انهيار عنفات الرياح الضخمة يثير قلقاً بشأن موثوقيتها

تداعي عنفات أطول من تمثال الحرية تسبب بتراجع أرباح مصنعيها وإثارة القلق بين مموليهم

سقوط الغلاف المخروطي لإحدى عنفات "فيستاس" بمزرعة رياح في ولاية أوريغون العام الماضي.
سقوط الغلاف المخروطي لإحدى عنفات "فيستاس" بمزرعة رياح في ولاية أوريغون العام الماضي. المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كان مايك ويلي يرعى ماشيته في يوم هادئ مشمس من يونيو حين تلقى اتصالاً من مأمور الشرطة المحلية ليخبره بأن سائق سيارة أبلغ عن انهيار عنفة ضخمة في مزرعة رياح مجاورة. شرع ويلي، وهو رئيس قسم الإطفاء التطوعي، يعاين موقع الحادث في إيميز، على بعد 145 كيلومتراً شمال غرب أوكلاهوما سيتي.

لوى سقوط العنفة جسده الفولاذي الذي كان ارتفاعه شامخاً يفوق 100 متر فانطوى وسقطت جوانحها، التي كانت تجعل طول البرج يزيد عن تمثال الحرية لدى دورانها، فوق بيدر قمح.

بدأ تشغيل العنفة، التي أنتجتها شركة "جنرال إلكتريك"، قبل أقل من عام. قال ويلي: "لقد هوت العنفة فباتت رأسها عند أخمصها".

ثم انهارت عنفة أخرى من ذات الطراز من إنتاج "جنرال إلكتريك" في كولورادو بعد بضعة أيام. عزت شركة "نيكست إيرا إنرجي"، مُشَغِلة مزرعة الرياح في الولاية سالفة الذكر، تهاوي عنفتها في وقت لاحق إلى عيب صناعي شاب إحدى جوانحها.

أعلنت أنها و"جنرال إلكتريك" اتخذتا خطوات لمنع وقوع حوادث مؤسفة أخرى مستقبلاً. رفض متحدث باسم "جنرال إلكتريك" الكشف عن سبب الانهيار في كلتا الحادثتين في حديثه مع "بلومبرغ".

تأتي الانهيارات سالفة الذكر ضمن سلسلة أعطال في عنفات الرياح وقعت أخيراً في مواقع شتى من الولايات المتحدة وأوروبا، وترواحت الأعطال بين تلف في مكونات العنفة الرئيسية وانهيارها برمتها.

تداعيات الأعطال

أوضح بعض خبراء الصناعة أن الأعطال باتت أكثر تواتراً، رغم أنها طالت نسبة ضئيلة من العنفات القائمة. كما زادت المشكلات تكاليف إنتاج العنفات لدى أكبر ثلاث شركات غربية، وهي "جنرال إلكتريك" و"فيستاس ويند سيستمز" و"سيمنز غيميسا" تابعة "سيمنز إنرجي"، بمئات ملايين الدولارات.

قد تؤدي تلك المشكلات لارتفاع أسعار التأمين على العنفات، ما يهدد بانتكاسة محتملة للجهود الرامية للتخلي عن الوقود الأحفوري ومكافحة تغير المناخ.

يعتبر المتخصصون في الصناعة أن السبب الرئيسي وراء الأعطال، ومن ثمّ الانهيارات، هو التنافس لزيادة خطوط إنتاج العنفات الأضخم. قال فريزر ماكلاخلان الرئيس التنفيذي لشركة "جي كيوب أندررايتنغ" في لندن، التي تؤمن ما قيمته نحو 3.5 مليار دولار من أصول مزارع الرياح عبر 38 دولة: "نشهد وقوع هذه الأعطال خلال إطار زمني أقصر من بداية تشغيل العنفات الأحدث، وهذا أمر مقلق جداً".

بيّن ماكلاخلان أنه إذا استمر معدل حوادث الأعطال بالارتفاع، فقد تزداد أقساط التأمين أو قد تُفرض سقوف جديدة لتعويضات التأمين.

