رقص المال في كرة القدم الإنجليزية ذو إيقاع عالي المخاطر

التأثير المشوه للتدفقات المالية أكبر مشكلة تواجه "البريمير ليغ" ومانشستر سيتي متهم بأكثر من 100 مخالفة

إنزو فرنانديز لاعب فريق تشيلسي خلال مباراة الدوري الإنجليزي الممتاز بين البلوز وفولهام على ملعب ستامفورد بريدج، 3 فبراير 2023، لندن، إنجلترا.
إنزو فرنانديز لاعب فريق تشيلسي خلال مباراة الدوري الإنجليزي الممتاز بين البلوز وفولهام على ملعب ستامفورد بريدج، 3 فبراير 2023، لندن، إنجلترا. المصدر: غيتي إيمجز
Matthew Brooker
Matthew Brooker

Matthew Brooker is an editor with Bloomberg Opinion. He previously was a columnist, editor and bureau chief for Bloomberg News. Before joining Bloomberg, he worked for the South China Morning Post. He is a CFA charterholder.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

"ما دامت الموسيقى تعزف، يجب أن تنهض وترقص".. هذا ما قاله الرئيس السابق لشركة "سيتي غروب"، تشاك برينس، في تعليقه الشهير عام 2007 على استمرار البنك في منح قروض لمؤسسات عالية الاستدانة، بينما تنتشر الهزات في سوق الرهن العقاري عالية المخاطر. يوفر هذا التعليق منظوراً مفيداً لدراسة حالة قطاع كرة القدم في بريطانيا، حيث لا تزال الموسيقى تعزف والكثير يرقص. لكن هذا لا يعني أن كل شيء على ما يرام.

تمثل كرة القدم الإنجليزية مفارقة غريبة، حيث حقق الدوري الإنجليزي الممتاز نجاحاً هائلاً، وهو أكثر الدوريات المحلية شعبية على مستوى العالم، ويحقق ما يقرب من ضعف عوائد ثاني أكبر دوري أوروبي، ويجني من حقوق البث في الخارج أكثر من دوري كرة القدم الأميركية (الذي ينظم عرضه السنوي، "سوبر باول"، اليوم الاثنين).

بات الدوري الإنجليزي الممتاز، الذي بدأ بهذا المسمى قبل 30 عاماً، نقطة جذب للاستثمار، وقد اجتذبت الأموال التي تدفقت عليه بعضاً من أفضل اللاعبين العالميين، من الأرجنتيني سيرجيو أغويرو إلى النرويجي إيرلينغ هالاند (لكن لم تجتذب الأفضل على الإطلاق، ليونيل ميسي، وهو الأرجنتيني الذي قضى معظم مسيرته المهنية في برشلونة بإسبانيا ويلعب الآن مع باريس سان جيرمان في فرنسا).

مانشستر سيتي ومخالفة القواعد

في بلد متعطش لقصص النجاح بمرحلة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، يُعد الدوري الإنجليزي الممتاز نجماً حقيقياً، بعد أن وسع هيمنته بسلاسة على الرغم من التوقعات بأن تواجه الأندية صعوبة أكثر في استقدام لاعبين من الخارج عقب خروج بريطانيا من الاتحاد. وقد يبدو هذا سبباً للاحتفاء بنموذج بريطاني عالمي. لكن الحديث الدائر في بريطانيا عن كرة القدم يغلفه القلق.

الدوري الإنجليزي الممتاز يحقق في الشؤون المالية لنادي "مانشستر سيتي

فقرار الدوري الإنجليزي الممتاز هذا الأسبوع باتهام مانشستر سيتي بأكثر من 100 مخالفة للقواعد المالية يعزز الانطباع بأن الصناعة تفتقر إلى الضوابط الفعالة وتحتاج إلى إصلاح شامل. ووصفت مراجعة بتكليف من الحكومة العام الماضي أسس اللعبة بأنها هشة ومعرضة لخطر الانهيار. كما أُعلنت اتهامات مانشستر سيتي، التي ينفيها النادي، قبل أيام من الموعد المقرر لكشف الحكومة النقاب عن ورقة اتهامات تستند إلى المراجعة. غير أن إصدارها تأجل لوقت لاحق هذا الشهر (لأسباب غير ذات صلة، وفقاً لتقارير في وسائل الإعلام البريطانية).

تأثير التدفقات المالية

تكمن المشكلة الجذرية التي تواجه اللعبة في التأثير المشوِّه للتدفقات المالية الهائلة التي اجتذبها الدوري الإنجليزي الممتاز. ودائماً ما كانت أندية كرة القدم في بريطانيا "لعبة" أصحاب الأعمال الأثرياء وحكراً عليهم.

لكن ما تغير في عصر العولمة هو أن الأثرياء يزدادون ثراء، وغالباً ما يأتون من الخارج. فقد كسر تشيلسي، المملوك لتود بويلي المشارك في ملكية نادي لوس أنجلوس ليكرز، الرقم القياسي في سوق الانتقالات البريطانية الشهر الماضي بدفع 106.8 مليون جنيه إسترليني (129 مليون دولار) مقابل إنزو فرنانديز لاعب بنفيكا. وقبل 44 عاماً، أحدثت نوتنغهام فورست ضجة كبيرة عندما جعل تريفور فرانسيس أول لاعب كرة قدم تبلغ قيمة شرائه مليون جنيه إسترليني، أي ما يعادل 6.5 مليون جنيه إسترليني فقط حالياً. وتقدر قيمة فريق مانشستر سيتي المملوك لأبوظبي بأكثر من 900 مليون جنيه إسترليني.

