عمالقة "وول ستريت" تترقب لاقتناص فرص التشفير عبر أطلال "إف تي إكس"

بنوك الاستثمار والشركات تركز على "بلوكتشين" وإصدار عملات مشفرة ضمن أصولها الرقمية

ماكينة صراف آلي لعملة "بتكوين" في إحدى محطات الوقود بواشنطن، أميركا
ماكينة صراف آلي لعملة "بتكوين" في إحدى محطات الوقود بواشنطن، أميركا المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يعود تاريخ تأسيس "بنك أوف نيويورك ميلون" (.Bank of New York Mellon Corp) إلى عام 1784 وإلى فترة ألكسندر هاملتون، لكن حتى هذه المؤسسة المرموقة يغريها بريق عالم التشفير بشكل لا يمكن مقاومته.

على الرغم من كل ما ارتُكب من أخطاء في هذه الصناعة، التي أدت إلى خسائر بتريليونات الدولارات، وحالات إفلاس مذهلة، واعتقال سام بانكمان فريد، فإن أكبر بنك حفظ في العالم وعمالقة أخرى بالقطاع المالي تأمل في التوسع في مجال العملات المشفرة، لا الانكماش.

تُعَدّ العملات المشفرة جزءاً محدوداً من عالم الأصول الرقمية المترامي الأطراف الذي تستهدفه هذه المؤسسات، والمراهنة على "شتاء التشفير" سيساعدها على اقتناص ما استعصى عليها خلال ربيع التشفير الذي يقبع في طي النسيان حالياً، وهي تشق طريقها نحو الاستفادة من الجوانب الرئيسية من هذا العالم اليوم وإلى الأبد.

تمضي هذه المؤسسات قُدُماً في مشاريع "بلوكتشين"، وهي بمثابة الدعامات الرقمية التي تسجل المعاملات، بل وتوسّع عروضها في مجال التشفير من خلال إصدار عملات مشفرة تمثل الأصول الحقيقية والسائدة، مثل السندات. الهدف الآخر من هذا الجهد هو حفظ العملات المشفرة، إذ تحمي الشركات أصول عملائها، على الرغم من أن التوجيهات الأخيرة من الجهات التنظيمية تجعل ذلك أكثر تكلفة.

بنوك كبرى في "وول ستريت" من بين دائني "إف تي إكس"

بداية من "بنك أوف نيويورك ميلون"، الذي أطلق منصة لحفظ العملات المشفرة قبل شهر واحد من تقديم بورصة "إف تي إكس" (FTX) التابعة لبانكمان فريد طلب الحماية من الإفلاس، إلى عملاق الصناديق المشتركة "فيديليتي إنفستمنتس" (Fidelity Investments) و"بلاك روك" (.BlackRock Inc) و"نومورا هولدينغز" (.Nomura Holdings Inc)، تمضي هذه المؤسسات العملاقة في "وول ستريت" في خططها للمستقبل نحو الأصول الرقمية.

قال روبن فينس، الرئيس التنفيذي في "بنك أوف نيويورك ميلون"، هذا الشهر في مكالمة لمناقشة الأرباح: "سيستمر هذا الجهد محل تركيز بالنسبة إلينا، وليس بالنسبة إلى العملات المشفرة بقدر كبير، لكن بالنسبة إلى الفرص الأوسع المتوفرة في مجال الأصول الرقمية وتكنولوجيا دفتر الأستاذ الموزع". أضاف: "إذا كان هناك أي شيء فإن الأحداث الأخيرة في سوق العملات المشفرة تسلط الضوء على الحاجة إلى مزودي خدمات خاضعين للأطر التنظيمية وموثوق بهم في مجال الأصول الرقمية".

قال متحدث باسم البنك إنه يؤمن بـ"الإمكانات التحويلية" لتكنولوجيا "بلوكتشين"، مع قدرتها على تحسين دقة حفظ السجلات، والتعامل مع أنواع معينة من الأصول مثل العقارات والقروض، فضلاً عن التسوية الأكثر كفاءة.

