مزيد من الأشجار يعني مدناً ألطف جواً وأكثر جمالاً

يُعتبر التشجير أداة فعالة للغاية في التصدي لدرجات الحرارة المرتفعة والحدّ من التلوث والمحافظة على الصحة العامة

متنزهون يستمتعون بوقتهم خلال فصل الخريف الماضي في حديقة "بروسبكت" في بروكلين، نيويورك، الولايات المتحدة.
متنزهون يستمتعون بوقتهم خلال فصل الخريف الماضي في حديقة "بروسبكت" في بروكلين، نيويورك، الولايات المتحدة. المصدر: غيتي إيمجز
 Lara Williams
Lara Williams

Lara Williams manages Bloomberg Opinion's social media channels.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

عندما يكون الجو بارداً والسماء ملبدة في عزّ الشتاء، قد تجد نفسك توّاقاً لقليل من دفء أشعة الشمس، بل ربما لن تتمكّن حينها من تذكّر قيظ الصيف.

كان صيف 2022، الأكثر حرّاً في أوروبا على الإطلاق، وتسبب بوفاة أكثر من 20 ألف شخص في كل أنحاء غرب أوروبا. أما الصيف المقبل، فقد يكون أكثر سوءاً مع عودة ظاهرة "النينو".

الصحة والحياة في المدينة

ربما نشعر بتأثيرات ذلك أكثر داخل مدننا، التي تكون الحرارة فيها في المتوسط أعلى بـ1.5 درجة مئوية مما هي في المناطق المحيطة، بسبب ما يُسمى بـ"الجزر الحرارية الحضرية" (Urban Heat Islands). يحدث ذلك عندما تمتص مواد البناء (الخرسانة، والإسفلت، والمعادن)، والآلات (السيارات، والشاحنات، ووحدات تكييف الهواء) الحرارة، وتنتجها، وتحوّل أحياء المدينة إلى ما يشبه أفران الخبز.

تُعتبر درجات الحرارة المرتفعة من العوامل التي يمكن أن تجعل المدن أماكن غير صحية للعيش؛ إذ يُعزى ما نسبته 4.3% من الوفيات المبكرة في المدن خلال أشهر الصيف، إلى تلك "الجزر الحرارية الحضرية"، بينما يتسبب تلوث الهواء الطلق في وفاة أكثر من 4 ملايين شخص سنوياً، ويتسبب الضجيج في فقدان أكثر من 1.8 مليون سنة من الحياة الصحية في أوروبا وحدها.

أفضل الأماكن للعيش.. ليست الأفضل

اعتماداً على المكان الذي تعيش فيه، قد تكون محاطاً بظلال من اللون الرمادي، أو محاصراً في "صحراء طعام" (حيث لا غذاء طازجاً). بالنسبة إلى الكثيرين، يصبح الانتقال من المدينة خياراً مرغوباً للغاية عندما يتعلق الأمر بتربية الأطفال، والاستقرار، والصحة، والمساحة، والضغوط المالية.

الإيجابيات البيئية للحياة في المدن

إنه لأمر مؤسف، لأن المدن ليست مجرد مراكز رائعة للنشاط البشري؛ بل إنها توفر أيضاً طريقة عيش عملية بشكل مذهل. أظهرت الدراسات أن الأشخاص الذين يعيشون في المدن لديهم بصمات كربونية أقل من أولئك الذين يعيشون في الضواحي والريف.

يمشي سكان المدن على أقدامهم لمسافات أطول، ويركبون الدراجات أكثر، ويستخدمون وسائل النقل العام بمستويات أعلى من أولئك في الضواحي والريف. كما أنهم يعيشون في منازل أصغر تحتوي على أشياء أقل. يمكن أن يكون التشجيع على العيش في المناطق ذات الكثافة السكانية الأكبر، جزءاً أساسياً من السباق للوصول إلى صافي انبعاثات كربونية صفرية. لكن إذا أردنا إقناع الناس بالعيش فيها، علينا أولاً أن نجعل المدن ملائمة للعيش بدرجة أكبر.

فاعلية الأشجار

هناك الكثير من الحلول، لكن في متناول أيدينا أداة قوية واحدة يمكن أن تساعد في تبريد المدن، وتقليل التلوث، وتحسين صحتنا العقلية، والبدنية، ألا وهي الأشجار.

تُظهر دراسة جديدة نُشرت في مجلة "ذا لانست" (The Lancet) الطبية مدى فاعلية الأشجار في تقليل آثار تغيّر المناخ في المناطق الحضرية. إذ بيّنت نتائجها أن زيادة غطاء مظلة الأشجار إلى 30% من المدينة، يمكن أن تقلل الوفيات المبكرة بسبب حرارة الصيف في المدن بنحو 40%، من خلال خفض درجات الحرارة عبر مزيج من التظليل، وتبخر المياه، وإزالة مصادر الحرارة مثل الخرسانة والإسفلت.

