أرقام التضخم الأخيرة قد تقود الاحتياطي الفيدرالي إلى قرارات خاطئة

ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة قد يعطي انطباعاً مضللاً بأن سوق العمل محمومة للغاية

إحدى المتسوقات تعاين صندوق بيض في متجر للمواد الغذائية في مدينة أوستن بولاية تكساس، الولايات المتحدة
إحدى المتسوقات تعاين صندوق بيض في متجر للمواد الغذائية في مدينة أوستن بولاية تكساس، الولايات المتحدة المصدر: غيتي إيمجز
Karl W. Smith
Karl W. Smith

Karl W. Smith is a Bloomberg Opinion columnist. He was formerly vice president for federal policy at the Tax Foundation and assistant professor of economics at the University of North Carolina. He is also co-founder of the economics blog Modeled Behavior.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أصدرت الحكومة الأميركية أمس الثلاثاء تقريرها الشهري عن أسعار المستهلكين، التي ارتفعت في يناير بأسرع معدل في ثلاثة أشهر. يعنى ذلك أنَّ مثل هذا الدليل على ضغوط التضخم المستمرة قد يدفع "الاحتياطي الفيدرالي" إلى مزيد من رفع أسعار الفائدة، والإبقاء عليها عند تلك المستويات لفترة أطول مما تتوقَّعه الأسواق.

الطريقة التي يفكر بها صانعو السياسة النقدية في الاحتياطي الفيدرالي بشأن التضخم، تفيد أنَّ كل ذلك سببه سوق العمل، والتي يصفونها بأنَّها محمومة للغاية لدرجة لا ترضيهم. وبشكل أكثر تحديداً؛ يعتقد الاقتصاديون في البنك المركزي أنَّ ما يسمى بالمعدل الطبيعي للبطالة -وهو المعدل الذي لا يتجه فيه الاقتصاد إلى الركود أو النمو المبالغ فيه- قد ارتفع من 4% إلى ما بين 5% و6%. وبالنسبة إلى مجلس الاحتياطي الفيدرالي؛ تعد هذه مشكلة كبيرة، لأنَّ معدل البطالة انخفض إلى 3.4% في يناير، وهو أدنى مستوى له منذ 53 عاماً.

التضخم في الولايات المتحدة ما زال مرتفعاً والضغوط تتزايد على الاحتياطي الفيدرالي

انخفاض البطالة لا علاقة له بنمو الأجور

في الواقع، لا يجب أن يمثل انخفاض معدل البطالة مشكلة لـلاحتياطي الفيدرالي. فمثل هذه الأدلة المتزايدة بشكل متواصل، تشير إلى أنَّ معدل البطالة المنخفض لا علاقة له بارتفاع الأجور وتوقُّعات الأسر للمداخيل مستقبلاً، وهما عاملان رئيسيان بالنسبة إلى التضخم. وقد أظهر استطلاع شهري أصدره بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك هذا الأسبوع أنَّ توقُّعات المستهلكين للتضخم قد انخفضت إلى أدنى مستوى منذ أكتوبر 2020.

يرتكب الاحتياطي الفيدرالي خطأين في وقت واحد. يتمثل أولهما في أنَّ صانعي السياسة النقدية افترضوا أنَّ الاضطراب الهائل في سوق العمل المرتبط بالجائحة سيجعل من الصعب على أصحاب الأعمال إيجاد موظفين مناسبين لشغل وظائف بعينها، والعكس صحيح عند إعادة فتح الاقتصاد. عادة ما يؤدي ضعف التوافق إلى ارتفاع معدل البطالة. لكنَّ الأمر الذي لم يتمكّنوا -وربما لم يتمكّنوا- من تبريره، هو كيف سيتأثر توافق سوق العمل بالطفرة غير المسبوقة في مدخرات الأسر.

