على الهند ألا تخاطر بسمعتها في أزمة "أداني"

سُمعة نيودلهي تكمن في شفافية أسواقها وجودة الجهات المنظمة للسوق ولا يمكن خسارتها بسهولة

شعار مجموعة "أداني" في مومباي، الهند.
شعار مجموعة "أداني" في مومباي، الهند. المصدر: بلومبرغ
Mihir Sharma
Mihir Sharma

Mihir Swarup Sharma is a Bloomberg Opinion columnist. He is a senior fellow at the Observer Research Foundation in New Delhi and head of its Economy and Growth Programme. He is the author of "Restart: The Last Chance for the Indian Economy," and co-editor of "What the Economy Needs Now."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

محاولة مجموعة "أداني" للتستُّر بعلَم الهند ثلاثي الألوان، ورؤية ما إذا كان سيدفع عنها النقد، يبدو أنها قد تنجح، لكن إذا أصبحت الحكومة الهندية أحد المشاركين في جهود الشركة، فإنها ستُلحِق بنفسها، وبجميع الهنود ضرراً جسيماً.

في ردها على مزاعم شركة "هيندنبرغ ريسيرش" (Hindenburg Research) بشأن التلاعب في الأسهم، أوضحت الإمبراطورية التابعة لقطب الأعمال غوتام أداني استراتيجيتها:

اتهامات "هيندنبرغ" هي "هجوم مدروس على الهند، واستقلال، ونزاهة، وجودة المؤسسات الهندية، وقصة نمو، وطموح الهند".

مصداقية الادعاء

هذا بالطبع ليس صحيحاً. "هيندنبرغ ريسيرش"، ليست جزءاً من مؤامرة كبرى لتشويه سمعة "أداني" أو الاقتصاد الهندي أو رئيس الوزراء ناريندرا مودي. الشركة عبارة عن وجهة صغيرة، ومحترمة للبائعين على المكشوف، تتخذ من نيويورك مقراً لها، وتعتقد أن بإمكانها ملاحظة الإشارات التي تدل على الشركات المبالغ في تقييمها وأصبحت ناضجة لبيع أسهمها بكثافة. لذا، فإن إمكانية الربح وحدها تُعتبر دافعاً كافياً لها، ولا ضرورة هنا للاستعانة بنظريات حول شبكة عابرة للحدود الوطنية من المصرفيين، والصحافيين المناهضين للهند.

شركات أداني فقدت نصف قيمتها السوقية منذ نشر تقرير "هيندنبرغ"

مع ذلك، هناك ذرة من الحقيقة في ادعاء "أداني"، ينبغي أن تثير قلق صانعي السياسة في الهند. تقرير "هيندنبرغ"، الذي يعرض وصفاً لشبكة من الشركات الوهمية الخارجية المنخرطة في معاملات محتملة مرتبطة بأطراف أخرى، يشير إلى تحقيقات تجريها الجهة التنظيمية الهندية المعنية، وهي "مجلس الأوراق المالية والبورصات في الهند" (SEBI).

تطرح شركة البيع على المكشوف ادعاءً قوياً، وربما مبالغاً فيه، حول النتيجة المحتملة لتحقيق تنظيمي، مفاده أن: "الشركات الوهمية في الخارج، والصناديق المرتبطة بمجموعة (أداني) تضم العديد من كبار حاملي أسهم المجموعة من (الجمهور العام- أي غير المروجين)"، وهي مشكلة من شأنها أن تعرض الشركات التابعة لـ"أداني" للشطب من البورصة حال تطبيق قواعد (مجلس الأوراق المالية والبورصات في الهند)".

يمضي التقرير في الادعاء بأن الشركات لا تزال قيد التحقيق "بعد مرور أكثر من عام ونصف من إثارة المخاوف بشأنها في البداية من قبل وسائل الإعلام، وأعضاء البرلمان".

شفافية المؤسسات المالية الهندية

رغم أنه قد لا يُفهم من هذا الادعاء أنه "هجوم" على "نزاهة وجودة" المؤسسات الهندية، لكنه يقترب من ذلك. من المؤكد أنه يثير بعض التساؤلات حول النظام الرقابي، سيكون من مصلحة صناع القرار في الهند أن يردوا عليها بسرعة، وبشكل شامل.

