طفرة البناء في عهد بايدن ستكون مكلفة بلا داع

يعتزم الرئيس الأميركي إنفاق نصف تريليون دولار على البنية التحتية.. لكنّ خططه قد تعني مزيداً من الحمائية التجارية

الرئيس الأميركي جو بايدن خلال إلقائه خطاب الاتحاد في الكونغرس.
الرئيس الأميركي جو بايدن خلال إلقائه خطاب الاتحاد في الكونغرس. المصدر: غيتي إيمجيز
Matthew Yglesias
Matthew Yglesias

Matthew Yglesias writes the Slow Boring blog and newsletter. A co-founder of Vox and a former columnist for Slate, he is also host of "The Weeds" podcast and is the author, most recently, of "One Billion Americans."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

"اعتدنا أن تكون الولايات المتحدة صاحبة المركز الأول عالمياً في قطاع البنية التحتية، والآن هوت إلى المرتبة الـــ13". هكذا عبر الرئيس الأميركي جو بايدن عن أسفه الأسبوع الماضي على تراجع بلاده في هذا المجال. ثم أضاف مكرراً كما لو أنه لا يسعه تصديق ذلك أن "الولايات المتحدة في المرتبة الـــ13 في العالم في البنية التحتية".

يريد بايدن العودة إلى القمة، وهي فكرة جيدة، وبوسعه أن يفخر بأنه وقّع قانوناً لإنفاق أكثر من نصف تريليون دولار على طرق وجسور ومبان ومشروعات أخرى جديدة خلال السنوات العديدة المقبلة. لكنها فكرة سيئة أن تشترط تصنيع جميع مواد البناء هذه بداية من الخشب، والزجاج ، وألواح الجبس، وكابلات الألياف الضوئية، في أميركا مثلما أشار الأسبوع الماضي.

لن يُقاس نجاح قانون البنية التحتية الحاصل على تأييد الحزبين الديمقراطي والجمهوري، والذي وقّعه بايدن في 2021، بحجم الأموال التي تُنفق بموجبه، وإنما بحجم ما سيجري بناؤه. فالرئيس الأميركي يروق له الحديث عن إصلاح الطرق السريعة، وإزالة مستويات الرصاص السامة من إمدادات المياه، وإقامة محطات شحن السيارات الكهربائية، وتحديث السكك الحديدية للركاب في أميركا، غير أن ربط هذه المشروعات كلها بجدول أعمال حمائي لمواد البناء، لا يضمن سوى أن الولايات المتحدة ستحصل على أقل مما كان لها أن تحصل عليه لولا ذلك.

تكاليف بناء مرتفعة

تُعتبر تكاليف البنية التحتية القائمة في أميركا مرتفعة للغاية، ويجب أن يبحث زاكاري ليسكو، كبير خبراء بايدن الاقتصاديين في مكتب الإدارة والميزانية -والخبير المخضرم في هذا المجال- مع البيت الأبيض عن طرق لتقليل الروتين وتيسير المشروعات، بدلاً من زيادة التكاليف وإضافة مزيد من الإجراءات البيروقراطية.

الأسوأ من ذلك كله، أن نهج بايدن يستلزم قبول تكاليف أعلى دونما سبب حقيقي.

يؤيد الساسة تقليدياً سياسات حمائية غير فعّالة في محاولة لتوفير فرص العمل. قد يختلف الوضع بناءً على الحكمة من تلك الاستراتيجية في خضم ظروف الانكماش الاقتصادي. لكن مثلما تفاخر بايدن نفسه -بقدر من الإسهاب- خلال خطابه عن حالة الاتحاد، فإن الوظائف لا تعاني من النقص حالياً في الولايات المتحدة.

ارتفاع طلبات إعانة البطالة في الولايات المتحدة للمرة الأولى في 6 أسابيع

فمعدل البطالة في الولايات المتحدة يبلغ 3.4%، وهو أدنى مستوى منذ 50 عاماً، ويُعد إنجازاً استثنائياً. لكنه يعني أن توفير فرص العمل أصبح الآن غير ضروري، بل وقد يكون ضاراً كهدف من أهداف السياسة.

فكل عامل يُستعان به في قطع الأشجار، أو بناء وتركيب الألواح الجبسية، لهو عامل يُسحب من قطاع آخر مثل النقل بالشاحنات. وكل طن من الصلب الأميركي الصنع يُرسل إلى مشروعات الجسور، لهو طن يضلّ طريقه عن بناء الشقق.

