هذه أكبر المخاطر القادمة حسب مديري أصول بتريليوني دولار

ما بين أزمات الركود الممتدة ونقص القوة العاملة وتأثير تغير المناخ في التضخم.. مديرو الاستثمار يحددون المخاطر الكبرى التي تنتظرنا في الأعوام القليلة القادمة

سايرا ماليك
سايرا ماليك المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

الاقتصاد العالمي والأسواق المالية في مفترق طرق.

مَرّ عام من التصدي للتضخم المستفحل الذي دفع البنوك المركزية إلى شنّ أشد حملات التضييق في عقود، وبدأ بعض المستثمرين في رؤية احتمال هبوط سلس يتجنب الركود القاسي، لكنّ واضعي السياسات حذّروا من أنهم لم ينهوا عملهم بعدُ وأن إعلان النصر المبكر سيسبب مزيداً من الألم في المستقبل.

سألنا 3 مستثمرين بارزين يديرون أصولاً بنحو تريليوني دولار عن الخطر الكبير القادم الذي يتوقعونه على مدى 5 إلى 10 أعوام. المستثمرون هم: هنري مكفي، المدير التنفيذي للاستثمار، "كيه كيه آر آند كوس بالانس شيت" (KKR & Co.’s balance sheet)، سايرا ماليك، المدير التنفيذي للاستثمار، "نوفين" (Nuveen)، كارين كارنيول-تامبور، التي عُينت حديثاً في منصب المدير التنفيذي المشارك للاستثمار بشركة "بريدجووتر أسوسياتس" (Bridgewater Associates).

أزمات ركود أطول وأشد

كارين كارنيول-تامبور

المدير التنفيذي المشارك للاستثمار، "بريدجووتر أسوسياتس"

الخطر الأكبر القادم هو حالات ركود أشد تأثيراً ولفترات أطول عما اعتدناه.

كل من يستثمر اليوم عاش حياته المهنية كلها على مدى فترة شهد فيها التضخم تراجعاً كبيراً، وفي كل مرة وقع فيها انكماش اقتصادي قد تتدخل البنوك المركزية وتعكس تأثيره، فلم يواجهوا أي نوع من المفاضلة، ورأينا ذلك في أوضح صورة خلال الجائحة.

عندما يسوء الوضع الاقتصادي فإن عكس وضعه سيربح منه الجميع لأن النمو كارثة في حال غياب التضخم، هذا يسهل كل شيء. وهذا يعني أن حالات الركود لا يمكن أن يشتد أثرها وتطول مدتها أبداً، إذ كانت فتراتها سريعة وسطحية نظراً إلى وجود المنقذ، ونحن على أعتاب عالم لن يحدث فيه هذا بعد الآن. ففي كل مرة يتباطأ فيها الاقتصاد سيكون الوضع مؤلماً لأن البنوك المركزية سترغب في تخفيف حدة الأوضاع وستصارع التضخم الجامد في الوقت ذاته.

الجائحة كانت نقطة تحوّل لأنه للمرة الأولى ترى واضعي السياسات المالية ينخرطون في حل المشكلة ولم يطبعوا المال كما فعلوا عند الخروج من أزمة 2008، بل رأيت واضعي السياسات يأتون ويوجهون المال إلى الشعب، الآن يوجهونه إلى النتائج البيئية الواردة في قانون خفض التضخم، لذا -بالنسبة إلي- تهاوى حائط الصد، إذ أصبح واضعو السياسات المالية جزءاً من القصة ويمكنهم محاولة حل المشكلات.

ستتخذ حالات الركود شكلاً مختلفاً لأن الأطراف السياسية الفاعلة أصبحوا الآن –فجأة- جزءاً من الحل، مرّوا بما حدث في الجائحة وأدركوا أن يمكنهم التأثير في النتيجة، لذا الأرجح أن يتدخلوا باستخدام توسعات مالية كبيرة.

فمن جهة، ستقلّ أهمية السياسة النقدية لأن السياسة المالية ستقوم بمهامّها، ومن جهة أخرى سيكون موقف واضعي السياسات أصعب لأنهم سيواجهون تضخماً أكثر استحكاماً نظراً إلى الضغوط التضخمية طويلة المدى وحث واضعي السياسات المالية في الوقت نفسه.

لذلك، سيجبرون على تشديد أكثر مما أرادوا، أو تخفيف الحدة إلى درجة أقل بكثير، ما سيتحول إلى حالات ركود أصعب وأضر، ويتوقف مدى الصعوبة والضرر على ما سيفعله واضعو السياسات المالية في النهاية.

أنا في شدة القلق من نظام سياسي عالق ولا يمكنه التدخل والتأثير في أكثر ما يهم الأسر والشعب والبيئة، لأننا عشنا عقوداً –صدقاً- لم يتمكن فيها واضعو السياسات إلا من فعل القليل وكانت النتائج ما زالت رائعة لأنه كان لدينا اقتصاد نشيط ويفيد الجميع، وتغير هذا الوضع، ونحن في موقع يمكننا فيه حل كثير من أهم مشكلاتنا، لا يمكنك الاعتماد على قوى السوق فقط، بل تحتاج إلى قوى سياسية لتنجح أيضاً. أقول دوماً إن البيئة هي خير مثال على ذلك.