إحدى الطرق التي نجحت الهند في تمييز نفسها بها عن الأسواق الناشئة الأخرى -وحتى عن الصين- هي شفافية أسواقها، وجودة جهة تنظيم الأسواق لديها، والحماية القانونية للمستثمرين الأقلية. قد يكون من الصعب التعامل مع المحاكم الهندية، وكذلك إدارة المخاطر السياسية في نيودلهي والولايات، لكن أسواق الأسهم الهندية تُعتبر من الطراز العالمي.

تفشي عدوى "أداني" مع اقتراب مؤشر الأسهم الهندية من حركة تصحيحية

إنها مؤسسات تعمل بطريقة سلسة ومباشرة، إذ يسهل على المبتدئين أو الأجانب الثقة بها، والتعامل معها. ورغم أننا عانينا من فضائح التلاعب بالأسهم ومثل أي مكان آخر قُبض على الجناة، ووُضعت إصلاحات تهدف لمنع تكرارها.

هذه السمعة ليست شيئاً يمكن أو يجب المخاطرة به، ولو حتى بشكل طفيف. لا ينبغي اعتبار مجموعة "أداني" مذنبة على أساس تقرير واحد من مجموعة بحثية واحدة، لكن هذا التقرير جعل العالم ينظر عن كثب ليس فقط إلى "أداني"، بل أيضاً نحو البيئة التي تعمل فيها "أداني".

مهما كانت النتيجة التي توصلوا إليها بشأن الأمر الأول، فمن الأهمية بمكان أن يكون حكمهم على الثاني إيجابياً. وإلا ستعاني الشركات الهندية التي تنوي جمع الأموال من تدفقات رأس المال إلى أسواق الأسهم. وسيتضرر أيضاً المستثمرون الهنود الذين يتوقعون أن تزيد هذه التدفقات من عائداتهم.

خسائر إمبراطورية غوتام أداني السوقية تتجاوز 108 مليارات دولار

ليس المنظمون الهنود فقط هم من يحتاجون إلى ضمان معالجة هذه الشكوك بشكل مباشر. بل الأمر بمثابة اختبار حاسم لاقتصاد السوق في الهند.

سمعة الهند التنظيمية

لا يزال صانعو السياسة في نيودلهي يتمتعون بتأثير غير عادي على الجوانب الأساسية للاقتصاد الهندي، وإن كان ذلك بطرق ليست واضحة على الفور للغرباء. تهيمن البنوك التي تديرها الدولة على إقراض الشركات. تُعتبر "مؤسسة الهند للتأمين على الحياة" -وهي شركة تأمين تابعة للقطاع العام- المستثمر المحلي الأكثر نفوذاً في الأسهم. لكن، إذا بدا أنها، وغيرها من المؤسسات التي تديرها الدولة قد جاءت لإنقاذ "أداني" الآن، دون مبرر موثوق، فمن سيؤمن في المستقبل بأنه ليس لدى حكومة الهند نفوذ على موازين سوق الأسهم؟

سيتعين على صانعي السياسة اتخاذ بعض الخيارات الصعبة. وربما سينتابهم الشعور بأنهم على الأرجح سيفشلون، وأنه لم يعد لدى العالم نفس الثقة. ضع في اعتبارك هذا: لقد سمعنا للتو أن "الشركة العالمية القابضة" من أبوظبي ستستثمر 400 مليون دولار في "أداني إنتربرايزس"، وحدة التداول المدرجة بالبورصة التابعة للمجموعة. من ناحية، هذا منطقي تماماً بالنسبة لـ"العالمية القابضة"، ويتناسب مع الاستثمارات الأخرى المماثلة التي قام بها في الماضي الصندوق المُدار من قبل أفراد الأسرة الحاكمة بالإمارات.

من ناحية أخرى، يعلم الجميع أيضاً أن الإمارات هي الشريك الاستراتيجي الأقرب للهند. لذا، من المُستبعد أن تهدئ هذه الأخبار، واقع أن نيودلهي تستنجد بأصدقائها، وشركائها، وأتباعها لمساعدة "أداني" في وقت الحاجة.

المعارضة الهندية تدعو البرلمان لمناقشة انهيار أسهم "أداني"

إن سمعة الهند التنظيمية على المحك. وهي الشيء الوحيد الذي ميزنا لمدة ثلاثة عقود، منذ أن تم إنشاء "مجلس الأوراق المالية والبورصات في الهند" في البداية، استجابةً لأول فضيحة كبرى لدينا بشأن التلاعب في السوق. إنها شيء يجب أن نفخر به نحن الهنود، ويجب أن نكافح من أجل الدفاع عنه- بغض النظر عن السعي الحثيث من قبل شركة ما لتلويح علم البلاد في وجوهنا.