"تيك توك" يضع عينه على مكانة "أمازون" في التسوق الإلكتروني

مسح: 67% من المستهلكين يفضلون الموقع الصيني عند شراء المنتجات.. و"أمازون" تحاول المواكبة عبر "إنسباير"

شعار "أمازون" في مركز الوفاء بالطلبيات التابع للشركة في سيدني، أستراليا.
شعار "أمازون" في مركز الوفاء بالطلبيات التابع للشركة في سيدني، أستراليا. المصدر: بلومبرغ
Leticia Miranda
Leticia Miranda

Leticia Miranda is a Bloomberg Opinion columnist covering consumer goods and the retail industry. She was previously a business reporter at NBC News and a retail reporter at BuzzFeed News.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لطالما كانت "أمازون دوت كوم" المنصة المهيمنة التي ينطلق منها الناس للبحث عن كل شيء من سماعات الأذن إلى فساتين الصيف. لكن قبضتها على تلك الخطوة الأولى في رحلة المتسوق راحت تتراخى مع اجتذاب موقع "تيك توك" التابع لشركة "بايت دانس" (ByteDance) لحركة البحث في عالم التسوق الإلكتروني بقوة ليصبح مكاناً أكثر شعبية في هذا المجال.

كشف تأثير “تيك توك" المتزايد عن نقطة ضعف أمازون الكبيرة، فعلى الرغم من نجاحها في مجال الخدمات اللوجستية للبيع بالتجزئة، إلا أنها ليست مكاناً ممتعاً لاكتشاف اتجاهات جديدة.

هذا العيب وغيره تسببوا في سقوط العديد من الشركات العملاقة في عالم البيع بالتجزئة الذي يشهد منافسة لا ترحم. الآن تخاطر منصة "أمازون" العتيقة المصممة على غرار قائمة الاختيارات بأن تجعل الموقع غير ذات أهمية وجدوى بين من هم في سن المراهقة وأوائل العشرينات -متسوقو الغد- الذين يطالبون بالترفيه والمشاركة، مع توفير فيض من الأمور غير المتوقعة من العلامات التجارية والمنصات التي يقضون وقتاً عليها. فعلى سبيل المثال، قال 67% من المستهلكين الذين سألتهم شركة تحليلات البحث والتسويق "جانغل سكاوت"(Jungle Scout) عن وسائل التواصل الاجتماعي والهدايا في الربع الأخير الذي يشهد موسم الأعياد، إن "تيك توك" كانت المنصة الأكثر تأثيراً للأفكار الخاصة بالهدايا.

مساع للحاق بالركب

في مسعى منها للحاق بركب التطور في عالم التواصل عبر الإنترنت، أعلنت "أمازون" الشهر الماضي عن ميزة جديدة تسمى "إنسباير" (Inspire)، وُصفت بأنها ستساعدها في اقتحام ما يسميه خبراء البيع بالتجزئة (التجارة الاجتماعية). خلال الأشهر القليلة المقبلة، سيرى المتسوقون مصباحاً في شريط التنقل (البحث والتصفح) الخاص بتطبيق "أمازون" سينقلهم إلى مراجعات نقدية وإعلانات مختارة لمنتجات مختلفة على الموقع. ليتحول الأمر إلى ما يشبه موقع "إنستغرام"، لكن على "أمازون".

بعد تحديثات "أبل"... "أمازون" تسرق جاذبية الإعلانات من "فيسبوك" و"غوغل"

الفكرة هي أن يكتشف المتسوقون أشياء جديدة ويقعوا تحت تأثير يجعلهم يشترون المنتج من "أمازون". وإذا كان هذا يبدو مألوفاً، فربما يرجع السبب في ذلك إلى أن "أمازون" أعلنت عن شيء مشابه منذ وقت ليس ببعيد. فقد أُطلقت ميزة "أمازون سبارك" (Amazon Spark) في عام 2017 داخل التطبيق، التي تُمكن أعضاء خدمة "برايم" (Prime) الخاصة به من نشر صور للمنتجات مع مراجعات نقدية، وكذلك أي شخص يتصفح عبر التطبيق من إبداء الإعجاب بالصورة أو النقر على رمز حقيبة التسوق لمطالعة قائمة المنتجات.

لم يُنظر مطلقاً لـ"سبارك" على أنها ميزة داخل التطبيق لتتحول منذ ذلك الحين إلى خدمة "شوب-باي-إنتريست" (Shop-by-Interest)، حيث يمكن للمتسوقين تحديد الفئات التي يهتمون بها والتفاعل مع العملاء الآخرين.

