تصعيد "بايدن" في أوكرانيا يتمحور حول الدبلوماسية لا النصر

شحنات الأسلحة الغربية المتطورة تهدف لتجنب حالة جمود طويلة وجلب بوتين إلى طاولة المفاوضات

دبابة ترفع علم أوكرانيا
دبابة ترفع علم أوكرانيا المصدر: بلومبرغ
Hal Brands
Hal Brands

Prof JHU-SAIS, scholar AEI, Bloomberg Opinion columnist. https://bloomberg.com/opinion Co-author of The Lessons of Tragedy.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تبلغ الحرب في أوكرانيا مرحلة جديدة، بينما تمر استراتيجية الولايات المتحدة بتحول مهم. تنحسر الهواجس بشأن التصعيد النووي الروسي، وتتزايد المخاوف بشأن حرب طويلة تتسم بالاستنزاف المستمر. لذا تعمل إدارة الرئيس جو بايدن على تكثيف الدعم لأوكرانيا الآن أملاً في التوصل إلى حل دبلوماسي بنهاية المطاف؛ إنها استراتيجية "التصعيد لخفض التصعيد" التي قد يثبت أن تطبيقها صعب للغاية.

بعد مرور ما يقرب من عام على الحرب، أصبح عدم اليقين بشأن مسارها أكبر من أي وقت مضى. خلال الأشهر الستة الأولى، كانت المبادرة بحوزة روسيا عندما كانت الأسئلة الرئيسية هي متى، وأين، وما هي درجة نجاح هجومها. على مدى الأشهر الخمسة التالية، أخذت أوكرانيا زمام المبادرة، وحاول المحللون تخمين مواقع، وفرص هجماتها المضادة.

كيف يدفع بوتين اليابان للتخلي عن رفضها للحرب؟

الآن، بات من الصعب معرفة ما سيأتي بعد ذلك، ومن يمتلك الأفضلية. قد يكون كلا الجانبين يستعد لهجمات جديدة. يتعامل أيضاً كلاهما مع مزيج من الخسائر في ساحة المعركة، والقدرات الجديدة التي تجعل من الصعب معرفة نقاط قوتهما النسبية.

عامل الوقت

يعتقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الأرجح أن الوقت هو أفضل حليف له. في حال كان بإمكانه الاستمرار في ضرب البنية التحتية لأوكرانيا، فيما يحتفظ على الأقل بما لديه في ساحة المعركة، فربما يمكنه خلق معركة طويلة الأمد يكون فيها التفوق العددي لقوات روسيا عاملاً حاسماً.

تصعيد بوتين في أوكرانيا يعجّل انهيار تركيبة روسيا السكانية

تعتبر أوكرانيا الوقت عدواً لها، لذا يجب أن تستغل ضعف القوات الروسية وسوء تجهيزها الآن، قبل وصول القوات الروسية الإضافية التي تمت تعبئتها حديثاً إلى ساحة المعركة، وقبل أن يصل الإنتاج الدفاعي الروسي إلى ذروته، وقبل أن يتبدد دعم الجهات الغربية المساندة لكييف.

إدارة "بايدن" متفائلة بحذر بشأن فرص أوكرانيا. ربما أن أسهل المكاسب على حساب الجيش الروسي المنهك قد تحققت بالفعل. يدافع "بوتين" عن جبهة أقصر بعدد أكبر من القوات، ما يجعل دحر روسيا من كل شبر من الأراضي الأوكرانية أمراً صعباً، حتى لو كان جيش كييف الملتزم، والخلّاق قادراً على الذهاب إلى أبعد مما حققه حتى الآن.

لذا تعمل الإدارة الأميركية على تحديث استراتيجيتها بثلاث طرق:

الأهداف الأميركية

أولاً: يُفضَّل تحديد الأهداف الأميركية من الحرب. في ديسمبر، أعلن وزير الخارجية، أنتوني بلينكن أن الولايات المتحدة ملتزمة بمساعدة أوكرانيا لتحرير الأراضي التي خسرتها منذ فبراير 2022، لكن ليس بالضرورة كل شبر من الأراضي التي سلبها بوتين منذ عام 2014. هدف واشنطن هو أن تكون أوكرانيا، مستقلة سياسياً، ومجدية اقتصاديا، ويمكن الدفاع عنها عسكرياً؛ هذا لا يشمل بالضرورة استعادة المناطق الصعبة مثل شرق دونباس أو شبه جزيرة القرم.