عقبات كبيرة

لكن هناك عقبات كبيرة، إذ إنه من شبه المؤكد أن الجهات التنظيمية، التي كانت تتبع موقفاً متساهلاً حيال العملات المشفرة حتى قبل انهيار "إف تي إكس"، ستصبح أكثر تشدّداً في ظل زيادة انكشاف الشركات التي تخضع لرقابتها. مع اقتراب حدوث ركود اقتصادي فإن البنوك الواقعة تحت ضغوط للسيطرة على التكاليف تخفض الوظائف، وتقلص طموحاتها. لن يساعد انخفاض أسعار العملات المشفرة وتقييمها على تنشيط طلب المستثمرين أيضاً، على الرغم من أن انتعاش أسعار العملات الرقمية هذا الشهر قد يشير إلى انتهاء الفوضى الأخيرة المتفاقمة. بعد مرور عام 2022 القاسي، فإن عملة "بتكوين" تستعد لأفضل شهر يناير منذ عام 2013.

بتكوين تعاود الانتعاش في أفضل يناير لها منذ 2013

هذا ما تخطط له مؤسسات "وول ستريت" بشأن التشفير:

"بلاك روك"

سوف تواصل فرق العمل في "بلاك روك" استكشاف سبل استخدام الأصول الرقمية في عروض أسواق رأس المال، وفقاً لشخص مطلع على الأمر. يركّز أكبر مدير للأصول في العالم على أربعة مجالات في هذا الصدد، وهي: العملات المستقرة، والأصول المرخصة (أو الخاصة)، و"بلوكتشين"، والعملات والأصول المشفرة.

في العام الماضي عقد "بلاك روك" شراكة مع شركة تداول الأصول الرقمية "كوين بيس غلوبال (.Coinbase Global Inc) التي من شأنها أن تسهّل على المؤسسات الاستثمارية إدارة "بتكوين" وتداولها. رفض ممثل لـ"بلاك روك" التعليق على خطط البنك.

غولدمان ساكس

كشف "غولدمان ساكس" عن منصته للأصول الرقمية في نوفمبر، أملاً في أن يستخدم العملاء التكنولوجيا لإصدار الأوراق المالية في شكل أصول رقمية في عدد من الفئات مثل العقارات.

ساعد البنك، إلى جانب "بانكو سانتاندر" (Banco Santander SA) و"سوسيتيه جنرال" (Societe Generale SA)، بنك الاستثمار الأوروبي في إصدار سندات رقمية العام الماضي باستخدام تكنولوجيا "بلوكتشين". استغرقت التسوية دقيقة واحدة، مقارنة بالأيام العديدة التي تستغرقها عادةً، وفقاً لماثيو ماكديرموت، الرئيس العالمي للأصول الرقمية في "غولدمان".

أضاف: "استخدام هذه التكنولوجيا يتيح لنا إنجاز التحوّل في مخاطر التداول. هذا ليس حلماً بعيد المنال، هناك قيمة حقيقية". يعمل لدى "غولدمان" أيضاً فريق يضم سبعة متداولين يتعاملون مع مشتقات العملات المشفرة التي تجري تسويتها نقداً للعملاء. يتيح فريق العملات المشفرة، الذي أعيد إطلاقه خلال صعود العملة الافتراضية في عام 2021، للعملاء مثل صناديق الاستثمار وشركات التداول شراء وبيع العقود الآجلة للعملات المشفرة والعقود الآجلة غير القابلة للتسليم وخيارات التسوية النقدية، بالإضافة إلى القدرة على البيع أو الشراء لبعض المنتجات المتداولة في البورصة على امتداد الأعمال الرئيسية.

قطاع التشفير يستحق الإصلاح.. وعلى الجهات التنظيمية التحرك

"جيه بي مورغان"

لطالما انتقد جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لـ"جيه بي مورغان تشيس" (.JPMorgan Chase & Co)، العملات المشفرة، فقد وصفها مؤخراً بالصخور الأليفة، وقال إن "بتكوين" كانت "احتيالاً مبالغاً فيه".

