مدينة المستقبل الجديدة في سنغافورة أكثر مشاريعها خضراء

نموذج عن مشروع تنغا
نموذج عن مشروع تنغا بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أجهزة تكييف ضخمة تعمل بالطاقة الشمسية، ونظم متطورة لجمع النفايات، وطرق تحت الأرض للمركبات الكهربائية، ومزارع حضرية، ومبان صديقة للبيئة، كلُّها تشكِّل سوياً مشروع "تنغا"، وهو الاسم الذي يطلق على مشروع سنغافورة الأكثر طموحاً حتى الآن لبناء مدنية المستقبل.

وتشكٍّل "تنغا"، التي تعني "الوسط" بلغة الملايو المحلية جزءاً من جهود سنغافورة لتعزيز الاستدامة في الطاقة، والمياه، والنفايات، ولتقليل انبعاثات الكربون التي تنتجها، التي تفوق بعض البلدان التي تزيد 50 مرة عن حجمها، وقد وضعت دولة جنوب شرق آسيا الأصغر حجماً من مدينة نيويورك، هدفاً يتمثَّل بتقييد الانبعاثات بحلول 2030 لتقوم بعد ذلك بتخفيفها مع حلول 2050.

معالجة حرارة المدينة الاستوائية

ويتمثَّل العنصر الأساسي لتحقيق هدف سنغافورة بمعالجة حرارة المدينة الاستوائية المُهلِكة ورطوبتها، مع خفض فاتورة الطاقة المتزايدة لتكييف الهواء في البلاد، وأصحبت أجهزة التكييف، التي وصفها رئيس الوزراء لي كوان يو بإحدى المرات، أعظم اختراع في القرن الـ20، والمنتشرة بشكلٍ كبير في المنازل والمكاتب.

وتملك البلاد وحدات تبريد للفرد أكثر من أيِّ مكانٍ آخر في جنوب شرق آسيا، فوفقاً للأبحاث المحلية، ومع درجات حرارةٍ استوائية تبلغ وسطياً نحو 27 درجة مئوية على مدار السنة وهي آخذة في الارتفاع، فمن المتوقَّع أن تزيد نسبة الطاقة اللازمة لتبريد سنغافورة بنسبة 73% بين 2010 و2030.

ولتخفيف هذه الزيادة، ستستخدم المدينة الجديدة شبكة تبريد بحسب المناطق تستند إلى نظام تجاري في منطقة مارينا باي المالية في سنغافورة، فقد تضمَّنت البنية التحتية وضِع محطات وأنابيب التبريد تحت الأرض قبل بناء المكاتب.

وحدات تبريد بالطاقة الشمسية

وفي مشروع "تنغا"، ستعمل وحدات التبريد بالطاقة الشمسية، وسيتمُّ وضعها على أسطح المباني السكنية العامة، مع ضخِّ المياه المبرِّدة في الأنابيب عبر المباني. ويقول مشغِّل النظام، وهو مجموعة الطاقة في سنغافورة "SP"، إنَّه يمكن لهذه الشبكة تقليل استخدام الطاقة بنسبة %30 ، وهي نسبة توفير للانبعاثات تعادل 4,500 سيارة تعمل بالبنزين. وأمام المقيمين خيار استخدام نظام التبريد المركزي، أو شراء وتشغيل أجهزة التكييف التقليدية الخاصة بهم.

ويقول س. هرشا، المدير التنفيذي لحلول التنمية المستدامة في مجموعة الطاقة في سنغافورة: "يتمثَّل التحدي الكبير في حثِّ المقيمين على الانضمام". وأضاف: "يكمن الحل في أن يرى المقيمون كيف يمكنهم أن يدَّخروا المال من خلال النظم الموفِّرة للطاقة".

نموذج عن مشروع تنغا

ومنذ أن بدأ مجلس الإسكان والتنمية الحكومي بتوفير 8 آلاف شقة في العقار الجديد في 2018، اشترك ما يقارب ألف مشترٍ في نظام التبريد المركزي، الذي بحسب هرشا، سيكون تركيبه أقل تكلفة من النظام العادي. ويتمُّ بيع المنازل في مشاريع الإسكان العامة الجديدة في سنغافورة بسعرٍ مدعوم للمواطنين، وبشكلٍ خاص للمتزوجين الشباب، بناءً على اقتراح سبق البدء بأعمال البناء. ومن المتوقَّع أن تكون المجموعة الأولى من الشقق الـ 42 ألفاً المخطط لها في "تنغا"، جاهزة مع حلول أواخر عام 2022 أو في 2023.

