رهان على شركة طيران مفلسة يوشك أن يجلب 100 مليون دولار

شركة مالية إيطالية ستحصل على 100 مليون دولار بعد حكم بتعويض حكومي لشركة طيران مفلسة

ياكوبو دي ستيفانو في مكتبه في بولونيا في إيطاليا
ياكوبو دي ستيفانو في مكتبه في بولونيا في إيطاليا المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

افتتح ياكوبو دي ستيفانو شركة استثمارية صغيرة في 2008 بهدف شراء قروض كانت شركات إيطالية قد حصلت عليها قبل إفلاسها.

بما أن عجلة العدالة تدور ببطء شديد في إيطاليا، ارتأى أن بإمكانه جني بعض الأموال من خلال منح الدائنين اليائسين قدراً يسيراً من القيمة الاسمية لقروض يئسوا من تحصيلها، على أمل أن يستفيد في حال تسديد تلك القروض يوماً ما.

كان دي ستيفانو يعمل وحيداً ويمضي ساعات طويلة يدرس القضايا بحثاً عن مقترضين يُمكن إجبارهم على الدفع.

سوق القروض المتعثرة.. فرص متفاوتة وآمال كبيرة لشركات الاستثمار

برزت إحدى الشركات بين تلك المؤسسات المفلسة التي انطفأ نجمها، هي "أيروليني أيتافيا" (Aerolinee Itavia)، وهي شركة طيران عملت بشكل متقطع بين نهاية الخمسينيات ومطلع الثمانينيات وشغلت رحلات داخلية قصيرة تنافساً مع "أليتاليا".

إلا أن رحلة "أيتافيا" رقم 870 من بولونيا إلى باليرمو عاصمة صقلية تحطمت في البحر التيراني على بعد نحو 80 كيلومتراً عن وجهتها في 27 يونيو 1980، وقضى جميع ركابها وعددهم 81.

شراء الديون والأسهم

قررت حكومة إيطاليا في ديسمبر من ذلك العام سحب رخصة "أيتافيا" على خلفية مخاوف بشأن السلامة، ما عنى في الواقع إغلاق الشركة. رفعت "أيتافيا" دعوى قضائية على الحكومة متذرعة بأنها ليست مسؤولة عن الحادث، ما يطرح احتمال أن تضطر الحكومة للتعويض للشركة ومقرضيها.

استمر النزاع القانوني على مدى عقود، وفي عام 2009 عثر دي ستيفانو على قائمة بأسماء مقرضي "أيتافيا"، وسرعان ما وجد فرصته فيما كان يمحّص في أكوام مستندات كانت أمامه.

كانت البنوك حينئذ ما تزال تترنح تحت وطأة الأزمة المالية التي عصفت بها في 2008، وكانت سعيدة بالتخلص من ديون "أيتافيا" ولو مقابل نسبة قليلة جداً لم تتجاوز 1.5% من قيمتها الاسمية. اعتقد دي ستيفانو أن هذه القروض قد تكون لها قيمة كبيرة نظراً لاحتمال أن تفوز شركة الطيران في القضية أمام المحكمة.

ماذا سيحدث إذا تعثرت إيطاليا في سداد ديونها؟

سرعان ما راح دي ستيفانو يشتري كلّ ما يقع عليه من قروض متراكمة على شركة الطيران المنسية من مقرضين متنوعين يتراوحون ما بين كبرى المصارف الإيطالية إلى شركة "فيات" لصناعة السيارات وشركة خطوط طيران هاواي، مشترياً ديوناً بلغت قيمتها الاسمية 18 مليون يورو (19.6 مليون دولار) على مدى نحو عقد.

بدأ بعدها بشراء أسهم "أيتافيا"، التي كانت عديمة القيمة في السابق، مستحوذاً على حوالي ثلاثة أرباع إجمالي الحصص.

صفقة العمر

تركز شركة دي ستيفانو "جي إنفست" (J-Invest) على ما يعرف بالأصول المتعثرة. فعندما تفلس الشركات، هي نادراً ما تختفي كلياً، بل تبقى حيّة في الدعاوى القضائية ولدى المقرضين والمساهمين، ولدى تعساء الحظّ الذين يضطرون للتدقيق في الأصول المتبقية بحثاً عن أي جوانب ذات قيمة.

