شبح الديون المتعثرة يهدد المطورين العقاريين في إندونيسيا

أكبر 4 شركات إنشاءات في البلاد تضاعفت ديونها أكثر من 12 مرة إلى 8.6 مليار دولار

أحد أجزاء مشروع السكك الحديدية فائق السرعة بين جاكرتا وباندونغ تحت الإنشاء، بمحاذاة الطريق السريع في بيكاسي، غرب جاوا، بإندونيسيا.
أحد أجزاء مشروع السكك الحديدية فائق السرعة بين جاكرتا وباندونغ تحت الإنشاء، بمحاذاة الطريق السريع في بيكاسي، غرب جاوا، بإندونيسيا. المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تستهدف إندونيسيا أن يكون إنشاء الطريق السريع حول جاوا مقابل رسوم للعبور، بطول 1167 كيلومتراً (725 ميلاً) والممتد حول الجزيرة الرئيسية في البلاد، جزءاً من الحافز لمشروعات البنية التحتية التي حددها الرئيس جوكو ويدودو والتي تساهم في دخول اقتصاد الدولة إلى القرن الحادي والعشرين.

مع ذلك، يُعدّ المشروع بالنسبة إلى متابعي أسواق الدين في البلاد، جنباً إلى جنب مع الاستثمارات الكبيرة المماثلة الأخرى أيضاً، دليلاً على طفرة الإنفاق الهائلة على مدى العقد الماضي من قبل أكبر شركات البناء والتطوير العقاري في إندونيسيا، والتي أصبح الكثير منها حالياً مثقلاً بالديون للغاية وتواجهها آجال استحقاق قريبة.

الأسواق الناشئة الأكثر تعرضاً لمخاطر التخلف عن سداد الديون

ارتفع إجمالي ديون أكبر أربع شركات إنشاءات في البلاد، بما في ذلك شركة البناء الرئيسية للطرق "بي تي واسكيتا كاريا" (PT Waskita Karya) المملوكة للدولة، بأكثر من 12 ضعفاً إلى ما يقرب من 130 تريليون روبية (8.6 مليار دولار) منذ تولي الرئيس "جوكوي" -المعروف بهذا الاسم- مقاليد الأمور في البلاد.

على الرغم من إعادة هيكلة قروض مصرفية بقيمة 29 تريليون روبية خلال 2021، ناشدت "واسكيتا كاريا" جاكرتا من أجل ضخ رأس مال جديد. تعمل شركات التطوير العقاري الخاصة أيضاً على التوفيق بين التزاماتها المتزايدة، على النحو نفسه الذي يؤدي من خلاله ارتفاع أسعار الفائدة إلى استنزاف الطلب.

إندونيسيا تبدأ إنشاء عاصمتها الجديدة "نوسانتارا" بـ34 مليار دولار

عدوى أزمة الشركات الصينية والكورية

حالات المعاناة هذه تُذكّر بعض المحللين والمستثمرين بأزمات الديون الكبيرة التي عانت منها شركات في الصين وكوريا الجنوبية العام الماضي، وتركّزت على المطورين العقاريين في البلدين. بينما يلاحظون سريعاً الاختلافات الكبيرة بين الحالتين، يحذّر بعضهم من أنها قد تكون مسألة وقت فقط قبل أن تسري عدوى الضغط المالي بشكل أكبر بين الشركات الإندونيسية، مما يؤجج بؤرة محتملة أخرى لاندلاع مأساة في آسيا.

قال جون تيجا، مدير شركة "بي تي سيبتادانا سيكوريتاس آسيا" (PT Ciptadana Sekuritas Asia): "حجم الديون التي تراكمت من قبل شركات البناء في إندونيسيا تشابه ما حدث في بلدان أخرى، مثل قطاع العقارات في الصين. يتعين اتخاذ إجراء ما هذا العام، وإلا قد تنتشر المشكلة إلى قطاعات أخرى مثل الموردين والبائعين".

