هل نكون جميعاً على خطأ في فهم أسعار الفائدة؟

بحث أكاديمي يُظهر أن الفترات التي تشهد انخفاض عمر السكان وليس ارتفاعه هي التي تتراجع فيها معدلات الفائدة

صورة من الخارج لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي
صورة من الخارج لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي المصدر: بلومبرغ
Allison Schrager
Allison Schrager

Allison Schrager is a Bloomberg Opinion columnist. She is a senior fellow at the Manhattan Institute and author of "An Economist Walks Into a Brothel: And Other Unexpected Places to Understand Risk."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يكثر القول إنَّ أسعار الفائدة ستعود إلى مستوياتها المتدنية قبل الجائحة، وربما تنخفض في المستقبل بمجرد أن يتجاوز اقتصادنا هذه الموجة الجامحة من التضخم. تعمل البنوك المركزية والمنظمات الدولية وجميع المؤسسات الاقتصادية تقريباً وفق هذا الافتراض على ما يبدو. لكن ماذا لو كان هذا الافتراض خطأً؟

الفكرة هي أنَّ ثمة "معدل فائدة طبيعياً" يتحكّم في تحديد الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والسوق لأسعار الفائدة، وهو يعكس إنتاجية الاقتصاد والعرض والطلب على السندات. ترى المؤسسات المالية الرائدة في العالم أنَّ المعدل الطبيعي كان يتجه نحو الانخفاض على مدى العقود القليلة الماضية لأسباب رئيسية منها تقدّم السكان في السن.

هذا ليس مجرد نقاش أكاديمي، فما يحمله بين طياته هو أنَّ الولايات المتحدة يمكن أن تستمر في الإنفاق لأنَّ أسعار الفائدة – معدل عشر سنوات يبلغ 3.5% حالياً- ستنخفض في النهاية إلى معدلات قريبة من الصفر مثلما كانت عليه في العقد الماضي، ولن تضطر الحكومات مطلقاً إلى أن تعبأ بديونها حقاً لأنَّ الاقتراض لن يكلفها الكثير.

مقدار رفع أسعار الفائدة مرهون ببيانات التضخم في أميركا

هذه الحجة طرحها في الآونة الأخير أوليفييه بلانشارد، أحد أكثر خبراء الاقتصاد الكلي تأثيراً في العالم. يعوّل القطاع الخاص أيضاً على تراجع معدلات الفائدة بعد أن يكبح الاحتياطي الفيدرالي جماح التضخم، مما يعني أنَّ الأموال المجانية (الخالية من الأعباء والتكاليف) والرهون العقارية الرخيصة ستعود قريباً.

علاقة الفائدة بعمر السكان

لكن ماذا لو لم يكن ذلك صحيحاً؟ ماذا لو كان انخفاض معدلات الفائدة خلال العقود القليلة الماضية مجرد شذوذ عن القاعدة، وأنَّ شيخوخة السكان ستعني معدلات أعلى لا أقل؟

يتساءل البحث الأخير الذي أعده كين روغوف، الأستاذ بجامعة هارفارد، عمّا إذا كانت معدلات الفائدة ستستمر في الانخفاض مع تقدّم السكان في العمر. تتجه أسعار الفائدة الحقيقية نحو الانخفاض إلى ما يقرب من الصفر، خاصة منذ الأزمة المالية، لكن لا يمكننا الاعتماد على استمرار هذا الاتجاه. أمعن "روغوف" وزملاؤه النظر في معدلات فائدة السنوات العشر على مدى 700 عام الماضية ليجدوا انخفاضاً طفيفاً وثابتاً، إذ أصبح العالم أكثر أماناً وتطورت الأسواق المالية.

كيف يبدو الاقتصاد العالمي حتى عام 2075؟ "غولدمان ساكس" يجيب

لكنَّهم وجدوا أيضاً أنَّ الفترات التي ارتفعت فيها معدلات الفائدة للغاية، أو التي انخفضت فيها بشدة كانت انحرافاً عن اتجاه طويل الأمد. وقد تستمر فترات الانحراف تلك لعدة سنوات، وهم يذهبون إلى أنَّ السنوات الـ15 الماضية كانت واحدة من تلك الفترات، وليست جزءاً من مسار مستدام.

ويقدرون أيضاً أنَّه، تاريخياً، كانت الفترات التي تشهد انخفاض عمر السكان وليس ارتفاعه هي التي تتراجع فيها معدلات الفائدة. وبناء عليه؛ فإنَّ تزامن شيخوخة السكان مع انخفاض معدلات الفائدة في العقود القليلة الماضية كان مجرد صدفة.