وتيرة التراجع عن العولمة ستحدد وقع تفاقم تلك المخاطر، مررنا بعقود اقترب فيها العالم بعضه من بعض أكثر فأكثر، إنها قوة انكماشية جبارة. كنت دوماً تأخذ السلع والخدمات التي تنتج وتنقلها إلى أرخص مكان ممكن، وهذا جعل العالم كله رخيصاً، دوماً تجلب مزيداً من العمالة، وكانت هذه إحدى الرياح الانكماشية القوية التي سمحت للبنوك المركزية بالاستمرار في التدخل وتخفيف حدة الأمور عندما تشتد.

العامل المجهول الأكبر هنا بالطبع هو مدى تعقُّد العلاقة مع الصين، فالصين جزء لا يتجزأ من سلاسل التوريد، فرق كبير بين الاضطرار إلى قطع سلاسل التوريد بدرجة طفيفة أو فصلها تماماً عن الصين، وقد يمثل ذلك حدثاً تضخمياً من شأنه أن يفاقم الوضع كله بشكل ملحوظ.

أين العمال؟

هنري مكفي

المدير التنفيذي للاستثمار، "كيه كيه آر آند كوس بالانس شيت"

ما حدث منذ الجائحة هو أننا رأينا قلة من العائدين إلى سوق العمل، وربما ظهر ذلك بصورة أوضح في الولايات المتحدة، لكن حتى الدول مثل الصين انخفض عدد سكانها في 2022، وترتب على ذلك آثار هائلة، لا في المجتمع وحده، بل أيضاً في الشركات وطريقة تقييمها. إذا كانت القوة العاملة لديك بها عدد أقل من الناس، فالأرجح أنك ستقدم إعانات حكومية أكثر للعاطلين عن العمل.

لكن في الحقيقة يوجد كثير من قصص النجاح التي تدور عن العمالة، فكثير من الدول -خصوصاً في أوروبا- لا تكتفي فقط بالسعي للحفاظ على العامل، لكنها تفعل المزيد، وهذا لا يحدث فعلياً في الولايات المتحدة.

هنري مكفي
هنري مكفي المصدر: بلومبرغ

تنفق الولايات المتحدة حالياً على العمالة نحو 17% مما تنفقه ألمانيا، وما يقارب 5% مما تنفقه الدنمارك عليها. وعبر التاريخ، فإنّ أفضل الاقتصادات وأفضل المجتمعات هي التي يشارك فيها العمال، إذ يعملون ويتلقون أجراً ويشعرون بالرضا عن عملهم.

ارتفاع طلبات إعانة البطالة في الولايات المتحدة للمرة الأولى في 6 أسابيع

الناتج المحلي الإجمالي يساوي حاصل ضرب نسبة النمو في القوة العاملة في الإنتاجية، ففي العقد الأول من الألفية الثالثة كانت نسبة نمو القوة العاملة 1.2%، اليوم أصبحت أقل من نصف هذه النسبة، وهذا انخفاض هائل، لذا إذا لم يكن لديك إلا عاملان متغيران يمكنك التحكم فيهما، فستحظى الإنتاجية باهتمام كبير.

في النهاية، نحن في عالم بطيء النمو، عالم يزيد فيه قلقك، فيه العمال يشعرون بحرمانهم من حقوقهم، وفي النهاية يزيد ذلك من العبء على الحكومة، والأرجح أن يحدث مزيد من التوتر السياسي، وكلها تداعيات ضخمة.

إنّ الخطر الوشيك ليس انتفاضة شعبوية، فنعيش في عالم تجاوزت فيه أرباح الشركات الناتج العام الإجمالي، بل وقد نصل إلى مرحلة قد تبطئ فيها أرباح الشركات الناتج العام الإجمالي إذا لم تدرك الشركات كيفية معالجة قضية العمالة، فالقوة العاملة –في جوهر الأمر- هي أهم مدخلات الإنتاج، إذ إنها من الهوامش التي تضعها في جانب التكاليف، لذا حتى إذا كان لديك الإيرادات، وإذا لم تستخدم تكاليفك على نحو صحيح، فلن تملك أي تدفق نقدي حر، وهذه مشكلة كبيرة.

نأمل أن يتراجع التضخم وأن تعود الأجور الحقيقية إلى وضعها الإيجابي ليتمكن الموظفون من شراء مزيد من السلع الغذائية وزيادة إنفاقهم على التعليم، وتوفير ما يريدون تقديمه لأسرهم، لكن هذا لم يحدث رغم حقيقة أن الأجور ما زالت تزيد ما بين 5 و6% على مستوى الأسرة. هذا سيمكن الشركات من الوصول إلى رؤية أكبر لما يدفعونه لموظفيهم، ونأمل أن تمدد فترة عمل موظفيها. حالياً، يتحمل أصحاب الأعمال تكاليف استبدال هائلة لأن الناس تغير وظائفها بوتيرة قياسية.