ذروة ديون "واسكيتا كاريا"

يمكن أن تصل مشكلات ديون "واسكيتا كاريا" إلى ذروتها سريعاً، إذ إن لديها سندات محلية مستحقة بقيمة 2.3 تريليون روبية في وقت لاحق من الشهر الجاري، و2.4 تريليون روبية أخرى مستحقة بحلول مايو 2024، وفقاً لبيانات جمعتها "بلومبرغ".

أزمة العقارات الصينية تعرّض ديوناً بـ1.6 تريليون دولار للخطر

عند سؤاله عن الوضع العالم لديون الشركة، أجاب رئيس الشركة ديستياوان سويواردجونو: "أبحث عن تمويل طويل الأجل من الخارج حتى يكون لدينا متنفس أكبر ومدة أطول لإعادة ترتيب مواردنا المالية".

وفيما يتعلق بآجال استحقاق السندات المقبلة هذا العام، قال إن الشركة ستبذل قصارى جهدها لتسوية الالتزامات وستواصل التنسيق بشكل مكثف مع أصحاب المصلحة والوزارات ذات الصلة.

يأتي ذلك فيما تسعى الشركة لاستئناف إصدار حقوق مؤجّلة بقيمة 3 تريليونات روبية للحكومة بحلول منتصف العام، مع مراجعة اتفاقية إعادة الهيكلة مع بنوك الإقراض، والدخول في شراكات استراتيجية لأصول الطرق التابعة لها من أجل تحسين السيولة وخفض أعباء ديونها.

من جانبها، قالت كارتيكا ويرجواتموجو، نائبة وزير الشركات الحكومية، ردّاً على سؤال بشأن "واسكيتا كاريا": "نبذل جهوداً من أجل إعادة هيكلة جوهرية للشركة".

منافسة على السدود والقطارات

تتنافس الشركة، التي تُتداول أسهمها في البورصة الإندونيسية لكنها مملوكة للحكومة بحصة الأغلبية، مع مجموعة من الشركات الأخرى المدعومة من الدولة من أجل الحصول على عقود عامة لبناء مشاريع البنية التحتية وتشغيلها في كثير من الأحيان، مثل السدود وخطوط السكك الحديدية التي تبلغ قيمتها تريليونات الروبية. تُعدّ احتياجات رأس المال العامل مكثفة، حيث عانت "واسكيتا كاريا" وشركات أخرى في السنوات الأخيرة من أجل إدارة حالات عدم التوافق بين المدفوعات للمقاولين من الباطن والمدفوعات من الحكومة.

في عام 2021، أعادت الشركة هيكلة قروض بقيمة 29 تريليون روبية، حصلت على معظمها من جهات إقراض مملوكة للدولة. في العام التالي، دخلت وحدة "بي تي واسكيتا بيتون بريكاست" (PT Waskita Beton Precast)، التابعة لها التي كانت لديها التزامات بمليارات الروبية، في خطة إعادة هيكلة منفصلة لديونها.

وصلت التزامات "واسكيتا كاريا" طويلة الأجل إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 62 تريليون روبية في نهاية الربع الثالث من السنة المالية، وتجاوزت تكلفتها المالية، التي تشمل مصاريف الفوائد على سنداتها وقروضها، ثلاثة أضعاف إجمالي أرباحها.

صندوق إندونيسيا السيادي يتطلع لرفع استثماراته إلى 200 مليار دولار بحلول 2024

دفعت الالتزامات المتضخمة إجمالي نسبة الدين إلى حقوق الملكية للشركة إلى 440% اعتباراً من نهاية 2021، وفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ". يأتي هذا بالمقارنة مع 42% لشركة "بي تي سيمين إندونيسيا" (PT Semen Indonesia) المملوكة للدولة، وهي أكبر منتج للأسمنت في البلاد، ونسبة 37% بالنسبة إلى شركة "بي تي شاندرا أسري بتروكيميكال" (PT Chandra Asri Petrochemical)، التي تُعدّ أحد أكبر منتجي البتروكيماويات في جنوب شرق آسيا.

مخاطر سداد الديون

خفضت شركة التصنيف الائتماني الإندونيسية "بيفيندو" (Pefindo) تصنيف الشركة إلى الدرجة (BBB-) من(BBB) الشهر الماضي ووضعتها تحت المراقبة لمزيد من التخفيضات، وأشارت إلى مخاطر السداد المرتبطة بالاستحقاق القادم للسندات.

