الوقود الروسي سيتسرب إلى الاتحاد الأوروبي رغم الحظر

ناقلة نفط راسية في رصيف بميناء كوزمينو بالشرق الأقصى الروسي.
ناقلة نفط راسية في رصيف بميناء كوزمينو بالشرق الأقصى الروسي. المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

على مدى عقود، كانت تدفقات ناقلات الوقود تتنقل ذهاباً وإياباً بين مجموعة صغيرة من الموانئ في شمال غرب أوروبا وبحر البلطيق. عادةً ما يجلب كل منها نحو 40 مليون لتر من الديزل للمساعدة في استمرار الاقتصاد الأوروبي. لكن اعتباراً من يوم غد، سيتم حظر تلك الناقلات، إلى جانب أي شحنات أخرى للوقود الروسي إلى الاتحاد الأوروبي.

رغم أن ذلك الحظر سيسبب البداية بعض القلق، لكن تم تصميم القواعد الجديدة للحظر بحيث يمكن اختراقها لتخفيف الألم لكلا الجانبين. يُحتمل جداً أن يكون أكبر الفائزين هم التجار وشركات الشحن حيث يبدو أن الوقود سيستمر في التدفق، فقط عبر طرق ملتوية أكثر تعقيداً.

توازن السوق

سيجد النظام توازنه عاجلاً أو آجلاً، "مقابل تكلفة على الجميع بالطبع.. لا أعتقد بحدوث أي أزمة كبيرة"، بحسب قول داريو سكافاردي، الذي كان يدير حتى العام الماضي واحدة من أكبر مصافي النفط في أوروبا كرئيس تنفيذي لشركة ساراس سبا الإيطالية.

ارتفعت أسعار الديزل في أوروبا عندما غزت روسيا أوكرانيا منذ ما يقرب من عام. لكنها انخفضت إلى حد ما منذ ذلك الحين، وتشير التحركات الأخيرة إلى تراجع القلق بشأن تأثير الحظر.

كما يقوم الاتحاد، بالاتفاق مع مجموعة الدول السبع، بإدخال سقف 100 دولار للبرميل على الديزل الروسي.

وهذا يعني أن أي دولة ثالثة تسعى للوصول إلى الخدمات الرئيسية لشحنات الدولة لن تكون قادرة على القيام بذلك إلا إذا دفعت أقل من الحد الأقصى. على سبيل المثال، تُعتبر أوروبا والمملكة المتحدة من أكبر مقدمي خدمات التأمين على الشحن وإعادة التأمين التي كان من الممكن أن يتم حظرها لولا ذلك السقف.

ولكن بدلاً من إعاقة الصادرات، تم تصميم السقف المرتفع نسبياً للسماح بوصول التدفقات. كما أن تغيير مسار التدفقات التجارية من نوع الديزل عبر الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي سيخفف من تأثير الحظر.

قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين: يجب أن نستمر في حرمان روسيا من أدوات تمويل الحرب ضد أوكرانيا. سيدخل حظر استيراد المنتجات البترولية الروسية من قبل الاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ يوم الأحد.

من خلال مجموعة السبع، نضع سقوفاً لأسعار هذه المنتجات، ونخفض إيرادات روسيا مع ضمان استقرار أسواق الطاقة العالمية.

ومع ذلك، هناك الكثير من عدم اليقين بشأن كيفية حدوث كل هذا. أوروبا، حيث النقل والصناعة والزراعة كلها مستهلكات ثقيلة للديزل، عانت بالفعل شهوراً من ضغوط الطاقة التي سببتها الحرب. تسببت الأزمة في ارتفاع فواتير الطاقة بشكل هائل وساعدت في دفع الاقتصادات نحو الركود.

قد يكون هناك بعض الانقطاع المبكر للإمدادات، وستحتاج روسيا وتلك الشركات التي تتاجر بوقودها إلى إيجاد مشترين بديلين لما يقرب من 600 ألف برميل كانت ترسلها سابقاً إلى الاتحاد الأوروبي يومياً، بالإضافة إلى تجاوز قيود الشحن والتأمين.

بناء المخزونات

كانت أوروبا تخزن الوقود بشكل عاجل في الأشهر الأخيرة، حيث بلغت الشحنات إلى الاتحاد الأوروبي أعلى مستوياتها منذ بداية عام 2016 على الأقل في الربع الأخير من العام الماضي. كما ظل عدد الناقلات الوافدة أعلى بكثير من المعدل الطبيعي حتى الآن في عام 2023.

بالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من الطرق القانونية للالتفاف على الحظر الذي سيحافظ على تدفق الصادرات الروسية والواردات الأوروبية، حتى لو توقفت التجارة المباشرة.

من المرجح أن تتم معالجة الخام الروسي في دول مثل الهند ثم يتم إرساله إلى أوروبا كديزل غير روسي.

