الأمور الجيدة لجو بايدن قد تكون سيئة للولايات المتحدة

الرئيس الأميركي والجمهوريون يركزون على خوض المعارك السياسية أكثر من الحكم بكفاءة

الرئيس الأميركي جو بايدن يصافح رئيس مجلس النواب كيفن مكارثي (عضو جمهوري عن ولاية كاليفورنيا) قبل إلقاء خطاب حالة الاتحاد
الرئيس الأميركي جو بايدن يصافح رئيس مجلس النواب كيفن مكارثي (عضو جمهوري عن ولاية كاليفورنيا) قبل إلقاء خطاب حالة الاتحاد المصدر: غيتي إيمجز
Clive Crook
Clive Crook

Clive Crook is a Bloomberg Opinion columnist and writes editorials on economics, finance and politics. He was chief Washington commentator for the Financial Times, a correspondent and editor for the Economist and a senior editor at the Atlantic.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

هناك اختيار على الرئيس الأميركي جو بايدن أن يتبناه فيما يتعلق بالسنتين المقبلتين، ويمكن اختزاله في السؤال التالي: ما هو الأهم، أن يكون رئيساً ناجحاً، أو يقود حزبه لتحقيق النصر؟ لسوء حظ البلاد، لا يمكن الجمع بين هذين الهدفين بسهولة.

أثناء خطابه حول حالة الاتحاد الأسبوع الماضي، كشف "بايدن" عن اختياره المتمثل في بدء حملة للدفاع عن الحكم. لم يدع الجمهوريين للتضافر من أجل التوصل إلى نقاط اتفاق، والسعي لإحراز مزيد من التقدم في المجالات الممكنة. بصفة رئيسية، بدأ يستفز ويُحرج خصومه السياسيين، وقد نجح في ذلك. وبرزت دعوات تقليدية لتعزيز الشراكة بين الحزبين الديمقراطي و الجمهوري، لكنها لم تكن مخلصة بصورة واضحة.

الجزء المؤسف لا يتمثل فقط في قرار "بايدن" - لأنه شخصية سياسية قبل أي شيء - لكنّ اختياره له مغزى محدد. باتت السياسة الأميركية بطريقة متنامية عبارة عن منافسة بين التقدميين الملتزمين والمحافظين الملتزمين. التقيت عبر أجزاء كبيرة من البلاد - تمثل الأغلبية بحسب تقديري - بأشخاص ينتمون للوسط المعتدل، لا يبدون إعجابهم بأي من الطرفين ويشعرون بالضجر للغاية من اللعبة السياسية. يعد جذب كتلة الوسط الهدف الأساسي. لأسباب تكتيكية جيدة، من المجدي أن تثير حماسة مؤيديك كما تُغضب (بنفس القدر) منتقديك.

مناورات بايدن

هناك أمور مشتركة كثيرة بين الحكومة الجيدة والحلول الوسط النفعية. يحظى المنخرطون بالسياسية بقدر محدود من الرغبة في كلا الأمرين.

كانت لعبة "بايدن" إزاء مستقبل المخصصات ذات دلالة، إذ صرح بأن الجمهوريين يرغبون في "أفول" برنامج الضمان الاجتماعي. كان التلميح إلى أن أياً من الجمهوريين، فضلاً عن غالبيتهم، يريدون إنهاء البرنامج بمثابة تشويه لسمعتهم، ما أثار سخرية وتوبيخاً من طرف الحزب الجمهوري. ثم ناور "بايدن" خصومه الذين يتعالى صخب استهجانهم بشدة قائلاً: "لندافع عن الأفراد كبار السن. عليك أن تنهض وتكشف لهم ما يمكنك فعله من أجلهم. لن نوقف برنامج الضمان الاجتماعي. لن نوقف برنامج الرعاية الصحية". لقد حظي ذلك بتشجيع عبر كافة أرجاء البيت الأبيض، حيث شاهد المسؤولون على ما يبدو الرئيس الأميركي وهو ينال مباشرة من الخصوم.