زيادة الدعم العسكري

ثانياً: ترسل الولايات المتحدة، وحلفاؤها إلى أوكرانيا أسلحة أكثر تطوراً، مثل ناقلات جند مدرعة، وصواريخ "باتريوت"، ودبابات يمكنها اختراق الدفاعات الروسية متعددة الطبقات.

تتجه واشنطن أيضاً نحو توفير ذخائر طويلة المدى يمكن أن تسحق مواقع خلف الخطوط الروسية، فالقنبلة ذات القُطر الصغير التي تُطلق من الأرض - المرجح أن تكون جزءاً من حزمة المساعدة القادمة - لديها ما يقرب من ضعف مدى منصة إطلاق الصواريخ "هيمارس" التي استخدمتها القوات الأوكرانية لإحداث خسائر فادحة.

حرب بوتين تعيد اقتصاد روسيا أربعة أعوام إلى الوراء

قد يشمل النقاش التالي طائرات متطورة. مؤخراً، قال "بايدن" إن الولايات المتحدة لن تزود أوكرانيا بمقاتلات "إف 16"، لكن هذا أيضاً ما قاله عن تزويدها بالدبابات الأميركية، حتى اللحظة التي غيّر فيها رأيه.

التصعيد للتفاوض

ثالثاً: قد لا يتصور "بايدن" تحرير أوكرانيا لشبه جزيرة القرم بالقوة، لكن يُقال إنه أصبح أكثر دعماً للضربات ضد الأهداف الروسية هناك. هل يمكن لضرب القرم – التي تحتل مركزاً محورياً في رواية "بوتين" حول إحياء روسيا خلال عهده - أن يؤدي إلى تصعيد؟ ربما. لكن "بوتين" تحايل بشأن التصعيد مرات عديدة لدرجة أن تهديداته تفقد مصداقيتها، وتحديداً لأن شبه جزيرة القرم مهمة جداً بالنسبة إليه، فإن تهديده بفقدانها قد يكون أفضل طريقة لإجباره على التفاوض بجدية.

بوتين يشيد بدور الوساطة الإماراتية في البحث عن نهاية للحرب

على الرغم من أن هذه التحولات المختلفة في السياسة تبدو وكأنها تأخذ اتجاهات متعاكسة، إلا أن هناك منطقاً مُوحداً. لا تريد الولايات المتحدة أن تستمر الحرب إلى الأبد، لأنها تحوّل أجزاء كبيرة من أوكرانيا إلى أرض قاحلة، بينما ترهق خزائن، وترسانات، وتركيز الغرب.

لذلك يهدف "بايدن" إلى مساعدة أوكرانيا على زيادة الضغط على القوات الروسية، وربما تغيير الخطوط الأمامية أكثر لصالحها، كطريق للمفاوضات بعد انتهاء المرحلة التالية من القتال.

نقطة التوازن المثالية

لا يوجد أي شيء بسيط في هذه الاستراتيجية، كما اتضح خلال المشاجرات الأخيرة عبر المحيط الأطلسي حول من سيعطي أوكرانيا أي نوع من الدبابات. تمكنت الولايات المتحدة من إدارة هذه المشكلة ببراعة في النهاية، حيث تعهدت بإرسال (31) دبابة "أبرامز" المتقدمة بعد أشهر من الآن كوسيلة لتحرير تسليم ربما مئات الدبابات الأوروبية في الأسابيع المقبلة، لكن هذا ليس التحدي الوحيد.

يراهن "بايدن" على أن هناك نقطة توازن مثالية يترنح فيها الروس بشدة كافية تجعلهم يتفاوضون، ولكن لا تدفعهم للتصعيد، ويوافق فيها الأوكرانيون - بعد أن فازوا بوضع أقوى - على التوقف عن تحقيق ما يرغبون فيه، ويستحقونه.

هذا ممكن، على الرغم من أنه ليس مؤكداً. سيتطلب من كلا الجانبين استنتاج أن استمرار الحرب سيضر بهما في الغالب، وتحديد صيغة دبلوماسية بارعة لسد الفجوة بين مواقف كل منهما بشأن قضايا مثل شبه جزيرة القرم، أو ببساطة التعتيم عليها.

إن استراتيجية "بايدن" المحدثة بمثابة جهد ذكي للتعامل مع ساحة معركة متغيرة، ومعرفة كيف يمكن للتقدم العسكري أن يُسهّل إتمام تسوية قابلة للاستمرار، لكن هذا لا يعني بالضرورة أنها ستنجح.