ما الذي يميّز الفهرنهايت عند الحديث عن تغيّر المناخ؟

بغض النظر عن المكان الذي تعيش فيه، فإنّ درجة حرارة 110 تشير إلى أن الجو حار جدًا، أمّا بالنسبة للأمريكيين فهي أقل من درجة الغليان
بغض النظر عن المكان الذي تعيش فيه، فإنّ درجة حرارة 110 تشير إلى أن الجو حار جدًا، أمّا بالنسبة للأمريكيين فهي أقل من درجة الغليان المصوّر: "دين تريمل" (Dean Treml) و"ريد بل" Red Bull)/Getty Images)
Faye Flam
Faye Flam

Faye Flam is a Bloomberg Opinion columnist. She has written for the Economist, the New York Times, the Washington Post, Psychology Today, Science and other publications. She has a degree in geophysics from the California Institute of Technology.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

"الفهرنهايت" (Fahrenheit)، هو أول ما يخطر على بال الشعب الأمريكي عند الحديث عن درجات الحرارة، لكن الأمر يختلف بالنسبة لبقية سكان العالم، فجميعهم يفكرون بالدرجة المئوية أو ما يُعرف بـ "سيلسيوس (Celsius) ". وعند التفكير في طرق للحد من ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 2 درجة بموجب اتفاقية باريس للمناخ للحد من الاحتباس الحراري أو بـ 1.5 درجة التي أصبحت تعتبر نذيرًا بالخطر، سنختلف مع الأمريكيين في الصور والمفاهيم التي تتبادر إلى أذهاننا.

تعتمد النشرات الجوية في الولايات المتحدة درجات "فهرنهايت"، وليس غريبا أن يختلط الأمر على الشعب الأمريكي بين "سيلسيوس" و"فهرنهايت" عند الحديث عن تغيّر المناخ.

لكن تكمن الأزمة التي لا يعرفها كثيرون هنا، في أن درجات "الفهرنهايت" الصغيرة قد تؤدي إلى استخفاف الأمريكيين بخطورة الاحتباس الحراري الذي أصبح حقيقة لا يمكن إنكارها، وآثاره المتوقعة في المستقبل القريب.

والسؤال هنا، بما أننا نعيش في عصر العولمة، فلماذا تستمر دولة ما باستخدام مقياس حرارة لا يتماشى مع المقياس الذي تستخدمه بقية الدول، بل والأسوأ من ذلك، لا يتماشى مع المجتمع العلمي؟ لا بد من وجود تفسير منطقي.

الاعتياد وليس الفائدة

وكيّ أجد الإجابة عن هذا السؤال، تحدّثت مع "جينو سيغري" (Gino Segre) وهو عالم فيزياء في "جامعة بنسيلفانيا" (University of Pennsylvania) ومؤلف كتاب "مسألة درجات الحرارة: ما تكشفه درجة الحرارة بشأن الماضي والمستقبل للأنواع الحية والكوكب والكون (A Matter of Degrees: What Temperature Reveals About the Past and Future of Our Species, Planet and Universe)، وبرأيه أنّ الفائدة الوحيدة التي يجنيها المجتمع الأمريكي من استخدامه لمقياس "فهرنهايت" أنه اعتاد عليه، ولكن هذه الفائدة تختفي حالما يعتادون على استخدام "السيلسيوس" .

لم يكن هناك مقياس حرارة كمي قديمًا، فلو عدنا لزمن "شكسبير" (Shakespeare)، بالتحديد للحظة التي سأل فيها "هل لي أن أقارنك بيوم صيفي؟" فلا أعتقد أنه كان يعلم أن 75 "فهرنهايت" أو 24 "سيلسيوس" قد تؤدي غرضه في التعبير عن الصورة التي كان يقصدها، إلّا أنّ محاولات صناعة مقياسٍ للحرارة بالاعتماد على تمدد وتقلّص السوائل بدأت مبكرًا في القرن السابع عشر، بحسب "سيغري" (Segre)، ومن بين من خاض في هذا المجال "إسحاق نيوتن" (Isaac Newton). ولكن، في نهاية الأمر كان على أحد العلماء تحديد آلية القياس، أي أين يوضع الصفر وما هي أعلى درجة حرارة ستوضع على المقياس.