بايدن ينتقد اقتراحات الجمهوريين الضريبية ويؤكد أن التضخم يؤذي العائلات الأمريكية

من ثم حققت هذه الحملة النصر على صعيد حكم البلاد. من المصادفة أن برامج الضمان الاجتماعي وبرنامج الرعاية الصحية يسيران صوب مسار الإعسار المالي التقني، وهي مشكلة قابلة للحل بسهولة على أي حال، شريطة تحديدها والتصدي لها فوراً. خلال عام 1983، وفي ملابسات مشابهة نوعاً ما، صوت "بايدن" لصالح إجراء تعديلات على برنامج الضمان الاجتماعي تم اقتراحها من قبل لجنة ألان غرينسبان، والتي حققت التوازن للميزانيات بطريقة جزئية بزيادة سن التقاعد تدريجياً. سيكون بعض من هذه الحلول، التي تتضمن خليطاً من زيادة الضرائب وخفض الإنفاق، أمراً مطلوباً مرة ثانية. كلما حدث ذلك في وقت مبكر، نجم عن ذلك اضطرابات أقل.

كان في إمكان "بايدن" أن يقترح تشكيل لجنة جديدة يتم تكليفها بدراسة الخيارات المتاحة لاستمرار البرنامجين، لكنه قرر أنَّ تجاهل المشكلة أفضل، ما يكرس حالة الجمود، فيما تبدو عليه علامات السعادة من إحراج الجمهوريين.

شراكة حزبية

كما نوه الرئيس بنجاحه في التوصل لاتفاقيات عديدة بين الحزبين في أول سنتين من حكمه، لا سيما قانون للبنية التحتية بقيمة تريليون دولار (ظل رهينة موافقة التقدميين على مدى شهور قبيل إقراره بنهاية الأمر)، لكنه اعتبر هذه التدابير بدرجة أقل بمثابة إنجازات مشتركة فعلاً من كونها انتصارات للتقدميين على تشكيك الجمهوريين، وبمثابة عربون لبرنامجي الضرائب والإنفاق الأكثر راديكالية اللذين بقي ملتزماً بهما.

نواب جمهوريون يطالبون بكشف مراسلات الديمقراطيين مع "إف تي إكس"

ظل "بايدن" يقول "لننجز المهمة". يتعارض ما يعنيه بهذه العبارة على ما يبدو - قائمة طويلة من التزامات الإنفاق الجديدة وقوانين لكبح مشروعات القطاع الخاص الجشعة – بطريقة صارخة مع عملية الشراكة بين الحزبين. هذا هو المغزى. يعلم "بايدن" أنه لا يمكن تنفيذ هذا البرنامج بواسطة القوانين حالياً عقب سيطرة الجمهوريين على الأغلبية بمجلس النواب، لكن إذا لم يتمكن من حمل كتلة الوسط من السياسيين على تحقيق المصالح، فإن هناك استفادة سياسية من التقدم بمطالب عبثية، ورفضها بشدة، وعدم تحقيق أي شيء.

سيسأل الديمقراطيون: ما الهدف من السعي وراء التوصل لحل وسط مع الجمهوريين في الوقت الحالي؟ وهو سؤال وجيه. يفكر الطرف الآخر بنفس المنطق. لا يرغب أي من الجانبين فعلياً في إيجاد حل وسط، وكلاهما سعيد بتقبل نتائج الأسلوب الذي تُحكم به البلاد أو لا تُحكم به.

كتلة الوسط

ختاماً، بكل تأكيد، نتحمل نحن المعتدلين قدراً من المسؤولية. يستطيع المنخرطون بالمجال السياسي - سواء من التقدميين أو المحافظين- أن يخبروا بطريقة مبررة كتلة الوسط السياسي التي تشعر بالاشمئزاز، ممن لا توجد لديهم ارتباطات حزبية قوية، بأنه عليها ألا تتوقع أن تعمل الحكومة بالكيفية التي ترغبها ما لم تكلف نفسها عناء المشاركة في العملية السياسية. هذه هي المعضلة بإيجاز. لا تمارس كتلة الوسط حقها في التصويت المحرومة منه، ويعزى ذلك بطريقة جزئية لعدم وجود قناعة لديها. يتلاشى نفوذها، وتتصاعد حدة الصراع السياسي، وتضعُف كفاءة أداء الحكومة، وتتكرر الدورة نفسها.

في وقت من الأوقات، حاول سياسيون على غرار جو بايدن فعلاً التوصل لشراكة بين الحزبين وكانوا بمثابة مصدر قوة لإحداث التوازن بين الطرفين. على ما يبدو أن تلك الأيام قد ذهبت بلا رجعة.