"أمازون" وملل التسوق

زاد نجاح "تيك توك" من إلحاح إطلاق "إنسباير". لكن مثلما ظهرت مغامرة "أمازون" الأخيرة في التجارة الاجتماعية، فإن إضافة ميزة أخرى إلى التطبيق لن تعمل على إصلاح نقاط الضعف الصارخة التي كشفت عنها شركات مثل "تيك توك" وآخرون في قطاع تجارة تجزئة، ممن يمنح استخدام مواقعهم وتطبيقاتهم إحساساً بالمتعة والسعادة مثل زارا (Zara) التابعة لإنديتيكس (Inditex)، أو “إيربان أوتفيترز" (Urban Outfitters) .

الحقيقة هي أن التسوق في "أمازون" يبدو وكأنه دفع فاتورة غاز عبر الإنترنت. فموقعه المسطح الشكل ذو اللونين يفتقر إلى أي لمسة جمال أو تنظيم، مما يمنع الحصول على تصفح سهل أو ممتع. وبالمثل، يصعب التنقل عبر التطبيق. فهو مصمم كمكان يسجل فيه الأشخاص الدخول بنية معينة، وهي أن يتموا عملية الشراء ويخرجوا. وبدأ أكثر من 60% من المتسوقين بحثهم على "أمازون" بنية شراء عالية، وفقاً لتقرير أصدرته مؤسسة "جانغل سكاوت" (Jungle Scout) البحثية في سبتمبر. وإذا سارت الأمور على ما يرام، فستصل بضائعهم بعد يومين في صندوق بني بسيط دون إبهار أو ضجة، فقط سيصل طلبك في الوقت المحدد.

حققت "أمازون" مليارات الدولارات من كونها متوقعة وفعالة وتنافسية من حيث السعر. وحولت حرفياً قطاع البيع بالتجزئة بحيث يعتمد على مفهوم الراحة. ولكن بعد عام 2022 الصعب الذي شهد تراجع نشاطها في تجارة التجزئة وتسريح الآلاف من عمالها وتقديراُ بأن نمو عضوية "برايم" في الولايات المتحدة (يو إس برايم) لم يزد، فإن أكبر بائع تجزئة عبر الإنترنت في الولايات المتحدة يتعرض لضغوط لمعرفة كيف يكون أكثر من مجرد شركة توصيل رائعة.

تنافس متزايد على التسوق الاجتماعي

قال أوليفر ماسنجر، مدير "أمازون شوبينغ" (Amazon Shopping) في رد عبر البريد الإلكتروني على أسئلة، إن التسوق الاجتماعي سيستمر في النمو، وستساعد "إنسباير" على ربط العملاء بمحتوى قابل للتسوق أنشأه عملاء آخرون ومؤثرون وعلامات تجارية. وشككت "أمازون" في التقدير الذي يظهر أن النمو في عضوية "برايم" في الولايات المتحدة ثابت.

جيف بيزوس يخسر 13.5 مليار دولار بعد نتائج أمازون المخيبة

لكن في الوقت الحالي، تظهر خيبة أمل المتسوقين في الأرقام، حيث قال نحو 63% ممن شملهم استطلاع "جانغل سكاوت" إنهم بدأوا بحثهم على "أمازون" في الربع الثالث من العام الماضي، انخفاضاً من 74% في الأشهر الثلاثة الأولى من 2021. وفي ذلك الوقت، قفزت حصة "تيك توك" إلى 21% بعدما كانت 10% فقط.

وعليه، فإن فقدان هيمنة "أمازون" كمكان يقصده المتسوقون أولاً للبحث عن الأشياء يعني خسارة الأموال. فكلما زاد عدد المتسوقين الذين يتصفحون "تيك توك" ويُوجهون للشراء مباشرة من علامة تجارية، قل شراؤهم من "أمازون". بالفعل، دخل نشاط "وول مارت" في مجال التجارة الإلكترونية على خط المنافسة مع "أمازون"، فاقتنص حصة من سوق هذه التجارة خلال طفرة التسوق عبر الإنترنت التي انتعشت خلال جائحة كورونا، والتحول نحو شراء الأساسيات الذي تبعها.

الغلبة للمراهقين والشباب

من المنطقي أن تلحق "تيك توك" سريعاً بركب تجار التجزئة والمعلنين. فنحو 40% من مستخدمي التطبيق تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً فضلاً عن 27% أخرين في الفئة العمرية من 13 إلى 17 عاماً، وفقاً لـ"إنفلوانسر ماركيتينغ هاب" (Influencer Marketing Hub)، وهي تركيبة سكانية تتمتع بقوة شرائية كبيرة ومتنامية، بالإضافة إلى تأثيرها على الاتجاهات. في تباين شديد، فإن نحو 4% فقط من المتسوقين في "أمازون" تقل أعمارهم عن 26 عاماً، وفقاً لشركة "نيوميريتور" (Numerator) لأبحاث السوق.