ظهر عدد من مقاييس الحرارة في بدايات القرن الـ18، فقد اخترع العالم الهولندي الألماني البولندي "دانيال غابرييل فهرنهايت" (Daniel Gabriel Fahrenheit) مقياسًا يبدأ بالصفر عند نقطة تجمّد محلول الملح الذي كان يستخدمه لقياس التمدد، وحدد درجة الـ100 للتعبير عن درجة حرارة الجسم الطبيعية، وفي الوقت نفسه صمّم عالم الفيزياء السويدي "أندرس سيلسيوس (Anders Celsius) مقياس حرارة يحتوي على الدرجات من 0 إلى 100 بحيث تتطابق هذه الدرجات مع نقاط تجمّد الماء وغليانه، سُمي هذا المقياس الذي يعد الأقرب إلى الطبيعة من حولنا بالمقياس المئوي في بداية الأمر، ثم سمُي باسم مخترعه بعد ذلك بفترة وجيزة.

أدرك العلماء في نهايات القرن الـ18 أن الحرارة ترتبط بالضغط والحجم عبر "قانون بويل" (Boyle’s law)، وعندما رسموا العلاقة بيانيًا وجدوا أنّ أدنى نقطة تصل إليها الحرارة، أي الصفر المطلق، والتي تقترب من سالب 273 "سيلسيوس" . أما في القرن الـ19 وضع المهندس والفيزيائي البريطاني "وليام طومسون" (William Thomson) والشهير بـ"لورد كلفن" (Lord Kelvin) مقياسًا جديدًا، وهو "مقياس كلفن" والذي يبدأ عند الصفر المطلق غير أنّه يستخدم درجات مطابقة لدرجات "سيلسيوس".

مقاييس مختلفة

أصبحت درجة "سيلسيوس" المقياس المعياري في العلوم عند الحديث عن درجات الحرارة، إذ يستخدمها العلماء إلى جانب "مقياس كلفن" للإشارة إلى درجة حرارة الفضاء الخارجي وباطن النجوم والثقوب السوداء، والظروف المخبرية التي تصل إلى جزء من المليون من درجة الصفر المطلق.

ويجد الأشخاص الذين اعتادوا استخدام "الفهرنهايت" أن درجة 90 تصف يومًا حارًا ودرجة 25 لليوم البارد، بينما تشير درجة 100 إلى بداية حمّى شديدة، وبالنسبة للأشخاص الذين اعتادوا على "السيلسيوس" فلديهم تفسير مماثل ولكن بدرجات حرارة مختلفة.

وربما يكون استخدام نظام "الفهرنهايت" منطقيًا إذا استخدمه الجميع، كما أنه يعطي معنىً أكثر دقة ويعد مناسبًا أيضًا للحديث عن درجات الحرارة في أكثر الأماكن حيوية والتي تتراوح درجة الحرارة فيها بين 0 و100، ولكن العالم لن يتبع النظام الأمريكي في قياس درجات الحرارة، إذ قرر المجتمع العلمي الدولي استخدام "السيلسيوس" للتعبير عن درجات الحرارة المرتفعة. ولعل تردد الأمريكيين في التعبير عن درجات الحرارة بـ"السيلسيوس" نابع من فشلهم في اعتماد النظام المتري في سبعينيات القرن الماضي.

أصبحت درجات الحرارة في يومنا هذا أهم من أي وقت مضى، فاستخفاف الأمريكيين بالحد من ارتفاع الحرارة بمقدار درجتين "سيلسيوس" ليس شيئًا بسيطًا، فالفرق بين درجتين "فهرنهايت" ودرجتين "سيلسيوس" عند الحديث عن الاحتباس الحراري يعني حياة أو موت آلاف الناس بسبب موجات الحر والظروف المناخية القاسية، كما يعني انقراض آلاف الأنواع من الكائنات الحية، بالإضافة إلى غرق ميامي ونيويورك والأماكن الأخرى المنخفضة.

ولا يعني استخدامنا لنظامٍ غير عملي في قياس درجات الحرارة، أنّ الأمريكيين غير قادرين على أن يكونوا السباقين بتقليل انبعاثات الكربون التي تعد أساس المشكلة، كما يمكننا محاولة التعرف على درجات "السيلسيوس" أكثر، فيما يحاول بقية العالم مراعاة الفرق والتعبير عن الاحتباس الحراري باستخدام درجة "الفهرنهايت". قد يبدو هذا الأمر غير عملي، ولكن لا بد من إيجاد حل وسط.