على البنك الدولي اتخاذ إجراءات أكثر جرأة إزاء تغير المناخ

البنك يتخلف عن الركب وغير متوافق مع اتفاقية باريس للمناخ ويجب أن يتحرك بسرعة أكبر

مقر مجموعة البنك الدولي في واشنطن العاصمة، الولايات المتحدة
مقر مجموعة البنك الدولي في واشنطن العاصمة، الولايات المتحدة المصدر: بلومبرغ
Michael R. Bloomberg
Michael R. Bloomberg

Michael R. Bloomberg is the founder and majority owner of Bloomberg LP, the parent company of Bloomberg News, and UN Special Envoy on Climate Ambition and Solutions.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

ينفد الوقت أمام البنك الدولي للاضطلاع بالريادة في ما يخص تغير المناخ، وهو دور نحتاج منه إلى أن يلعبه. وبينما يتعين على جميع بنوك التنمية متعددة الجنسيات أن تفعل المزيد، فإن البنك الدولي على وجه الخصوص يتخلف عن الركب، ولا يزال غير متوافق مع اتفاقية باريس للمناخ. الخبر السار هو أن ما يجب تغييره في البنك واضح، وهو يتحرك في الاتجاه الصحيح على ما يبدو. لكن يجب أن يتحرك بجرأة وسرعة أكبر.

إنّ جوهر مهمة البنك الدولي -التي تركز على الحد من الفقر وزيادة التنمية الاقتصادية- مهدد بشدة جراء تغير المناخ. ومع زيادة درجات الحرارة وتفاقم الطقس المتطرف، سيعاني العالم النامي على نحو متزايد من أسوأ الأضرار الناجمة عن ذلك، ما يجعل من الصعب على البلدان تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وعليه، فإن إتاحة البنك الوصول إلى الطاقة النظيفة والموثوقة والميسورة التكلفة في صميم عمله، وهي الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها أداء مهمته المتمثلة في دعم التنمية الاقتصادية وتحسين جودة الحياة.

في حين أن عدة دول نامية حريصة على التخلي عن الوقود الأحفوري، فإنها لا تحصل على الدعم الذي تحتاج إليه من البنك الدولي وبنوك التنمية الأخرى. وفي قمة الأمم المتحدة للمناخ "كوب27" التي عُقدت في نوفمبر الماضي كانت إحدى نقاط الإجماع القليلة هي ضرورة إدراج بنوك التنمية الحاجة الملحة إلى التحرك إزاء تغير المناخ في نماذج الإقراض الخاصة بها. وفي الفترة التي سبقت القمة أوصت دول مجموعة العشرين بإجراء تغييرات على بنوك التنمية من شأنها تسهيل تدفق رؤوس الأموال على المشروعات المتعلقة بالمناخ. وقبل أشهُر، قدمت المجموعات البيئية الرائدة توصياتها الخاصة بهذه التغييرات.

دور بنوك التنمية

لن يكون تكيف أي مؤسسة كبيرة مع المشهد المتغير سهلاً، لكن تاريخ البنك الدولي -الذي ظهر إلى الوجود للمساعدة في إعادة بناء البلدان التي دمّرتها الحرب العالمية الثانية- يبرز قوة بنوك التنمية متعددة الجنسيات في مواجهة التحديات العالمية. ولا يوجد تحدّ أكبر أو يتطلب مزيداً من التعاون والتنسيق الدوليين من تغير المناخ.

أيضاً يوجد تداخل واسع في التغييرات التي تدعو إليها المجموعات البيئية واقتصاديون، مثل لاري سمرز، وقادة مؤسسات مالية كبرى، ومبادرة بريدجتاون، بقيادة رئيسة وزراء بربادوس ميا موتلي، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يخطط لعقد قمة بشأن اتفاقية مالية عالمية جديدة في يونيو المقبل. ويمكن اتخاذ بعض الخطوات على الفور، مثل إتاحة البيانات التي يجري جمعها بشأن مخاطر الائتمان للمستثمرين الخارجيين -وهو أمر يجب على جميع بنوك التنمية القيام به- ما يساعد المستثمرين على تقييم الفرص في البلدان التي يفتقرون فيها إلى الخبرة. لكن هناك حاجة إلى مزيد من التغييرات الأساسية، وهي تنقسم إلى فئتين رئيسيتين: الطموح والمخاطرة.

جدل المناخ المعقّد: هل ستدفع الدول الغنية فاتورة الأضرار إلى البلدان النامية؟

أما بالنسبة إلى الطموح فقد وافق البنك الدولي على توجيه 35% من تمويله للمشروعات المتعلقة بالمناخ بحلول عام 2025. وهذه خطوة إلى الأمام، لكنها ليست كافية، وبالمقارنة حدد البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية وبنوك تنمية أوروبية أهدافها عند 50%.

