سندات "أداني" هدف سهل وذات أصول حقيقية

معضلة حاملي السندات: أينبغي التركيز على تراجع قدرة رجل الأعمال على جمع الأموال أم على إمكانية تحقيق شركاته أرباحاً نقدية؟

غوتام أداني، الملياردير ورئيس مجموعة "أداني"، وبنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، خلال لقائهما في "ميناء حيفا" يوم 31 يناير 2023
غوتام أداني، الملياردير ورئيس مجموعة "أداني"، وبنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، خلال لقائهما في "ميناء حيفا" يوم 31 يناير 2023 المصدر: بلومبرغ
Andy Mukherjee
Andy Mukherjee

Andy Mukherjee is a Bloomberg Opinion columnist covering industrial companies and financial services. He previously was a columnist for Reuters Breakingviews. He has also worked for the Straits Times, ET NOW and Bloomberg News.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بدأت رحلة غوتام أداني، من مستورد لحبيبات البلاستيك إلى الهند لفترة قصيرة في ثمانينيات القرن الماضي، حيث عمل على طول ساحل ولاية غوجارات، في منطقة مغمورة بالمستنقعات تمكّن من تحويلها إلى أكبر مركز تجاري في البلاد. والآن، بعدما تعرّضت ثروته في الهند للهجوم من قبل شركة بيع على المكشوف تتخذ من نيويورك مقراً لها، وقف الملياردير أمام الكاميرات مع بنيامين نتنياهو في ميناء حيفا، الذي كان قد أتى لشرائه مقابل 1.2 مليار دولار.

بالنسبة إلى حَمَلة السندات، هناك رمزية لصورة الملياردير المحاصر بالأزمات مع رئيس وزراء إسرائيل في 31 يناير. إذ كان طموحه وهو يقف على أطراف البحر الأبيض المتوسط مماثلاً لذاك الذي دفع برحلته الملحمية من خليج كوتش قبل 25 عاماً. لكن هل كانت ما تزال لديه القدرة على المحافظة على رباطة جأشه؟

أهمية الأصول المادية

عندما يطرح مستثمرو الديون مثل هذه الأسئلة الوجودية، فإنَّهم يميلون إلى اتخاذ منظور أكثر دقة من نظرائهم الذين يستثمرون في الأسهم. من ناحية، سيكون للخسائر المفاجئة لثروة أداني في سوق الأسهم بما يزيد على 100 مليار دولار بعض التأثير على الجدارة الائتمانية لإمبراطورية يبلغ صافي ديونها 20 مليار دولار، أو ثلاثة أضعاف الأرباح قبل احتساب الفوائد والضرائب والاستهلاك والإطفاء لعام بأكمله.

شركات أداني فقدت نصف قيمتها السوقية منذ نشر تقرير "هيندنبرغ"

ومن ناحية أخرى، تمتلك المجموعة موانئ، ومطارات، ومحطات كهرباء، ومناجم فحم، ومزارع للطاقة الشمسية، وطرقاً، وشركات توزيع للكهرباء والغاز، وعدة مصانع للأسمنت، فضلاً عن مصافٍ لزيوت الطعام، وصوامع حبوب، وحتى أكبر سلسلة توريد للتفاح في الهند.

هذه كلها أصول مادية، مدعومة بالقلب النابض للمجموعة العملاقة، وهو "ميناء موندرا" الواقع في ولاية غوجارات، موطن أداني، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي. ويُقال إنَّ الرجلين مُقربان، على الرغم من أنَّ رجل الأعمال ينفي السعي وراء خدمات سياسية أو تلقيها.

كذلك رفضت المجموعة مزاعم شركة "هيندنبرغ ريسيرش" بشأن التلاعب بالسوق، والاحتيال المحاسبي، واصفة إياها بأنَّها لا تستند إلى أساس. وبرغم أنَّ تأثير تلك المزاعم على معنويات المستثمرين متوصل، لكنَّ "أداني" ربما يمكنه استخدام توليد النقد الداخلي كأداة للاستمرار. فاحتياجات إعادة التمويل قصيرة الأجل متواضعة، حيث يحلّ موعد الاستحقاق التالي للسندات المقوّمة بالدولار في يونيو 2024.

تصنيف مجموعة "أداني"

لمعرفة ما إذا كان احتمال نجاة مجموعة "أداني" يفوق احتمال غرقها، يلجأ حَمَلة السندات إلى شركات التصنيف، والمستشارين، والمحامين. قالت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني يوم الجمعة الماضي إنَّ تقرير شركة البيع على المكشوف لم يُحدث تأثيراً فورياً على الملف الائتماني لكيانات "أداني" المُصنفة، مضيفة أنَّها لا تتوقَّع أي تغييرات جوهرية في التدفق النقدي المتوقَّع للمجموعة.

تجنّبت مؤسسة "موديز إنفستورز سيرفيس" مسألة ما إذا كانت ستغيّر تقييمها للمجموعة. مع ذلك؛ قالت إنَّ "التطورات السلبية" الحالية ستقلّص على الأرجح قدرة المجموعة على جمع رأس المال" لتمويل التزامات النفقات الرأسمالية أو إعادة تمويل الديون المستحقة على مدى العام أو العامين المقبلين.

