ما أبرز عمليات الاحتيال في أسواق تداول السلع الأساسية؟

القطاع يواجه مخاطر اختفاء السلع بسبب تزوير المستندات وتعثر الموردين وضمان عدة قروض بشحنة واحدة

حاويات بميناء يانغشان ديب ووتر في شنغهاي، الصين
حاويات بميناء يانغشان ديب ووتر في شنغهاي، الصين المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تواجه مجموعة التداول "ترافيغورا" خسائر قيمتها أكثر من نصف مليار دولار، بعدما أدركت أن الشحنات التي اشترتها لم تشمل النيكل المفترض أن تحتوي عليه، ما نتج عنه موجات صدمة جديدة في قطاع تأثر بعدد من عمليات الاحتيال الكبيرة في السنوات الأخيرة.

في أغسطس الماضي، وجدت مجموعة من شركات التجارة الصينية أن إحدى شركات تجارة النحاس لم يكن بحوزتها من خام النحاس ما قيمته نحو 500 مليون دولار كان من المفترض أن تكون ضماناً للشركات التجارية. وفي واقعة حدثت في يونيو الماضي، اختفت أيضاً كمية من الألمنيوم.

تبرز كل هذه الأحداث والمخاطر المتزايدة في تمويل السلع، كما تُردِّد أصداء فضيحة أكبر بكثير في 2014 – عُرفت باسم عملية احتيال مخازن "تشينغداو" (Qingdao) – تسببت في تغييرات شاملة لنشاط السلع الرئيسية في البنوك الدولية والمؤسسات التجارية، وهو ما يبعث على القلق.

1) كيف يمكن لمخرون من المعادن أن يختفي؟

شاعت المخاطر وعمليات الاحتيال على مدى تاريخ تجارة السلع الرئيسية، وهناك عدة طرق معروفة تؤدي لخروج الأمور عن المسار. لكن اعتماد القطاع على المعاملات الورقية التي تؤكد شحن وتخزين الشحنات باهظة الثمن هو لُب المشكلة، إذ يجعل ذلك من القطاع هدفاً سهلاً لعمليات الاحتيال.

تُعتبر تجارة السلع الرئيسية عادةً نشاطاً يعتمد على الأحجام الكبيرة وهوامش الأرباح المحدودة، وتأخذ الشركات التجارية قروضاً بضمان المنتج الذي تتاجر فيه لتمويل مشترياتها، واستخدام تدفق الأموال بالشكل الأمثل.

تعزز السجلات الورقية ذلك الضمان عادة في تجارة المعادن، وهي تشمل فواتير المخازن ومستندات الشحن، التي تسجل تفاصيل مثل الكميات والجودة والملكية وموقع البضائع.

المشكلة هي إمكانية تزوير هذه المستندات باستخدام سلع وهمية، أو قد تُستخدم شحنة واحدة لضمان عدة قروض، وهو ما يُعرف بالمبالغة في التعهدات. وفي حالات أخرى، قد تبيع إحدى الشركات التجارية المتعثرة البضائع التي تطالب البنوك بأحقيتها فيها دون تسديد القرض.

2) ماذا حدث مع النيكل؟

يشيع استخدام النيكل في عمليات الاحتيال بسبب ارتفاع قيمته، إذ قد تبلغ قيمة الحاوية الواحدة نصف مليون دولار. كانت "ترافيغورا" تشتري بالفعل المعدن الموجود في حاويات على ظهر السفن، ثم تبيعه عندما تصل السفن إلى مقاصدها.

إنفوغراف.. بماذا يستخدم معدن النيكل؟

لكن عندما فحص المحققون محتويات إحدى الحاويات في مدينة روتردام الهولندية خلال ديسمبر الماضي، اكتشفوا أنها ممتلئة بمواد أخرى أقل قيمة بكثير. ونتج عن تلك الاكتشافات خسارة قيمتها 577 مليون دولار تواجهها "ترافيغورا" بسبب الحاويات.

3) ماذا عن واقعة النحاس؟

كان أحد أطراف هذه القضية شركة حجم تعاملاتها متواضع اسمها "هولوداو ريسون تريدينغ" (Huludao Risun Trading). تشتري الشركة مُركَّزات النحاس من الموردين الدوليين، ثم تخزنه في الموانئ قبل إرساله للمصاهر الصينية.

وحصلت الشركة العام الماضي على قروض من اتحاد يضم أكثر من 12 شركة أغلبها حكومية، بضمان 300 ألف طن من مُركَّزات النحاس التي تخزنها شركة "هولوداو ريسون".