يمكن لشراء الديون القديمة لهذه الشركات أو أسهمها التي تتُداول بأسعار رخيصة جداً أن يجلب أرباحاً طائلة إذا ما حكمت المحكمة لصالحك، وكان هناك ما يستحق إنقاذه. إلا أن هذه الاستثمارات قد تتبخر إذا ما اتضح أن الأسهم والديون هي فعلاً منعدمة القيمة مثلما كان الجميع يظنّ منذ البداية.

قال بيفيس ميتكالف، الشريك في شركة المحاماة "كادوالادير وويكيرشام وتافت" في لندن إن "الصبر" أمر أساسي، مضيفاً: "عادة ما تنطوي مثل هذه الصفقات على مخاطر على صلة بالتقاضي، لكنها قد تثمر عوائد جذابة".

كيف يمكن لإيطاليا التخلص من شبح شركة "أليطاليا"؟

وسّع دي ستيفانو أعماله على مرّ السنين وأصبحت شركته تضم نحو ثلاثين موظفاً اليوم، وهو يستثمر في ديون شركات الشحن وشركات صناعة الصلب ومدابغ الجلود وكثير غيرها.

كما بدأ بإعداد رزم ديون معدومة تعود لشركات مختلفة، جمعها ضمن أوراق مالية وباع أجزاء منها إلى المستثمرين. قال دي ستيفانو إن القيمة الاسمية لاستثماراته بلغت اليوم نحو 4 مليارات دولار، رغم أنه لم يدفع في الواقع إلا جزءاً صغيراً جداً من هذا المبلغ، كما لن تصل العوائد التي سيحصل عليها في نهاية المطاف إلى مبلغ بهذا الحجم.

إلا أن رهانه الأكبر كان على "أيتافيا"، إذ يمكن أن يصل إجمالي أرباحه من القروض والأسهم التي استحوذ عليها إلى 100 مليون يورو، حسب بيانات جمعتها بلومبرغ نيوز من مستندات المحكمة. قال دي ستيفانو: "بالنسبة لنا هذه صفقة العمر".

غموض تحطم الطائرة

ما يزال الغموض يلفّ حادثة تحطم الرحلة 870. في البداية، عزت الحكومة الحادث إلى رداءة أعمال الصيانة، لكن في 1986، بدأ المحققون ينتشلون أجزاء من بدن الطائرة من قاع البحر، وأعادوا تجميعها في مطار عسكري قرب روما. بعد خمس سنوات عثروا على صندوقها الأسود.

استنتج المحققون بعد دراسة الحطام أن الطائرة أصيبت على الأرجح بصاروخ ربما كان يستهدف طائرة أخرى تقل الزعيم السلطوي الليبي معمر القذافي، الذي يُعتقد أنه كان على مقربة من المكان، أو أنها تحطمت جراء تفجير إرهابي لقنبلة على متنها.

استناداً إلى هذه الخلاصات أصدر قاض في روما حكماً في 2003 يعتبر أن الحكومة أخفقت بحماية المجال الجوي الإيطالي فأجبرت "أيتافيا" على الإفلاس عن غير حق.

أسفر ذلك عن جولة بعد جولة من الاستئنافات التي شقت طريقها حتى بلغت المحكمة العليا في إيطاليا.

حكمت محكمة في روما في 2020 لصالح المساهمين ومقرضي "إيتافيا"، وأمرت وزارتَي الدفاع والنقل الإيطاليتين بدفع مبلغ 330 مليون يورو للمسؤولين عن الشركة (بخلاف تعويضات سبق دفعها لأسر ضحايا التحطم). دفع ذلك بدي ستيفانو إلى مضاعفة أسهمه وحصل على قرض من بنك إيطالي لشراء مزيد من الأسهم.

بدأ دفع الأموال أخيراً في نوفمبر، وانطلقت معه مطالبات بالأموال من المصارف والموردين ومجموعات الشركات مثل "جي-إنفست"، التي تملك الدين القديم. عندما تنطلق هذه العملية التي ستستغرق عدّة سنوات على الأرجح، سيتقاسم جي ستيفانو مع من بقي من مساهمين آخرين كلّ ما تبقى. قال دي ستيفانو إن دفعات القرض ستشكل ما يعادل عائداً سنوياً قدره 20% على دين "أيتافيا" الذي يملكه.

كما يُتوقع أن تكسب شركات أخرى يملك فيها حصص سيطرة ما يصل إلى ستّة أضعاف المبلغ الذي راهن به على أسهم شركة الطيران. قال: "(جي إنفست) كبرت مع صفقة أيتافيا... لقد كرسنا لها كثيراً من الوقت والجهد، لا أصدق أن النهاية نصب أعيننا".