الجانب المظلم من حملات زراعة الأشجار في المدن

أظهرت بيانات الأقمار الصناعية أن 30% من تغطية الأشجار هدف قابل للتحقيق في 93 مدينة شملتها الدراسة، إلا أن المتوسط في أوروبا لا يزال عند 14.9% فقط.

المصالح الحضرية المتضاربة

يقول مارك نيوينهويزين، المؤلف المشارك للدراسة، ومدير التخطيط الحضري والبيئي والصحي في "معهد برشلونة للصحة العالمية"، إنه على الرغم من البساطة النسبية، إلا أن هناك حواجز حقيقية تعيق الغابات الحضرية. يعود جزء من ذلك إلى المصالح الحضرية المتضاربة. وتاريخياً، أعطت المدن الأولوية للمساحة الخاصة بالمركبات، إلا أنه يمكن تقليص الطرق العريضة، ومواقف السيارات لإفساح المجال أمام الأشجار. لكن، وكما أظهر الجدل للحصول على ممرات للدراجات، والأحياء ذات الازدحام المنخفض في المملكة المتحدة، فإن هذه المعركة مشحونة سياسياً.

لماذا نموت أحياناً ونحن نحاول تجنب المخاطر؟

هناك أيضاً مسألة التكاليف. فبعد الشراء، والغرس، تحتاج الأشجار الجديدة إلى رعاية. فمثلها مثل البشر، يمكن أن تجد الأشجار أيضاً أن البيئة الحضرية يصعب العيش فيها. في لشبونة مثلاً، تقدر المهندسة المعمارية للمناظر الطبيعية، آنا لويزا سواريس، أن كل شجرة جديدة تكلّف المدينة نحو 2000 يورو (2180 دولاراً).

هناك طرق أخرى في العالم لتبريد المدن- من خلال الأسطح العاكسة أو الطلاء الأكثر بياضاً. لكن في حين أن إجراءات التدخل هذه يجب أن تلعب دوراً في بناء مدن قادرة على تحمّل تغيّر المناخ، فإنها لا تقدم حزمة الفوائد الكاملة التي توفرها الأشجار.

الفوائد تفوق التكلفة

في دراسة أُجريت عام 2011، قدّرت سواريس تكلفة العناية بالأشجار عند 1.9 مليون دولار سنوياً، بينما تدر فوائدها ما يصل إلى 8.4 مليون دولار. وبدوره استعرض نيوينهويزين قائمة من الفوائد التي أثبتت جدواها: ليس فقط أن الشوارع تصبح أكثر جمالاً عندما تكون محاطة بالأشجار، بل هناك أيضاً فوائد مُثبتة للصحة العقلية.

الفردية تجعلنا سعداء وأكثر إيثاراً

ترتبط المساحات الخضراء الحضرية أيضاً بانخفاض معدل انتشار مرض السكري، ومشكلات القلب، وتحسين كل من نتائج الولادة، والأداء الإدراكي. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر الأشجار مخازن كربون عملية يمكن أن تساعد أيضاً في منع الفيضانات المفاجئة، والتي تعتبر مخاطر مناخية أخرى.

التوزيع العادل للأشجار

سيكون الأمر الأساسي هو ضمان التوزيع العادل للأشجار في كل أنحاء المدينة. لن يكون لمنتزه واحد من الغابات الضخمة التأثيرات المفيدة ذاتها للعديد من الشوارع التي تصطف على جانبيها الأشجار. تميل المناطق الأكثر ثراءً بالفعل لأن تكون أكثر خضرة من المناطق الفقيرة، ولذلك هناك عنصر عدالة اجتماعية أيضاً يكمن في ضمان إتاحة الطبيعة للجميع بشكل متساوٍ.

اقترح سيسيل كونينديك، الأستاذ في مجال الغابات الحضرية في جامعة "بريتيش كولومبيا"، قاعدة "3-30-300"، التي تقوم على أنه يجب أن يكون كل شخص قادراً على رؤية 3 أشجار من نافذته، والعيش في حي به غطاء شجري يبلغ 30%، وعلى بعد 300 متر من مساحة خضراء. لكن هناك الكثير من الجهد الذي يتعين القيام به للوصول إلى ذلك. ففي برشلونة على سبيل المثال، يعيش 5% فقط في مكان يلبي هذا المعيار.

سيتطلب جعل مدننا أكثر ملاءمة للعيش والاستدامة، الكثير من القرارات الصعبة التي تتعلق بما هو أكثر من الحياة النباتية. لكن نظراً لأن الأشجار قد تستغرق عقوداً لتنمو، يجب أن نبدأ بزراعتها من الآن.