مرونة الاقتصاد الأميركي وزيادة الطلب في الصين تعززان النظرة المستقبلية رغم استمرار المخاطر
يتوقع صندوق النقد الدولي حدوث "نقطة تحول" في مسار الاقتصاد العالمي، حيث رفع نظرته المستقبلية للنمو للمرة الأولى خلال عام، نظراً لمرونة الإنفاق في الولايات المتحدة، وتعزيز الطلب من الصين بعد إعادة فتح الاقتصاد، رغم مواجهة سيل من المخاطر.
تعقيباً على تحديث فصلي لتقرير "آفاق الاقتصاد العالمي"، كشف الصندوق في سنغافورة، أمس الثلاثاء، عن ترجيحاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.9% في 2023، بزيادة 0.2% عن التوقعات التي أصدرها خلال أكتوبر الماضي. ورغم أن ذلك يمثل تباطؤاً مقارنةً بالنمو البالغ 3.4% الذي حققه العالم في 2022، إلا أن الصندوق توقع وصول النمو إلى أدنى معدلاته هذا العام، قبل تسارعه مجدداً ليصل إلى 3.1% في 2024.
قالت المؤسسة الدولية، التي يقع مقرها في واشنطن، إن رفع البنوك المركزية أسعار الفائدة، والغزو الروسي لأوكرانيا، يستمران في الضغط على النشاط الاقتصادي هذا العام، وسط استمرار أزمة التضخم.
تنطوي أحدث رسالة من صندوق النقد الدولي على تحوّل في نبرة التوقعات، حيث أمضى كبار المديرين في الصندوق أغلب العام الماضي وهم يحذّرون من مخاطر ركود اقتصادي واسع النطاق، رغم أن الزيادات الضئيلة في توقعات النمو لا تسمح بتفاؤل كبير.
كتبت غيتا غوبيناث، النائب الأول للمدير العام لصندوق النقد الدولي، في تغريدة على "تويتر": "لا يزال النمو العالمي ضعيفاً، لكنه قد يكون على مشارف نقطة تحوّل. رفعنا توقعاتنا للنمو في 2022 و2023 قليلاً. سيتباطأ النمو العالمي من 3.4% في 2022 إلى 2.9% في 2023، ثم يتعافى ليصل إلى 3.1% في 2024".
Global growth remains weak, but it may be at a turning point. We have slightly increased our 2022 and 2023 growth forecasts. Global growth will slow from 3.4% in 2022 to 2.9% in 2023 then rebound to 3.1% in 2024. https://t.co/TxZ9Co4S0j pic.twitter.com/elHTkvgUAA
— Gita Gopinath (@GitaGopinath) January 31, 2023
يتوقع الصندوق تباطؤ زيادات أسعار المستهلكين على المستوى العالمي إلى 6.6% العام الجاري، بزيادة 0.1% عن توقعاته في أكتوبر الماضي، بعدما سجلت 8.8% في 2022. كما توقع مزيداً من التباطؤ وصولاً إلى 4.3% في 2024. من المتوقع تراجع معدلات التضخم في 84% من الدول تقريباً خلال 2023، مقارنةً بالعام السابق.
قال بيير أوليفييه غورينشاس، كبير الاقتصاديين في الصندوق: "لم تزدد النظرة المستقبلية سوءاً هذه المرة، وتلك أخبار جيدة في حد ذاتها. لكن ذلك لا يكفي. لا تزال هناك بعض التحديات لنواصل طريقنا نحو تعافٍ مستدام واسع النطاق وطويل الأمد". وخفّض الصندوق توقعاته لعام 2023 ثلاث مرات العام الماضي.
كبير الاقتصاديين في صندوق النقد يقول إن معركة التضخم لم تنته بعد
أضاف غورينشاس، في إفادة صحفية، أن المعركة ضد التضخم لم تُحسم بعد، حيث ستضطر السياسة النقدية إلى الحفاظ على نهجها المتشدّد، كما ستحتاج بعض الدول إلى مزيد من التشديد النقدي قبل تباطؤ المقاييس واسعة النطاق الخاصة بزيادات تكاليف المعيشة.
تشمل المخاطر الهبوطية عرقلة تعافي الصين، وتصعيد الحرب في أوكرانيا، ودخول مزيد من الاقتصادات الناشئة والنامية مرحلة التعثر في سداد الديون.
قد يطول أمد التضخم بصورة أكبر أيضاً، وربما تتعرض الأسواق المالية لتقلبات، وقد تتسبب التوترات الدولية -المدفوعة بالعدوان الروسي- في تفتت النظام العالمي، ما يعيق التعاون بين الدول.
مديرة صندوق النقد لـ"الشرق": هذا ما قد يغير مسار الاقتصاد العالمي هذا العام
لكن هناك توازناً أكبر بين المخاطر مما كان عليه الوضع في أكتوبر الماضي، وفقاً لغورينشاس. وأحد المخاطر الصعودية في هذا الصدد، هو الاستهلاك الأكثر قوة، خصوصاً في الخدمات، والذي يدعمه الطلب المكبوت نتيجة ضيق أسواق العمل والدعم المالي الذي قدمته الحكومات خلال الجائحة.
على النقيض من ذلك، قد يتراجع التضخم أسرع من المتوقع وسط تحوّل بوصلة الإنفاق نحو الخدمات، ما يسمح للبنوك المركزية بتخفيف حدة التشديد النقدي.
قال غورينشاس في مقابلة، أمس، مع ريشاد سلامات من تلفزيون بلومبرغ: "مازلنا بعيدين عن إعلان انتصارنا على التضخم. لكننا حصلنا على بعض المؤشرات الجيدة، وهذا أمر مشجع، ويعني أننا نسير في الاتجاه الصحيح".
أضاف غورينشاس: "نحن بعيدون للغاية عن أي مؤشر على الركود العالمي"، رغم أن المخاطر التي تتبلور في الأفق قد تُغيِّر ذلك.
عزّز صندوق النقد توقعاته لاقتصادات الأسواق الناشئة ونظيرتها النامية، قائلاً إنها ستنمو 4%، ما يشكل زيادة 0.3% عن توقعات أكتوبر، ويقارن ذلك بنمو 3.9% لعام 2022. كما رفع توقعات نمو الصين 0.8% لتصل إلى 5.2%. واستطرد أن الصين والهند ستمثلان نحو نصف النمو العالمي في 2023.
تتناقض نبرة صندوق النقد الأكثر تفاؤلاً إلى حد ما، مع منظور أكثر تشاؤماً لدى البنك الدولي، وهو المؤسسة الشقيقة له في نظام "بريتون وودز" (Bretton Woods). في 10 يناير، خفّض البنك المعني بتقديم قروض لأغراض التنمية، توقعات النمو لأغلب الدول والمناطق، كما حذّر من أنَّ حدوث صدمات معاكسة جديدة قد يؤدي إلى ركود الاقتصاد العالمي.
البنك الدولي يحذر من مخاطر الركود العالمي في 2023
تابع غورينشاس القول إن التناقض بين توقعات المؤسستين يمكن تفسيره جزئياً في ضوء استخدام صندوق النقد الدولي لأوزان تَعادُل القوة الشرائية، التي تولي اهتماماً أكبر لاقتصادات الأسواق الناشئة، فيما يعتمد البنك الدولي على أسعار الصرف التي تستند إلى تحركات السوق.
واختتم أنَّ البنك الدولي أكثر تشاؤماً أيضاً من صندوق النقد الدولي بشأن النمو في الاقتصادات المتقدمة والأوروبية.