الاستثمارات العالمية الخضراء تتجاوز تريليون دولار للمرة الأولى

أكدت "فيستاس" و"جنرال إلكتريك" و"سيمنز غيميسا"، في تصريحات لـ"بلومبرغ" ومكالمات حديثة مع محللين، أن الضغط لتطوير عنفات أقوى في وقت ضيق خلق تحديات. قالت الشركات المصنعة للعنفات إنها تركز على تحسين عمليات التصنيع، كما أقرت أن الوقت قد حان للتأني بشأن إدخال تصميمات جديدة.

قال لاري كولب رئيس "جنرال إلكتريك" التنفيذي خلال اجتماع عبر الإنترنت في أكتوبر لمناقشة نتائج الشركة المالية: "يشكل الابتكار السريع ضغطاً على عمليات التصنيع وسلسلة التوريد الأوسع على حد سواء... تحقيق استقرار الإنتاج والجودة في هذه المنتجات الجديدة يتطلب وقتاً".

لا توجد بيانات علنية شاملة للقطاع حول أعطال عنفات الرياح، ما يُصَعِّب رسم صورة كاملة للتغيير في أدائها بمرور الوقت. لكن "فيستاس" و"جنرال إلكتريك" أقرتا بارتفاع نسبة عنفاتهما المعطلة عن إنتاج الطاقة عبر القطاع، حتى لو كانت جزءاً يسيراً من العدد الكلي.

كانت "سيمنز إنرجي" قد عدلت توقعات أرباحها لعام 2023 هذا الشهر فخفضتها استناداً لزيادة التكاليف على نحو أكبر من المتوقع بسبب عيوب ظهرت في عنفات "سيمنز غيميسا" القائمة.

غالباً ما تولد مزارع الرياح الكهرباء من عشرات العنفات في الموقع الواحد بحيث يمكنها مواصلة الإنتاج حتى إن تعطلت واحدة أو أكثر، ما يحد من تداعيات الأعطال. مع ذلك، لفتت حالات انهيار العنفات انتباه الجمهور.

كانت عنفة ضخمة بلغ ارتفاعها 239 متراً قد هوت في ألمانيا في سبتمبر 2021، كما سقطت أخرى جديدة في ليتوانيا في مارس 2022، فيما انفصل جزئياً أحد أجنحة عنفة ضخمة في السويد في يوليو.

نجاح طاقة الرياح يتحوّل إلى أكبر تهديد للقطاع

طلبت شركة "أورستد"، أكبر مطور لمزارع الرياح البحرية في العالم، من السلطات إيقاف حركة المرور البحرية قرب بعض مواقعها بعدما سقط جناح من إحدى عنفاتها قبالة سواحل الدنمارك في أبريل. تسببت أنباء الحادث بتعثر أسهم "سيمنز غيميسا" لأنها الشركة التي صنعتها.

ساعدت العنفات الأكبر حجماً في دفع توسع عالمي زاد قدرة توليد الكهرباء من مزارع الرياح القائمة بأكثر من 840 غيغاواط في 2021 مقارنةً بقدرة إجمالية كانت دون 100 غيغاواط في 2007، وفقاً لبيانات بلومبرغ لأبحاث تمويل الطاقة المتجددة.

يمكن لمطوري مزارع الرياح تركيب عدد أقل من العنفات لتوليد نفس القدر من الكهرباء مع تصميم الشركات المصنعة لجوانح بطول ملعب كرة قدم لتجني مزيداً من طاقة الرياح. أسهم هذا بالإبقاء على انخفاض تكاليف المشاريع، وهو أحد أهم أسباب انخفاض سعر الكهرباء المولدة من طاقة الرياح بشدة خلال العقد الماضي.

انهيار عنفة رياح بلغ ارتفاعها 239 متراً في هالترن بألمانيا عام 2021.
انهيار عنفة رياح بلغ ارتفاعها 239 متراً في هالترن بألمانيا عام 2021. المصدر: بلومبرغ

إصلاحات مكلفة

غير أن عوامل مثل ارتفاع تكاليف المواد الداخلة في تصنيع العنفات ومشكلات سلاسل التوريد قلصت ميزانيات الشركات المصنعة الرائدة أخيراً، ما يهدد بتباطؤ الاستثمار وربما تعثر تطوير صناعة الطاقة الأميركية القائمة على الرياح البحرية قبل انطلاقها فعلياً. كما تزيد كبوات صانعي العنفات المتعلقة بالجودة من حجم التحديات.