إنفوغراف.. "تيك توك" يخطف أنظار الشباب العربي من "فيسبوك" و"تويتر"

أما ما يتعلق بإمكانات "تيك توك" كتطبيق تسوق فلا جدال فيها. فصفحة "فور يو" (For You) دقيقة على نحو مذهل في استهداف المستخدمين بالمحتوى الذي من المحتمل أن يرغبوا في مشاهدته، ما يؤدي إلى تكوين سلوك ينطوي على قدر كبير للغاية من التعود والإدمان.

تعرض الصفحة على المتصفحين مقاطع مصورة أقل إثارة للاهتمام قبل تلك التي يرغبون حقاً فيها بهدف استثارة هرمون "الدوبامين" المرتبط بالشعور بالسعادة، الذي يندفع في عروق المقامرين عندما يصيبون الجائزة الكبرى في ماكينات القمار بلاس فيغاس.

عامل المفاجأة يرجح كفة "تيك توك"

سبق أن خاضت "بايت دانس" (ByteDance)، الشركة الأم لـ“تيك توك" غمار التجارة الإلكترونية من خلال تطبيق "دوين" (Douyin) الصيني الشقيق لـ"تيك توك". وبلغ من الضخامة مبلغاً دفع محللين للاعتقاد بأنه وصل إلى نقطة التشبع في الصين. لكنه على الجانب الآخر، لم يحلق نشاط التسوق عبر البث المباشر لشركة "أمازون" في سماء النجاح بعد فهو قابع في مكان ما على الموقع ولا يلقى سوى تفاعل محدود.

في ظل عامل المفاجأة المسبب للتعود والإدمان، يجد "تيك توك" نفسه في وضع أفضل من "أمازون" لمعرفة ما الذي قد يجعل جمهوره في الولايات المتحدة يمزج بين الترفيه والتسوق. أشاع "إنستغرام" و"يوتيوب" الاستعانة بمؤثرين لتسويق المنتجات لمتابعيهم وذلك مقابل أجر، ما أدى إلى إخفاقات شديدة مثل ما حدث في مهرجان "فاير فيستيفال" الموسيقى في جزر الباهاما.

لكن ثقافة الأصالة والموثوقية لدى "تيك توك"، النابعة من ملل الشباب من أساليب التسويق، تسرع في التخلص من المؤثرين مدفوعي الأجر الذين لا يتسمون بالصدق في تعليقاتهم أو المحتوى الذي يرعونه. ويمنح ذلك المتسوقين مزيداً من الثقة فيما يقرؤونه ويرونه عن منتج ما، على عكس مراجعات "أمازون" النقدية للمنتجات، والتي تعصف بها إساءة الاستخدام والتلاعب.

أكبر نقاط ضعف "أمازون"

قال متحدث باسم "أمازون" إن الشركة لا تتسامح مطلقاً مع التعليقات المزيفة، إذ تتخذ تدابير منها التعليق والحظر والإجراءات القانونية ضد من ينتهكون سياساتها. وبدلاً من ذلك، فإن "الإعلانات" الناجحة على المنصة إما أن تجذب الاهتمام والحماس لأمور تتعلق بالمنتج نفسه، كما هو الحال مع عامل "صب واي" (Subway) الذي حقق ملايين الدولارات من المبيعات لامتياز سلسلة المطاعم من خلال مشاركة مجموعات من الشطائر، أو ببساطة بسبب الترفيه الذي أنشأته الشركة ويجسد روح الدعابة السريالية لدى الجيل زد.

الجيل زد يشتري العلامات الفاخرة بهدف البيع استثماراً للتضخم

بالطبع، فإن تعدي "تيك توك" على هيمنة "أمازون" على التجارة الإلكترونية ليس بالأمر المؤكد. فقد استغرقت المنصة الأميركية سنوات لتطوير شبكة السوق والتوصيل المتطورة وتحسينها. وحتى الآن، عملت "تيك توك" في الغالب مع التجار المتعاملين لدى "سبوتيفاي" وبدأت في الآونة الأخيرة بتعيين موظفين أميركيين لبناء شبكة الخدمة والتوصيل. مثل أي نجاح على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن مكانة "تيك توك" في حياة مستخدمي الإنترنت الشباب المتقلبين ليست دائمة. ويمكن للمخاوف الدبلوماسية بشأن ملكيتها الصينية وحظر الإعلانات السياسية أن تهدد ثقة المستخدمين وتثني الناس عن إنفاق الأموال على المنصة.

وسواء نجحت كمنصة تسوق أم لا، فقد كشفت "تيك توك" عن أكبر نقاط ضعف "أمازون" في التسوق عبر الإنترنت. هذه المرة، سيتعين على "أمازون" الالتزام بإجراء تغييرات أوسع عبر أعمال البيع بالتجزئة الخاصة بها أو مواجهة تفوق "تيك توك".