحات تلوح في أفق قطاع التقنية.

قال لوسير: "لدينا طلب مستمر على المواهب... لم يتغير مستوى الخبرة أو الأعداد المطلوبة"، لكن تتجلى ندرة مجموعة معينة من المهارات بين الكوادر المتاحة.

فرص كثيرة

يمكن أن يشكّل المسرحون من قطاع التقنية فرصة سانحة لصانعي السيارات. لكنَّهم ليسوا جهة الطلب الوحيدة التي تتطلّع إلى جذب موظفي القطاع التقني الباحثين عن عمل. فقد ارتفع الطلب على مهندسي البرمجيات المبتدئين في قطاعات مثل مؤسسات الحكومة بنسبة 36% في ديسمبر 2022 مقارنة مع يناير 2021 وشركات البناء بزيادة 28% في الفترة ذاتها، وفقاً لبيانات موقع "هاندشيك" للتوظيف الذي يربط الطلاب والخريجين الجدد بأصحاب الأعمال.

كما تعتبر الوكالات الفيدرالية، مثل وزارة شؤون المحاربين القدامى الأميركية، الفترة الحالية بمثابة فرصة لاقتناص مواهب عانت من أجل جذبها على مدى سنوات.

بلغت 100 ألف وظيفة.. خريطة تسريح العمالة في شركات التكنولوجيا العالمية

غريغ إيبرت، مدير أول تصميم المنصات السحابية في "كارياد"، هو مثال للموظف الذي تحلم به شركات صناعة السيارات. فقد انطوت وظيفته السابقة لدى قطاع الأجهزة بشركة "أمازون" على تنظيم بيانات المبيعات لتغذية نموذج التنبؤ الضخم في سلسلة إمداد عملاقة التجزئة.

كان إيبرت قد استقال في 2020 كي يتفرغ لتحقيق حلمه ببناء كوخ عائلي قرب مدينة ميسولا بولاية مونتانا. لكنَّ أحد مسؤولي التوظيف بشركة "فولكس واجن" أغراه بالعودة إلى سياتل.

قال إيبرت إنَّه رفض مبادرات من شركات في صناعات أخرى، بما فيها خدمة البث المباشر "ديزني بلس"، بحثاً عن فرصة للعمل في وظيفة أكثر جدوى: "عندما أنظر إلى صناعة السيارات؛ فإنَّني أشبهها بالوقت الذي بدأ فيه الهاتف الذكي يصبح كبير الحجم. ستكون السيارات الذكية هي التطور القادم في قطاع التقنية".

آفاق جديدة

يأمل صانعو السيارات أن يكونوا وجهات جذب لأشخاص مثل إيبرت. أعلنت شركة "ستيلانتس"، صاحبة علامات "جيب" و"رام" و"فيات"، إنشاء شركة برمجيات مستقلة جديدة في معرض الإلكترونيات الاستهلاكية هذا العام. كما تملك "تويوتا" شركة قابضة تضم تابعاتها المتخصصة بتطوير البرمجيات والمساعي الناشئة تحت اسم "ووفن بلانيت".

تهدف هذه المشاريع لمساعدة صانعي السيارات على خلق ثقافة أكثر ذكاءً تتمحور حول البرمجيات، ويمكنها جذب المواهب التقنية من جهة، ومعرفة كيفية استثمار كم البيانات التي تولّدها السيارات من جهةٍ أخرى.

قال جون أبسماير، كبير مسؤولي التقنية لدى "ووفن بلانيت": "يتعيّن علينا تغيير طريقة تفكيرنا فيما يتعلق بكيفية تطوير وإنشاء العمليات التي نعتمدها، والثقافة التي نكرس لها، فضلاً عن المواهب والمهارات التي نحظى بها".

لقد تم رصد الكثير من الأموال لتحقيق تلك الغاية. على سبيل المثال؛ استهدفت شركة "جنرال موتورز" تحقيق عائدات من البرمجيات تتراوح بين 20 مليار دولار إلى 25 مليار دولار بحلول 2030.

كما وضعت "ستيلانتيس" هدفاً مشابهاً، حيث تعاونت مع "كوالكوم" و"فوكسكون" لتعزيز جهودها في مجال البرمجيات، فضلاً عن مساعيها المحلية للعثور على مهندسين. تعكف "ستيلانتس"، في هذا الإطار، على إنشاء أكاديمية برمجة بالتعاون مع "أمازون" لإعادة تدريب ما يصل إلى ألف شخص سنوياً، مع التركيز على تحويل المهندسين الميكانيكيين إلى مبرمجين يمكنهم العمل على تطبيقات إدارة البطاريات أو خصائص المعلومات والترفيه.

قال نيد كيوريك، الذي أصبح كبير مسؤولي التقنية لدى "ستيلانتس" في 2021 بعدما ساعد "أمازون" على تأسيس نشاط تجاري من ملحقات "أليكسا" للسيارات، إنَّه عيّن المهندسين الذين يحتاجهم، مضيفاً أنَّه نهِم لاستقطاب المزيد من المواهب التقنية بلا حد.

مزح كيوريك قائلاً: "الأمر أشبه بشعار المبيعات الشهير: "تحلى دائماً بعقلية إبرام الصفقات"، لكن في صناعتنا "نتحلى دائماً بعقلية التوظيف! نحن منفتحون على استقطاب مواهب جديدة طوال الوقت".