التكنولوجيا تغير المعادلة

اكتسبت النظرية القائلة بأنَّ شيخوخة السكان تعني انخفاض أسعار الفائدة قوة في السنوات الثلاثين الماضية مع تراجع الأسعار وتقدّم جيل الطفرة السكانية في العمر. والسبب هو أنَّ الأشخاص يدّخرون أكثر مع زيادة سنهم. ومع زيادة متوسط العمر المتوقَّع؛ فإنَّهم بحاجة إلى تمويل فترة تقاعد أطول. هناك أيضاً فكرة أنَّه مع وجود عدد أقل وأكبر سناً من العاملين؛ سيكون الاقتصاد أقل إنتاجية، وهذا يعني أنَّ العائد على رأس المال (أو أسعار الفائدة بشكل أساسي) سينخفض أيضاً.

السباق العالمي لرفع أسعار الفائدة يدفع الاقتصاد نحو الركود

تبدو هذه الحجج منطقية، لكنَّها قد لا تصمد طويلاً مثلما يذهب بحث "روغوف".

أولاً: ليس هناك يقين بشأن الإنتاجية المستقبلية في بيئة تشهد تغيراً تكنولوجياً مستمراً. فالاقتصاديون يفترضون أنَّ السكان الأكبر سناً أقل إنتاجية، لكن مع ظهور العديد من التقنيات الجديدة؛ هناك أسباب للاعتقاد بأنَّ الإنتاجية ستزداد وترفع معها أسعار الفائدة.

ثانياً: لا يدخر الناس في العديد من البلدان المتقدّمة ما يكفي للتقاعد. وسيصبحون في السنوات الـ10 إلى الـ15 المقبلة أكثر اعتماداً على الدولة لدفع تكاليف استهلاكهم ورعايتهم الطبية، غير أنَّ الحكومات لا تدخر من باب الاحتياط لذلك، وإنما تفعل العكس من خلال زيادة الإنفاق.

دور الحكومات

ما لم تفكر الحكومات في تخفيض أسعار الفائدة، وهو أمر غير مرجح إلى حد بعيد فيما يبدو ( تابع خطاب حالة الاتحاد ليل الثلاثاء)؛ فستحتاج إلى الاقتراض لتمويل مدفوعات سكانها المسنين وإغراق السوق بمزيد من السندات. هذا من شأنه زيادة معدلات الفائدة. بل إنَّ صندوق النقد الدولي (أحد مؤيدي نظرية انخفاض أسعار الفائدة) يقر أنَّ أي زيادة في الادخار من جانب الأسر التي تطمح إلى التقاعد يمكن أن تتلاشى أمام مزيد من الاقتراض الحكومي. وهذا يجعل التنبؤ بمستقبل أسعار الفائدة أكثر صعوبة.

جيروم باول: هناك حاجة لمزيد من رفع أسعار الفائدة

يجب أن نشعر بالقلق أيضاً لأنَّ أسعار الفائدة تدل إلى حد بعيد على المخاطرة في السوق، وليست سعراً طبيعياً مجرداً فحسب. فهناك خطر أن تتخلف البلدان عن السداد، أو ألا يتسنى تسييل السندات، على الرغم من أنَّ هذه ليست مخاوف رئيسية في البلدان المتقدّمة.

لكنَّ الخطر الحقيقي يتمثل في أنَّ التضخم قد يكون أعلى وأكثر تقلباً في المستقبل. اتجهت الأسعار إلى الانخفاض في العقود القليلة الماضية لأسباب عديدة، لكن أحد الأسباب الرئيسية كان انخفاض التضخم بشده واستقراره لفترة كبيرة، مما أدى إلى خفض علاوة المخاطرة على السندات إلى الصفر. وقد تعني شيخوخة السكان ارتفاع معدلات التضخم في المستقبل، وهذا يعني أيضاً معدلات فائدة أعلى.

ماذا لو حدث العكس؟

مع ذلك؛ فإنَّ النظرية القائلة بأنَّ تقدّم السكان في العمر سيضمن انخفاض أسعار الفائدة في المستقبل تتكرر كثيراً. وهي من الأسباب الرئيسية التي تدفع بعض صانعي السياسة والمستثمرين لتوقُّع أن تعود معدلات الفائدة إلى مستويات ما قبل الجائحة، لكن إذا حدث العكس؛ فقد ينتهي الأمر بأسعار الفائدة للارتفاع، وسيتبين أنَّ كل شيء تقريباً كنا نفكر فيه بشأن السندات كان خاطئاً.