قوة سوق العمل

سيزداد ضغط التكلفة ليس فقط على مشروعات البنية التحتية نفسها، ولكن على الاقتصاد الأوسع نطاقاً كذلك. هذا لا يعني العودة إلى ذلك النوع من التضخم المثير للقلق الذي شهده عام 2022، لكنه يعني مزيداً من الضغط على الاحتياطي الفيدرالي لرفع أسعار الفائدة من أجل إبقاء التضخم تحت السيطرة. ومع استمرار ارتفاع الأسعار بوتيرة أسرع كثيراً من المعدل المستهدف البالغ 2%، وكذا استمرار قوة سوق العمل، فلا مجال قطعاً لأن يسمح جيروم باول، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، بتركها تزداد قوة استجابةً لسياسات العمل.

هذا لا يعني أنه من المستحيل تعزيز النمو الاقتصادي أو توفير فرص العمل أو الأجور في هذه الظروف. ولكن يجب تحقيق ذلك من خلال مكاسب الإنتاج. ومثلما يقول بايدن، فإن تحسين البنية التحتية لأميركا سيساعد في هذا الصدد. ولكن يجب أن يكون الهدف هو إكمال تلك المشروعات بأسرع ما يمكن، وبتكلفة زهيدة من أجل تعظيم الفوائد.

جيروم باول: هناك حاجة لمزيد من رفع أسعار الفائدة

لكي نكون واضحين، لا يحتاج الأمر إلى مدافع قوي عن التجارة الحرة كي يرى أن ثمة مشكلة هنا. كما أنه من السمات المميزة لصنع السياسات في عهد بايدن، إعادة إحياء الاهتمام بـــ"السياسة الصناعية"، وهي جهود محددة لتطوير الولايات المتحدة وتنميتها باعتبارها موطناً لصناعات المستقبل. فكل بند من بنود تشريع بايدن الرائد، يحوي عناصر تتعلق بالسياسة الصناعية. ويحاول مشروع قانون البنية التحتية دعم الولايات المتحدة كموطن لصناعة سيارات كهربائية مزدهرة.

الأهم التنفيذ الصحيح

يزيد قانون الحد من التضخم من التركيز على المركبات الكهربائية مع زيادة الدعم للطاقة النووية المتطورة، واحتجاز الكربون، والطاقة الحرارية الأرضية، والطاقة المتجددة، فيما يركز قانون الرقائق والعلوم على أشباه الموصلات.

قد تفشل هذه الجهود، أو تنجح، لكن بتكلفة تعتبرها الأجيال المقبلة مرتفعة للغاية. لكن هذا لا يمنع أن الطموح في هذا المشروع واضح، وقد يُكتب له النجاح.

أيضاً، حققت الولايات المتحدة مستهدفاتها من التكنولوجيا والإنتاجية العالمية بالفعل، وهي بحاجة الآن إلى بعض النظريات إزاء كيفية المضي قُدماً. وفي هذا السياق يمكن القول إن نظرية بايدن منطقية.

لكن الخشب والزجاج وألواح الجبس وكابلات الألياف الضوئية، غير ملائمة للغاية لهذه الرؤية. فهذه ليست صناعات متطورة أو من منتجات المستقبل.

لماذا تثير إعانات بايدن للصناعات الخضراء غضب حلفاء أميركا؟

ودائماً ما كان هذا في الواقع أكثر بواعث القلق منطقية بشأن السياسة الصناعية. فإذا لم تبعث للساسة والجمهور رسالة مبسطة مفادها أن "التجارة جيدة"، سينتهي بك الأمر إلى الحمائية، شئت أم أبيت.

لا أحب هذا النوع من الحديث الانهزامي. فالتوجهات الرئيسية لسياسات بايدن الاقتصادية هي التوظيف الكامل، والنمو في الصناعات الاستراتيجية، والتركيز على الابتكار، وهي منطقية إلى حد بعيد. لكن على الرئيس الأميركي تنفيذها بشكل صحيح إذا أراد الوفاء بوعد العامين الأولين له في منصبه.

وهذا يعني تركيزاً أقل على توفير الوظائف، مقابل تفكير أكثر صرامة بشأن الصناعات التي يجب الترويج لها باعتبارها مستقبل الاقتصاد. وفي هذا التحليل، من غير المرجح أن تتقدم مواد البناء على التقنيات المتطورة في ترتيب الأولويات.