قال يوغين ليندل، رئيس المنتجات المكررة في فاكتس غلوبال إنيرجي: "لا نتوقع أن تجف أوروبا.. هناك كميات كافية حولها، إنها مجرد مسألة الاستفادة من الاحتمالات".

في الوقت الحالي، يبدو أن روسيا لا تتوقع الكثير من الاضطراب. وتخطط لتصدير نحو 730 ألف برميل يومياً من الديزل من الموانئ الغربية الرئيسية هذا الشهر، وفقاً لبيانات القطاع التي اطلعت عليها بلومبرغ. سيكون هذا أكبر تدفق منذ بداية عام 2020 على الأقل.

ذكرت وكالة تاس الروسية أن وزير الطاقة في البلاد لا يرى أي سبب لخفض حاد في عمليات تكرير النفط وإنتاج الوقود عندما تبدأ إجراءات الاتحاد الأوروبي.

يعتمد موقف روسيا، جزئياً، على مدى قدرتها على الدخول في أسواق جديدة. على سبيل المثال، سيجعل الدول تشتري الديزل الروسي ثم تعيد توجيه الوقود الذي كانت تصنعه في السابق -أو تستورده- نحو أوروبا.

قد يكون هذا جذاباً للتجار في الدول الذين يمكنهم شراء البضائع الروسية الرخيصة وبيعها في الاتحاد الأوروبي بسعر مرتفع.

تداول الديزل الروسي من بحر البلطيق بنحو 90 دولاراً للبرميل في وقت سابق من هذا الأسبوع، وهو أقل بنسبة 25% تقريباً من تكلفة الوقود للتسليم إلى شمال غرب أوروبا، وفقاً لبيانات "أرغوس ميديا" Argus Media Ltd وعند نقطة الحظر يمكن أن يتعمق الفارق أكثر.

استوردت تركيا كمية قياسية من وقود الديزل الروسي في ديسمبر، بناءً على بيانات "فورتيكسا" جمعتها بلومبرغ تعود إلى عام 2016. كما قفزت صادراتها الإجمالية إلى مستوى قياسي الشهر الماضي، وهذه التجارة قانونية ويبدو أنها طريقة محتملة لتخفيف تأثير الحظر.

وبالمثل، قفزت واردات المغرب الشهر الماضي بزيادة كبيرة من روسيا، وكلما حدث ذلك، زاد عدد التجار الذين يمكنهم تحويل البضائع من الموردين التقليديين نحو أوروبا.

تجارة مختطلة

ستساعد مثل هذه الحلول على إعادة خلط التدفقات بشكل أساسي بدلاً من تقليصها بشكل كبير.

لكنها تضيف أيضاً تعقيداً إلى نظام تجاري عالمي واسع، مما يزيد من مخاطر حدوث أزمات في سلسلة التوريد أو اضطرابات غير متوقعة.

قد تضطر السفن إلى الإبحار إلى أبعد من ذلك بكثير، مما يضغط على الأسطول التجاري. بالفعل في البحر، تبحر الناقلات التي تحمل الديزل من ميناء بريمورسك الروسي على بحر البلطيق إلى تركيا في الاتجاه المعاكس لتلك التي تنقل نفس المنتج من الشرق الأوسط عبر البحر المتوسط إلى فرنسا.

وفقاً لبن لوكوك، الرئيس المشارك لتجارة النفط في ترافيغورا، هناك "حجم ضخم يحتاج إلى إيجاد سوق جديدة".

وقال: "نحن نبني انعدام عميق للكفاءة في سوق النفط بشكل لا يصدق والذي قضى عقوداً في أن يصبح فعالاً .. تميل حالات عدم الكفاءة إلى زيادة الأسعار".

إلى جانب الحظر المفروض على الواردات المنقولة بحراً، ووجود سقف للسعر. لا يزال من الممكن أيضاً بيع الوقود الروسي بشكل قانوني فوق الحد الأقصى، وليس فقط للشركات التي تستخدم الخدمات المالية الغربية. تم تجميع عدد كبير من الناقلات -ما يُسمّى بأسطول الظل- لهذا الغرض.

ومع ذلك، قد لا يكون كل ذلك كافياً لتصريف كل إنتاج روسيا. تتوقع شركة وود ماكنزي، وهي شركة استشارية مقرها لندن، أن تنخفض صادرات البلاد من الديزل بنحو 200 ألف برميل يومياً في هذا الربع مقارنة بالأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2022.

يتوقع مارك ويليامز، مدير أبحاث التكرير قصير الأجل ومنتجات النفط في شركة الاستشارات، ارتفاعاً في أسعار الديزل، على الرغم من عدم وصوله تماماً إلى مستويات عام 2022 ، "عندما أصيب السوق بالذعر". والسبب بحسب قوله، "كان هناك وقت لبناء مخزونات والحصول على براميل بديلة".