علينا أن نصل في النهاية إلى نقطة تشهد فيها المعدلات ارتفاعاً طفيفاً وتكون الأجور الحقيقية فيها موجبة، إنّ ذلك أحد أسباب هذا التوتر الكبير، لأن ذلك لن ينتهي. قد يتحسن الوضع إذا قلت إنّ نسبة المشاركة في القوة العاملة ستعود إلى 68%، وإنّ هناك كثيراً من الموظفين المؤهلين، لكن هذا ليس ما نتوقعه، نقول إنّ هذه الظاهرة ستستمر معنا، لا في 2023 فقط، بل الواضح إنها ستستمر لخمسة أو عشرة أعوام قادمة، إذ يجب على أصحاب الأعمال والمستثمرين والموظفين، بل والجميع، التفكير في كيفية الحصول على المزيج المناسب.

المخاطر المناخية تؤجج التضخم

سايرا ماليك

المدير التنفيذي للاستثمار، "نوفين" (Nuveen)

يقلقني التغير المناخي والمسار الذي نسلكه لخفض الانبعاثات، وهذا سيؤثر في 3 مجالات أساسية: الأصول الحقيقية والاقتصاد والتضخم.

قلقنا بشأن الأصول الحقيقية سببه أنها جزء من المشكلة والحل، فالأراضي الزراعية والزراعة والعقارات هي بعض أكبر مسببي الانبعاثات، أما البنية التحتية فهي جزء من الحل في إطار التحول إلى الطاقة النظيفة.

عندما تنظر إلى التضخم سيحدث نقص في مدخلات إنتاج الطاقة النظيفة والطاقة التقليدية، والمفترض أن هذا سيزيد ارتفاع التضخم في المستقبل.

سيتأثر الاقتصاد بالتقلبات الناتجة عن التغير المناخي والصراعات الجيوسياسية، إذ قد لا يوافق بعض الدول على مسار خفض الانبعاثات، كما يوجد مساهمون يعبرون عن استيائهم من طريقة تفكير الشركات في الإنفاق الرأسمالي بالانسحاب.

طريق التحول من الطاقة التقليدية إلى الطاقة المتجددة سيكون شاقاً، فما زلنا سنحتاج إلى النفط، نظن أن الأسعار ما زالت مرتفعة عن متوسط الأسعار السابقة التي تراوحت ما بين 60 و80 دولاراً للبرميل، بل حتى مع ارتفاعه إلى 100 دولار، فهذا تأثير تضخمي.

لماذا تثير إعانات بايدن للصناعات الخضراء غضب حلفاء أميركا؟

معادن الكوبلت والنحاس والليثيوم والنيكل تدخل في توليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وإنشاء البنية التحتية لشبكة الكهرباء والمركبات والبطاريات الهجينة، وفي الأعوام الخمسة والعشرين الماضية انخفض إنتاج الولايات المتحدة من النحاس بنحو 50%، لكننا نتوقع تضاعف الطلب عليه بحلول 2035 نظراً إلى الطلب على الطاقة المتجددة، فالمدة التي يستغرقها منجم النحاس منذ اكتشافه حتى بدء الإنتاج هي 16 عاماً، لذلك فالتضخم في أسعار المعادن والنفط سيزيد حدة مشكلة التضخم المرتفع التي نعانيها.

لدينا كثير من الإيجابيات، مثل قانون خفض التضخم، أكبر تشريعات المناخ في التاريخ، واتفاق باريس الذي يستهدف صافي انبعاثات صفري بحلول 2050، لكن تحقيق ذلك الهدف يتطلب تحولاً كاملاً لاقتصادنا، وهناك مجالات كثيرة لم نستعدّ فيها لهذا التحول.

الأرض الزراعية والعقارات أصلان مهمّان لأنهما أكبر مسببي الانبعاثات، فالأراضي الزراعية مسؤولة عن 20% من الغازات الدفيئة وتُعَدّ جهة العمل الأولى في العالم. أما العقارات فهي مسؤولة عن نحو 40% من الانبعاثات في العالم، و80% من المباني الموجودة حالياً ستظل قائمة في 2050، لذلك يدور الأمر حول تحويل مبانيك إلى مبانٍ منخفضة الانبعاثات بدلاً من مجرد تشييد مبانٍ خضراء جديدة، وقد تصل تكلفة ذلك التحول على الشركات العقارية إلى 20% من قيمة الأصل الصافية للمبنى لتحويله إلى منخفض الكربون.

الخطر يتمثل في ما ستخسره الشركات إذا لم تواكب ذلك، فالشركات التي تسير في اتجاه تقليص الكربون تبحث عن وسيلة لسدّ فجوة التكلفة الإضافية، هذه الشركات ستكون الفائزة، أما من لا تفعل فسينتهي بها الأمر بمواجهة ارتفاع في تكاليف التمويل وزيادة الأصول التي يهجرها المستثمرون وستتخلف عن الركب.