ومن بين سكانها المستقبليين، الثنائي الشاب شون وونغ، وبيفيرلي تان، إذ قالا، إنَّ

ما جعلهما يقرران تقديم طلبٍ لشراء أحد المنازل، هو شهادات المشروع المطابقة للمواصفات البيئية.

وتقول تان البالغة من العمر 23 عاماً، وتدير مشروعاً تجارياً عبر الانترنت: "نحن فقط نكرِّس ممارسةً اعتمدناها"، وأضافت أنَّها تفضِّل الملابس والمنتجات المنزلية الصديقة للبيئة، وتفضِّل استخدام المروحة بدلاً من أجهزة التكييف. وتضيف: "علينا أن نطبق ما نؤمن به."

وبمجرَّد أن تصبح المدينة الجديدة جاهزة، ستضمُّ خمس مناطق تتخلَّلها مناطق زراعة، وحدائق وغابات. وستتضمَّن ممراً من الأشجار عرضه 100 متر، وطوله 5 كيلومترات، ويربطها بالمحمية الطبيعية الواقعة في وسط الجزيرة.

وستحوي كلُّ شقة من الشقق الـ42 ألفاً التي بنتها الحكومة على جهاز تحكُّم "ذكي"، يسمح لمالكي المنزل برصد نسبة استهلاك الطاقة.

التصميم الذكي

وستكون معظم شبكات السكك الحديدية، والطرق الفرعية، ومواقف السيارات موجودة تحت الأرض، مما يتيح المجال أمام الحدائق، والمزارع الحضرية المناسبة للمشي، وركوب الدراجات الهوائية. إذ توجِّه سنغافورة اهتمامها إلى المركبات الكهربائية، تبعاً لاستثمار مجموعة هيونداي للمركبات في مركز ابتكارٍ جديد قد يُصدِّر حوالي 30 ألف مركبة بحلول 2025. وسيتمُّ إنشاء محطات لشحن المركبات الكهربائية في مواقف سيارات المدينة الجديدة.

واستخدم مجلس الإسكان والتنمية برنامج النموذج البيئي ثلاثي الأبعاد لابتكار المخطط الأولي للمشروع، وذلك ليحاكي تأثيرات التغييرات في الهواء، والحرارة، وأشعة الشمس على المباني ومحيطها. ويكمن الهدف في إيجاد أفضل طريقة لتصميم المباني، والمزروعات، والمياه، والمساحات المفتوحة، وتوجيهها لتعزيز الظل، والتهوية الطبيعية، وتخفيف تأثير الحرارة.

وسيجمع نظام جمع المخلَّفات التلقائي بالهواء المضغوط النفايات عبر أنابيب تحت الأرض. ووفقاً لما ذكر على موقع مجلس الإسكان والتنمية الالكتروني: "يساعد ذلك على خلق بيئة عيش نظيفة وصحية أكثر من خلال تقليل الروائح، والتّسرُّبات المرتبطة بعملية جمع النفايات اليدوية، بالإضافة إلى تقليل نسبة تفشي الآفات".

وتطوِّر مجموعة الطاقة في سنغافورة نظام إدارة نفايات لإنتاج الطاقة من النفايات باستخدام محطة خاصة، وهي طريقة فعَّالة أكثر من المحرقة لإنتاج الوقود.

ويقول لاهيرو ويجيداسا، وهو مشرف مشارك، وزميل بحوثٍ في مركز البحوث البيئية في جامعة سنغافورة الوطنية، إنَّ تأثير العملية العام يتمثَّل بدفع سنغافورة إلى الأمام في بحثها عن مدينة خضراء بالفعل.

وأضاف: "مما لا شكَّ فيه أنَّها خطوة في الاتجاه الصحيح"، لا سيَّما في الجهود المبذولة للمساعدة في التبريد، إنَّ عمليات التطوير المماثلة، بالإضافة إلى التصميم الفعال للمرافق، سيخلِّف أثراً أكبر على تقليل انبعاثات الكربون طويلة الأمد مقارنةً بالمساحات الخضراء الفعلية. وستستمر الابتكارات المستقبلية في تخطي الحدود، وفي نهاية المطاف، ستؤدي رحلتنا إلى إيجاد مدينة أكثر استدامة بيئياً بقدر المستطاع".