قدمت 550 مؤسسة مالية يتألف منها تحالف "جفانز" (أو تحالف "جلاسكو" من أجل صافي الانبعاثات الصفرية)، بالإضافة إلى آلاف الشركات والمدن والمنظمات الأخرى، التزامات طموحة تجاه التخلص من الانبعاثات. ومن الأهمية بمكان أن يحذو البنك الدولي حذوها من خلال تحديد أهداف استثمارية أعلى وتخصيص مزيد من رأسماله للعمل بطرق تتماشى مع اتفاقية باريس، وزيادة حجم رأسمال القطاع الخاص الذي يحشده.

تغيير أنظمة الطاقة

الحقيقة هي أنه إذا لم تغير الأسواق الناشئة والبلدان النامية أنظمة الطاقة لديها فلن يتمكن العالم من تحقيق أهدافه بموجب اتفاقية باريس. ولا يمكن أن يحدث هذا التحول دون قدر هائل من الاستثمار في الطاقة المتجددة، الذي لا يستطيع القطاع العام ولا الخاص وحده توفيره. وبينما توقف البنك الدولي عن الاستثمار في المحطات التي تعمل بالفحم، فإنه لا يزال يدعم بناء محطات الغاز، دون اعتماد جداول زمنية لتحول الطاقة.

المغرب يحتاج إلى 3 مليارات دولار سنوياً لمجابهة تغير المناخ

أما في ما يخص المخاطرة، وفي العالم النامي على وجه الخصوص، فيمكن أن تواجه مشروعات الطاقة النظيفة عدداً من العقبات التي تدفع المستثمرين من القطاع الخاص إلى اعتبارها شديدة الخطورة، ومن ذلك مثلاً التصنيف الائتماني الضعيف، والمخاوف بشأن الاستقرار المالي أو السياسي لدولة ما، إضافة إلى عدم اليقين بشأن أسعار الصرف والخوف من التضخم. لكن يمكن التغلب على هذه العقبات إذا استُخدم التمويل العام كشكل من أشكال التأمين لمستثمري القطاع الخاص، عن طريق الحد من مخاطر الخسائر.

يمكن القيام بذلك، على سبيل المثال، من خلال جعل البنك الدولي هو الأول أو الثاني في قبول الخسائر إذا ثبت عدم نجاح الاستثمار، أو عن طريق ضمان القروض. ويتمتع البنك الدولي بالفعل بخبرة كبيرة في تقديم الضمانات لدعم الاستثمار العام والخاص في البلدان النامية. وكل ما يحتاج إليه هو فعل المزيد. فالهدف الأساسي من أي بنك ممول تمويلاً عامّاً هو قبول مخاطر لن يقدم عليها القطاع الخاص لتحقيق هدف يحمل منافع عامة واسعة النطاق.

من يدفع خسائر البنك الدولي؟

يرى منتقدون أن مستثمري القطاع الخاص ينبغي ألا يدفعوا خسائر البنك الدولي. ويجب بالتأكيد وجود وسائل حماية. لكن هذا النقد يتجاهل جميع المنافع العامة المصاحبة لقبول درجة أعلى من المخاطر، ويتعامل من منطلق أنه يمكن دفع مستثمري القطاع الخاص إلى قبول مخاطر أعلى لمجرد أن الجمهور يحتاج إلى أن يقبلوها. وهذا ليس العالم الحقيقي، إذ توجد قيود تنظيمية وائتمانية وغيرها من القيود الملزمة. والحوافز ضرورية ويمكن إطلاق التمويل على نطاق هائل، بالنظر إلى أن مئات المؤسسات المالية العالمية تبحث بنشاط عن فرص استثمارية تتماشى مع التحول إلى صافي الانبعاثات الصفرية.

بالطبع يودّ البنك الدولي أن تمنحه الدول مزيداً من رأس المال لتمويل المشروعات الخضراء. والمزيد من التمويل ضروري، لكن يجب أن يكون مصحوباً بالتزام من البنك لتحقيق الاستفادة القصوى منه، وذلك لجمع مزيد من رأس المال الخاص.

رمال سوداء باستثمارات 4 مليارات جنيه أحدث مبادرات مصر الخضراء

ختاماً، سيتطلب كل مجال من هذه المجالات إصلاحات للطرق التقليدية التي يتبعها البنك الدولي لممارسة الأعمال، وإحداث هذا النوع من التغيير في مؤسسة كبيرة ليس بالمهمة اليسيرة. لكن يمكن إنجازها، بل ويتعين أداؤها. ويجدر بالذكر هنا أن البنك أُنشئ من خلال القيادة الأميركية، لذا من الضروري أن تقود واشنطن المهمة في تغييره، حتى يتمكن من الارتقاء إلى مستوى التحدي الهائل الذي يواجه جيلنا، تماماً مثلما حدث بعد الحرب العالمية الثانية.