لكن البنك كان نشطاً، إذ أمضى عدة سنوات في تطوير أنظمة قائمة على تكنولوجيا "بلوكتشين" لإدارة المعاملات المالية التقليدية، كما أنه يدير عدداً من المشاريع من "أونيكس" (Onyx)، وهي وحدة "بلوكتشين" تابعة له، بما في ذلك شبكة الدفع الموزعة القائمة على دفتر الأستاذ المعتمدة لدى البنوك، المسماة بـ"لينك" (Liink). بالإضافة إلى ذلك، لدى البنك عملة مشفرة تسمى "جيه بي إم كوين" (JPM Coin)، لأغراض المدفوعات، ومنصة لترميز الأصول التقليدية.

"فيديليتي إنفستمنتس"

تخطط "فيديليتي إنفستمنتس" (Fidelity Investments) للتوسع في حفظ فئات الأصول بما يتجاوز قيمة عملتَي "بتكوين" و"إيثر"، على الرغم من أن مثل هذه الخطط ليست وشيكة. تستكشف الشركة العروض الخاصة بالمساهمة في الأصول المالية، وهي عملية تتيح لحاملي العملات المشفرة حفظ عملاتهم وكسب عائدات في مقابل ذلك، والإقراض، وذلك حسب كريس تايرر، رئيس الأصول الرقمية للمؤسسات في "فيديليتي". واصلت الشركة حملتها للعملات المشفرة، إذ وظفت 100 شخص إضافي وتستهدف توظيف 500 شخص في الوحدة التابعة لها بنهاية الربع الأول.

"سي بي أو إي"

تضيف شركة "سي بي أو إي غلوبال ماركتس" (.Cboe Global Markets Inc) جهات مشاركة إلى منصة تداول الأصول الرقمية الجديدة الفورية والعقود الآجلة. ففي نوفمبر الماضي أعلنت أن 13 شركة قد استثمرت في المنصة، بما في ذلك شركتا التداول "جين ستريت" (Jane Street)، و"ساسبويهانا إنترناشيونال غروب" (Susquehanna International Group)، وشركة "روبنهود ماركتس" (.Robinhood Markets Inc) للوساطة عبر الإنترنت.

قال ديفيد هوسون، رئيس "سي بي أو إي غلوبال ماركتس" (Cboe Global Markets): "الأحداث الأخيرة سلطت الضوء على سبب استفادة المستثمرين من سوق آمنة وموثوقة وشفافة"، مشيراً إلى بعض ممارسات حماية المستثمرين التي تُعتبر قياسية في الأسواق التي تتبع قواعد تنظيمية.

مكاسب التمويل اللامركزي لسوق العملات المشفرة تُعمي محترفي التمويل عن المخاطر

مجموعة "سي إم إي"

بعد أن بدأت مجموعة التبادل العالمية، ومقرها شيكاغو، تقديم مشتقات العملات المشفرة منذ أكثر من خمس سنوات، تخطط للعمل على منتجات جديدة تتعلق بالمعدلات المرجعية هذا العام، حسبما ذكر تيم ماكورت، الرئيس العالمي للأسهم ومنتجات العملات الأجنبية في "سي إم إي".

قال: "شهدنا مزيداً من الاهتمام بعروض (سي إم إي)، بالنظر إلى مكانتنا باعتبارنا كياناً خاضعاً للتنظيم. أصبح الأمر أكثر أهمية لانضمام مزيد من المشاركين إلى السوق، بالنظر إلى الأحداث الأخيرة".

حتى في الأيام السابقة على انهيار "إف تي إكس"، شهدت "سي إم إي" يوماً قياسياً من التداول في منتجاتها المشفرة، إذ جرى تداول 207205 عقود في 8 نوفمبر.