الدوري الإنجليزي الأكثر إنفاقاً على انتقالات اللاعبين خلال الصيف

يمكن القول إن إنفاق مبلغ كبير بهذا الحجم هو ضريبة التنافس على أعلى مستوى. وبالنسبة للمليارديرات الذين ينغمسون في شغفهم أو الجهات الحكومية التي تتطلع إلى تحسين صورتها الدولية (إلى جانب أبو ظبي، فإن صندوق الثروة السيادية السعودي هو أيضاً مالك نادي في الدوري الممتاز، حيث اشترى نيوكاسل يونايتد في 2021)، وقد لا يكون تحقيق عائد اقتصادي من هذه الاستثمارات هو الاعتبار الأساسي. مبعث القلق إذاً هو مدى تأثير هذا الإنفاق على بقية منظومة كرة القدم. فهو يرفع المستوى للجميع، ما يضغط على الأندية الأصغر لتجهد نفسها مالياً كي لا تتخلف عن الركب. وبدون وجود متبرع ثري يتحمل الخسائر، يصبح هذا المسار محفوفاً بالمخاطر بالنسبة للفرق الضعيفة من الناحية المالية.

الأجور والإيرادات

يتجلى أوضح مثال على هذا الخطر في معدلات الأجور والإيرادات. يشير التحليل الذي أجراه الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، الهيئة الحاكمة لكرة القدم الأوروبية، إلى أن إجمالي الأجور كنسبة من الإيرادات ينبغي ألا يتجاوز 70% إذا كانت للنادي فرصة للوصول لنقطة التعادل بين الإيرادات والمصروفات. في الدوري الإنجليزي الممتاز، كانت النسبة 71% في موسم 2020-21 انخفاضاً من 73% قبلها بعام، وفقاً لأرقام مؤسسة "ديلويت" (Deloitte).

إيرادات الدوري الإنجليزي الممتاز تتجه نحو 6 مليارات جنيه إسترليني

بالنسبة لدوري الدرجة الثانية في إنجلترا، ارتفعت النسبة إلى 125% مقارنة بـ120% سابقاً. والواضح أن هذا لا يمكن تحمله واستمراره. فقد سجلت أندية دوري الدرجة الثانية خسائر قبل احتساب الضرائب على مدى السنوات الخمس الماضية. وقالت "ديلويت" في آخر مراجعة سنوية لتمويل كرة القدم "لا يمكن أن يكون هناك شك الآن في أن التغيير الكبير مطلوب لدفع الاستدامة على المدى الطويل، دون الحاجة إلى تمويل المالك المستمر على هذا المستوى".

لم يقتصر تأثير هذا الأمر على إنجلترا وحسب، وإنما ينتشر عبر أوروبا أيضاً، حيث تضاعف إنفاق أندية الدوري الإنجليزي الممتاز على الانتقالات ليصل إلى 2.8 مليار جنيه إسترليني هذا الموسم. وفي فترة انتقالات يناير، كان ما أنفقه تشيلسي إجمالاً أكبر مما أنقته جميع الأندية في الدوري الألماني (بوندسليغا)، ونظيره الإسباني (لا ليغا) والإيطالي (سيرا إيه) والفرنسي (ليغ1). بل إن نفقات الدوري الإنجليزي الممتاز دفعت رئيس الدوري الإسباني خافيير تيباس إلى وصف بريطانيا بـ"سوق منشطات اقتصادية" يمكن أن يعرّض استدامة كرة القدم الأوروبية للخطر.

محاولة للإصلاح

يمكن النظر إلى معاقبة مانشستر سيتي، أكثر الأندية نجاحاً في الدوري الإنجليزي خلال العقد الماضي، على أنها محاولة من قبل الدوري "البريمير ليغ" لإثبات أنه يمكنه ترتيب "البيت من الداخل" قبل أن تُفرض عليه اللوائح من الخارج. لكن من المحتمل أن تكون أي آمال من هذا القبيل يائسة. فقد أقرت الحكومة بالفعل المراجعة التي قادها المشجعون لعام 2021، وكانت توصيتها الرئيسية هي إنشاء جهة تنظيمية مستقلة لقطاع كرة القدم.

المشجعون خائفون من إفساد المالكين الأمريكيين كرة القدم البريطانية

ولا يمكن التعامل مع كرة القدم على اعتبار أنها مجرد صناعة. فالأندية ليست أعمالاً تجارية وحسب، وإنما هي مؤسسات اجتماعية وجزء من نسيج المجتمعات وأصوله الثقافية والتراثية. لذلك؛ فإن إفلاسها أمر بالغ الخطورة.

يرجع إجراء هذه المراجعة لعدة أسباب، من بينها انهيار نادي بيري خلال 19-2018، وهو ناد تأسس عام 1885 وعاصر عدة حروب وأكثر من 20 رئيس وزراء، وكان لاختفائه "تأثيرٌ مدمرٌ" على الاقتصاد المحلي، وفقاً للتقرير.

ختاماً، يصعب التنبؤ بكيفية استمرار عمالقة الدوري الإنجليزي الممتاز في الازدهار إذا قوضوا نظام كرة القدم الذي يدعم سلامة الجميع وبقائهم. ومن شأن تنظيم أفضل وترتيبات أكثر عدلاً لتقاسم الإيرادات مع الأندية الأصغر أن يضع اللعبة على أسس أكثر أماناً. وسيكون من الأفضل التحرك قبل فوات الأوان.