قال تيدي هاريانتو، كبير محللي الائتمان في "بي تي مانديري سيكوريتاس" (PT Mandiri Sekuritas): "على الرغم من خفض التصنيف الأخير وتدهور ظروف التشغيل في واسكيتا، لا أعتقد أنه سيكون من مصلحة الحكومة ترك هذه الشركة تفشل. بسبب حجمها الهائل، يمكن أن يتسبب فشلها في مخاطر عدوى كبيرة".

"واسكيتا" ليست شركة التطوير العقاري الوحيدة التي تواجه ضغوطاً مالية، فقد أتمّت شركة التطوير العقاري "بي تي كاواسان إندستري جابابيكا" (PT Kawasan Industri Jababeka)، التي تدير مجمعاً صناعياً شرق جاكرتا بحجم مانهاتن تقريباً، صفقة تبادل ديون متعثرة في ديسمبر الماضي مع حاملي سندات دولارية مستحقة في 2023 والتي أتاحت لها تمديد استحقاق الدين حتى عام 2027.

تُتداول السندات الجديدة بنحو 77 سنتاً على الدولار، وفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ".

"غوتو" الإندونيسية تتفاوض مع المستثمرين لتنسيق بيع الأسهم

الألم يطال شركات العقارات السكنية

كذلك تشعر شركات تطوير العقارات السكنية بضغوط، ومنها شركتا "بي تي ليبو كاراواسي" (PT Lippo Karawaci) و"بي تي أغونغ بودومور" (PT Agung Podomoro) اللتان تعملان على توفيق أعباء الديون الكبيرة وتضعفان المبيعات وسط أسعار فائدة مرتفعة وتضخم وتباطؤ بالنشاط الاقتصادي، وفقاً لما ذكرته "هاسيرا دي سيلفا"، كبيرة المديرين في وكالة التصنيف الائتماني "فيتش" (Fitch Ratings).

من جانبه، قال تينغ مينغ، كبير محللي الائتمان في مجموعة "أستراليا ونيوزيلندا المصرفية المحدودة"، إن القطاع مؤهل لأن يواجه ضغوط الائتمان.

أضاف: "تمثل أسواق العقارات الإندونيسية والفيتنامية أكبر المخاطر بالنسبة إلى المستثمرين في سوق سندات الشركات الآسيوية".

لم يردّ ممثلو "جابابيكا" على طلبات للتعليق على الأمر، وكذلك لم يرد المتحدث باسم "أغونغ بودومورو" على المكالمات والرسائل النصية. قال راندي بايو براتاما، رئيس علاقات المستثمرين في "ليبو كاراواسي": "كشفنا سابقاً خلال مكالمات بشأن الأرباح والإفصاحات المطلوبة عن جميع جهود الشركة وخططها".

حتى في حال تمكّنت "واسكيتا كاريا" من توفير أموال إضافية عبر إصدار حقوق في وقت لاحق من هذا العام، فإن بعض مراقبي السوق يقولون إنه إجراء مؤقت في أحسن الأحوال.

كانت الشركة قد سعت في العام الماضي إلى جمع 7 تريليونات روبية، منها 3 تريليونات روبية كانت ستأتي عن طريق الحكومة. تأجّلت هذه الخطة بعد أن انخفض سعر سهم الشركة بنسبة 29% خلال الربع الرابع. كما ألغت الشركة خططاً سابقة لإصدار ديون محلية بـ3.9 تريليون روبية، وفقاً لسويواردجونو. تعافت أسهم "واسكيتا كاريا" بنسبة 27% تقريباً منذ أن سجلت أدنى مستوى لها على الإطلاق في 11 يناير الماضي.

قالت تيجا من "سيبتادانا سيكوريتاس آسيا": "شركات البناء الحكومية في حاجة ماسّة إلى تمويل جديد أو ضخ رأس مال من قبل الحكومة. ولن تنجح مسألة ضخ 3 تريليونات روبية في واسكيتا إلا كحل مبدئي قصير المدى لأزمتها".