يشير هذا الدليل المتداول إلى جانب تقرير أصدره سايمون مونغي، كبير الباحثين الاقتصاديين في بنك الاحتياطي الفيدرالي في مينيابوليس، إلى أنَّ الأسر استهلكت مخزونها الاستثنائي من المدخرات في مجالات تساعدها على إيجاد عمل أفضل، بدلاً من الالتحاق بأول وظيفة أتيحت لها. وبحسب تقديرات مونغي؛ لم يكن هناك أي تدهور تام بشكل أساسي في كفاءة التوافق نتيجة للجائحة، وهذا يعني أنَّ معدل البطالة الطبيعي قريب مما كان عليه في يناير 2020، عندما سجلت الولايات المتحدة معدلاً بلغ 3.5%.

باول: لم نصل بعد إلى معدلات فائدة كافية لكبح التضخم.. ونناقش زيادتين أخريين

تكاليف العمالة للوحدة الإنتاجية

استنتاج مونغي مدعوم بتكاليف العمالة لكل وحدة إنتاجية، والتي ترتفع بمعدل أبطأ. قالت الحكومة في وقت سابق من الشهر الجاري إنَّ تكلفة العمالة لكل وحدة إنتاج ارتفعت بنسبة 1.1% في الربع الرابع، وهو مستوى دون المتوسط طويل الأجل البالغ 1.8%. وبالمثل، استمر النمو السنوي في متوسط الدخل بالساعة في التباطؤ من 5.9% في مارس 2022 إلى 4.4% خلال الشهر الماضي. ومع ذلك، أشار رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول مؤخراً إلى أنَّ المعدل الطبيعي للبطالة ارتفع بشكل ملموس، وهي وجهة نظر تساعد في تفسير سبب النهج المتشدد من قبل البنك المركزي في رفع أسعار الفائدة، التي يتوقَّع أن يُبقي عليها مرتفعة لبعض الوقت.

أما الخطأ الثاني الذي يرتكبه بنك الاحتياطي الفيدرالي، فهو تجاهل ما يسميه الاقتصاديون بـ"التلكؤ"، الذي يشير باختصار إلى أنَّ الزيادات المفاجئة في معدل التضخم يمكن أن تخفّض المعدل الطبيعي للبطالة. المعنى هنا هو أنَّه عندما يكون الطلب مرتفعاً؛ يغيّر أصحاب العمل ممارسات التوظيف والاحتفاظ بالعمالة، ويكونون بطيئين في العودة إلى الحالة الطبيعية. ويمتد ذلك من الاستثمارات في استراتيجيات الموارد البشرية المعقّدة إلى شيء بسيط مثل احتكار العمالة. وبمرور الوقت، لا بد أن تتضاءل آثار هذه التغييرات مع تكيّف أصحاب الأعمال باستمرار مع التغيرات على صعيد سوق العمل والطلب على منتجاتهم. وعلى أي حال؛ يشير الوضع في الوقت الحالي إلى أنَّ نسبة البطالة البالغة 3.4% لا تدلّ على سوق عمل ضيّقة كما يبدو.

مرة أخرى، علينا أن نضع في الاعتبار نتائج المسح الذي أجراه بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، التي أظهرت انخفاض توقُّعات الأسر لنمو الدخل من 4.6% لتصل إلى 3.3%، بنسبة تراجع قياسية بلغت 1.3 نقطة مئوية. هل يمكن أن يتباطأ نمو الأجور والمداخيل بشكل كبير مع انخفاض معدلات البطالة إلى مستويات قياسية؟ الإجابة المختصرة هي "نعم"، وهذا يعني أنَّ بنك الاحتياطي الفيدرالي، لا بد أن يكون حذراً أكثر بشأن الاستمرار في رفع أسعار الفائدة. الخطوة الحكيمة التي يتخذها الاحتياطي الفيدرالي، تتمثل في وقف دورة رفع أسعار الفائدة، حتى يتمكّن من قياس تأثيرها الكامل على سوق العمل.