مجموعة "تي بي آي سي إيه بي"

تخطط "تي بي آي سي إيه بي غروب" (.TP ICAP Group Plc) لإطلاق منصة تداول العملات المشفرة هذا العام، بعد حصول شركة وساطة التداول على موافقة الجهات التنظيمية. وتتعاون وحدة أعمال الأصول الرقمية للشركة أيضاً مع الوحدات الأخرى التابعة لها للتعرف على سُبل دمج التشفير، مع التركيز على جانب الشراء.

قال دنكان ترينهولمي، الرئيس المشارك للأصول الرقمية في الشركة التي تتخذ من لندن مقراً لها: "هذه فرصة للشركات المالية التقليدية لدخول سوق الأصول المشفرة وتقديم الخدمات لعملائها، إذ تتمتع بقواعد الحوكمة المناسبة وفصل الأدوار والضوابط". أضاف بأن هذا "أمر توقعه عملاؤهم عبر فئات الأصول التقليدية، وسيتوقعونه الآن في العملات المشفرة".

العملات المشفرة تتعرّض لأزمات أمنية جديدة باستهداف بروتوكول للتمويل اللامركزي

"سوسيتيه جنرال"

قال ديدييه لاليماند، العضو المنتدب في ذراع المشروعات التابعة لـ"سوسيتيه جنرال"، إنّ البنك الفرنسي يمضي قُدماً في جهوده بمجال الرموز المشفرة الآمنة، وهي النسخ الرقمية لفئات الأصول الخاضعة للتنظيم الحالية.

أضاف لاليماند: "سنشهد تحولاً تقليدياً من إصدار السندات والأوراق المالية على الأصول المشفرة". وأوضح أن الجزء الأصعب من إطلاق مشاريع "بلوكتشين" هو إرساء الإطار القانوني والتنظيمي الصحيح، الذي يتمثل في الحصول على موافقة من المنظمين من أجل إمكانية إصدار العملات المشفرة.

"ستاندرد تشارترد" و"نومورا"

أطلق "ستاندرد تشارترد" شركة "زوديا ماركتس" (Zodia Markets) في عام 2021، المتخصصة في وساطة وتداول الأصول الرقمية، وتستهدف المؤسسات الاستثمارية. بعد انهيار "إف تي إكس"، ضاعفت "زوديا" أعداد عملائها، وفقاً لما ذكره الرئيس التنفيذي عثمان أحمد.

قال أحمد إن "زوديا" تمضي قُدماً في خططها لتحقيق النمو، ولم تقُم بأي تغييرات على معايير المخاطر "الصارمة للغاية بالفعل" منذ انهيار "إف تي إكس". أضاف: "شهدنا زخماً مستمراً واهتماماً بالعملاء حتى عام 2023".

من جانبه، قال جيز محيي الدين، الرئيس التنفيذي لـ"ليزر ديجيتال" (Laser Digital)، وحدة التشفير التابعة لـ"نومورا": "بالنسبة إلى (نومورا)، التي أطلقت ذراعها للعملات المشفرة وسط هزيمة نكراء حلّت بالسوق في سبتمبر الماضي، فهذه هي اللحظة المناسبة للتعمق بالسوق".

أضاف محيي الدين: "هذا أفضل وقت لبناء الأعمال، لأنك تدرك نقاط الضعف في السوق".

"ستيت ستريت"

تواصل "ستيت ستريت" (.State Street Corp) مبادراتها لتقديم حاضنة للعملات المشفرة. خلال مقابلة أجريت معه في منتدى دافوس الاقتصادي العالمي هذا الشهر، وضع رونالد أوهانلي، الرئيس التنفيذي للشركة، وصفاً يميّز بين العملات المشفرة والأصول الرقمية الأخرى مثل العملات الرقمية للبنوك المركزية، أو "سي بي دي سي".

قال: "لا يزال ينتظر العملات المشفرة مستقبل مشرق. هناك كثير من البنوك المركزية التي تدرس العملات الرقمية، وأعتقد أن هذا يمضي بخُطى متسارعة".