واجهت "سيمنز غيميسا" مشكلات أدت لإدخال تعديلات على تصميمات عنفاتها وتسببت بتأخيرات أثناء تسريع إنجاز أكبر عنفة رياح على اليابسة، والمعروفة باسم "5.X". قالت "سيمنز غيميسا" في بيان إنها تعالج جودة وموثوقية منتجاتها من أجل "تحسين القيمة المقدمة للعملاء".

شهدت "فيستاس ويند سيستمز" ارتفاعاً في مخصصات الضمان السنوية من 600 مليون يورو تقريباً في 2019 إلى ما يقرب من 1.2 مليار يورو خلال 2020 و2021.

بيّنت الشركة الدنماركية إن سلسلة التوريد لم تكن جاهزة للتعامل مع وتيرة تقديم الشركات المصنعة للمنتجات، فساهم ذلك بتأخير المشاريع وزيادة التكاليف والتحديات المتعلقة بالجودة.

قالت "فيستاس ويند سيستمز" في بيان: "نحن بحاجة صناعة مربحة وقابلة للتطوير تقوم على طاقة الرياح لخلق مستقبل خالٍ من الانبعاثات الكربونية، هذا يتطلب مواصلة تطوير سلسلة القيمة الخاصة بمصادر الطاقة المتجددة بأسرها".

تحملت "جنرال إلكتريك"، التي أعلنت أرباح الربع الرابع في 24 يناير، 500 مليون دولار في الربع الثالث لتغطية تكاليف ضمان وإصلاح عنفاتها. كانت الشركة قد نصبت عنفات لديها القدرة على توليد 40 غيغاواط من الكهرباء اعتماداً على طاقة الرياح منذ 2017، فيما طرحت عدة عنفات بقدرات أكبر منذ ذلك الحين.

أستراليا تدشن أول مشروعات طاقة الرياح البحرية لخفض اعتمادها على الفحم

يركز المصنعون حالياً على إنتاج عنفات ذات موثوقية أفضل على نطاق واسع. قال هنريك أندرسن الرئيس التنفيذي لشركة "فيستاس"، في مقابلة هذا الشهر، إن حجم العنفات ضخم بما يكفي في الوقت الحالي، وأن زيادة الإنتاج ستشكل التحدي الرئيسي خلال العقد المقبل.

أعلم يوشين إيكهولت، رئيس "سيمنز غيميسا" التنفيذي، المستثمرين بأن الشركة تعمل على زيادة توحيد المعايير القياسية بين منتجاتها، لتقليص محفظة مشروعاتها التي اتسعت على نحو مبالغ فيه.

كما قال كولب من "جنرال إلكتريك"، خلال اجتماع عُقد عن بعد لمناقشة النتائج المالية للشركة في أكتوبر، إن شركته تتحول أيضاً إلى "المنتجات الأكثر موثوقية ومتانة بحيث يمكننا نحن وموردينا تنفيذ عمليات تصنيع أكثر قابلية للتكرار".

قال أوليفر ميتكالف، رئيس أبحاث الرياح لدى بلومبرغ لأبحاث تمويل الطاقة المتجددة، إن الضغط للاستثمار في المشاريع الخضراء قوي لدرجة أن مخاوف الانهيار لم تبطئ تدفق الأموال نحو مزارع الرياح بعد.

مع ذلك، باتت قضية الأعطال تشكل مصدر قلق للمصرفيين والمقرضين الآخرين، الذين قد يبدأون بالمطالبة بفوائد أعلى، حسبما يقول ميتكالف، الذي أضاف: "ثمة تردد بين شركات التأمين والمقرضين بشأن هذه النماذج الضخمة التي لم تخضع للاختبار بعد. لقد بدأ القلق بشأن مشكلات التقنية يتسرب إلى ممولي صانعيها".