فشل في الاكتتاب وتعثر بالسندات.. الأزمات تُحاصر إمبراطورية "أداني"

ذهبت "ستاندرد آند بورز غلوبال" إلى أبعد مدى بخفض توقُّعاتها لسندين من سندات "أداني" المقوّمة بالدولار إلى سلبية. (برغم ذلك، ما يزال التصنيف "BBB-"، يمثل الدرجة الأخيرة من الدرجات الاستثمارية).كما أنَّ إحدى هاتين المجموعتين من السندات هي دين صادر عن "أداني بورتس آند سبشال إيكونوميك زون"، وهي الشركة ذاتها التي ستجري تحديثات في "ميناء حيفا".

من نواحٍ كثيرة، تُجسّد "أداني بورتس" معضلة حملة السندات. فهي شركة كانت تسير بخطوات سريعة. في العامين الماضيين، اشترت ثلاثة موانئ بحرية هندية بتكلفة 2.6 مليار دولار. بالإضافة إلى ذلك، قالت "كريديت سايتس" (CreditSights) -إحدى وحدات "فيتش غروب"- في تقرير صدر في أغسطس إنَّ "أداني بورتس" تريد إقامة ميناء آخر على الساحل الشرقي للهند، ويُحتمل أن تستحوذ على شركة الخدمات اللوجستية للسكك الحديدية التي تديرها الدولة "كونتينر كورب. أوف إنديا" (Container Corp. of India).

إلغاء طرح السندات

من أجل إثبات أنَّ سندات هذه الشركة القوية، والنشطة في الاستحواذ لا تستحق أن تُخّفض إلى دون الدرجة الاستثمارية، أو أن تُتداول في خانة الإعسار، يجب على أداني إثبات أنَّ الأموال الواردة من الموانئ لن يتم تحويلها إلى أقسام أخرى من إمبراطوريته عبر "معاملات ضخمة يجريها طرف ذو صلة خارج المسار الطبيعي للأعمال"، بحسب وصف "ستاندرد آند بورز". كما أنَّه يحتاج إلى تأمين التمويل من أجل التوسع.

على الهند ألا تخاطر بسمعتها في أزمة "أداني"

لكن مع نشر "بلومبرغ نيوز" تقارير في نهاية الأسبوع تفيد أنَّ الشركة الرئيسية "أداني إنتربرايزس" قررت إلغاء إصدار سندات بقيمة 10 مليارات روبية (122 مليون دولار) -كأول طرح عام لبيع الديون في السوق المحلية– باتت قدرة الشركة على الاستفادة من طلبات المستثمرين الأجانب الإضافية منخفضة في الوقت الحالي.

تزعزع الثقة

ذكرت "إيكونوميك تايمز" أنَّ "قيصر البنية التحتية" قد لا يمضي قدماً في طرح مزمع لسندات بقيمة 500 مليون دولار في الخارج لإعادة تمويل بعض الديون البالغة 4.5 مليار دولار، التي تلقاها العام الماضي لشراء أعمال شركة الإسمنت "هولسيم" (Holcim) في الهند.

في نهاية المطاف، سيفعل حاملو السندات ما يمكنهم تحمّله. زادت حِدّة الأجواء السياسية والتنظيمية المحمومة حول القصة المعقدة، إذ طالبت أحزاب المعارضة في الهند بشكل صاخب بإجراء نقاش برلماني، فيما يسعى البنك المركزي الهندي إلى تهدئة الأجواء المشحونة حيال انكشاف البنوك المحلية، وبشأن الأسئلة التي تُطرح حول "مؤسسة الهند للتأمين على الحياة"، و"توتال" الفرنسية لارتباطهما بأسهم المجموعة ذات المديونية العالية.

لماذا يصعب بيع أسهم "أداني" المدرجة في الهند على المكشوف؟

إنَّ المخاطر المتعلقة بالإدارة الآن أكبر من أن تتجاهلها أقسام الائتمان في مؤسسات "وول ستريت" الكبيرة، خشية أن يفزع رؤساؤها من فضيحة لا تظهر أي علامات على انحسارها. على الرغم من أنَّ أداني قد دحض ادّعاءات "هيندنبرغ ريسيرش" في تقرير مكوّن من (413) صفحة؛ فإنَّ وسائل الإعلام الدولية تقدّم الآن تقارير مستقلة تتناول تلك الادعاءات.

طموح حي

قد ينجذب الأفراد الأثرياء إلى العائدات المغرية. لكن بالنسبة إليهم، أصبح الحصول على تمويل من البنوك الخاصة أمراً صعباً. هذا الوضع يجعل صناديق التحوط بمثابة مشترين محتملين للأسهم الهابطة. ربما تسترد المجموعة من نفسها بعض السندات قبل موعد استحقاقها لتعزيز الثقة. أو يمكن أن تفكر "أداني" في بيع بعض الأصول لإثبات مدى جودتها. لكن هذا القرار الأخير لن يتعلق بالقدرة المالية فقط.

خسر الملياردير السابق ما يقرب من نصف ثروته الشخصية خلال ستة أيام، لكن هل خسر نصف طموحه أيضاً؟

من خلال ظهوره في حيفا خلال ما يمكن أن يكون أحد أصعب أيام حياته -إذ اختُطف من أجل فدية في عام 1998، واختبأ في أحد فنادق مومباي خلال هجوم إرهابي مميت في نوفمبر 2008- يبدو أنَّ أداني يشير إلى عكس ذلك.