تزايد الطلب على النحاس يعرقل ازدهار الطاقة النظيفة

ثم نما إلى علم البنوك أن "هولوداو ريسون" تتعرض لضغوط مالية، وعندما توجهوا للتحقق من ضماناتهم على الطبيعة، وجدوا 100 ألف طن فقط – أي ثلث الكمية المتعهد بها. أما البقية فجرى شحنها، ما يُعد خرقاً لأحقية البنوك في تلك المواد.

4) ماذا عن الوقائع الأخرى؟

ادّعت عدة شركات تجارية صينية أنها تعرضت للخداع لتقديم اعتمادات قيمتها 500 مليون يوان (74 مليون دولار) مقابل كميات وهمية من الألمنيوم.

أدت شكوك بالتلاعب في التفويضات إلى إيقاف عدة مخازن عملياتها لفترة وجيزة. كانت "ترافيغورا" وعملاقة السلع الرئيسية "غلينكور" من بين الشركات التي سارعت بالتدقيق في استثماراتها، ورفع واحد من الدائنين على الأقل دعوى على مديري المخازن طلباً للتعويض.

"غلينكور" تخصص 1.5 مليار دولار لتسوية تحقيقات الكسب غير المشروع

وصدر حكم خلال العام الجاري بإدانة اثنين من مديري شركة بريطانية لتجارة الصلب في قضية احتيال على تمويل تجاري بقيمة 500 مليون دولار. وفي 2020، اشترت مجموعة "ميركوريا إنيرجي" (Mercuria Energy) شحنة من النحاس من مورد تركي، لكنها وجدت الحاويات ممتلئة بالصخور الملونة.

معادن أساسية

5) ما هي الدوافع وراء ذلك؟

واجهت الشركات التجارية التي تعمل بهوامش أرباح محدودة أوضاعاً مالية أصعب من ذي قبل على مدار العام الماضي أو ما شابه، وذلك في ظل تراجع تدفقات الائتمان.

تسلك البنوك نهجاً أكثر حذراً بشأن الإقراض، وذلك بسبب التباطؤ في قطاع العقارات في الصين وتأرجح أسعار السلع الرئيسية، بسبب الحرب في أوكرانيا. فاقمت الخسائر الفادحة في سوق النيكل هذه المخاوف.

شجع ذلك على التحول لسبل تمويل بديلة تخضع لضوابط تنظيمية إلى حد ما، مثل توفير معاملات تنطوي على تعهد شركات خاصة أصغر حجماً بتوفير البضائع لمجموعات التداول الكبيرة التي تديرها الدولة نظير مقابل نقدي.

6) ما سبب تسليط الضوء على مثل هذه الوقائع؟

انهار قطاع المعادن الصناعية في منتصف 2022 على خلفية مخاوف من حدوث ركود عالمي، بعدما وصل لمستويات قياسية مرتفعة في مارس من العام نفسه.

النحاس يهوي لأدنى مستوى منذ 19 شهراً.. والهبوط يسود المعادن

قد تؤدي مثل هذه التقلبات إلى خسائر فادحة لبعض اللاعبين في السوق. ويواجه الاقتصاد الصيني، الذي يُعد أكبر مستخدمي المعادن، صعوبات أيضاً بسبب أزمة عقارات مطوّلة إلى جانب الضبابية بعد إيقاف العمل بسياسة "صفر كوفيد" في البلاد.

لذا أصبح الدائنون أكثر إدراكاً للمخاطر المرتبطة بإقراض شركات التجارة في السلع الرئيسية، التي ستنخفض تدفقاتها النقدية خلال فترات التحول النزولي، وربما تصبح عرضة للخسائر.

7) ما العواقب المحتملة والحلول الممكنة؟

في أسوأ الأحوال، ربما تحدث أزمة ثقة في سلاسل الإمداد الرئيسية للسلع الرئيسية. لن تُقرض البنوك والشركات التجارية الأكبر حجماً اللاعبين الصغار، إذا لم يثقوا في التأمين على القروض بالمستندات السليمة للشحن والتخزين.

قد يؤدي المزيد من وقائع المعادن المختفية إلى أزمات أكبر في السيولة تُعطل تجارة المعادن أو تسبب مشكلات حادة لكبرى الشركات التجارية. ربما يكون أحد الحلول رقمنة التجارة، وهو حل يعِد بتقليص المخاطر وخفض التكاليف وتوفير الوقت. لكن لا يوجد حتى الآن معيار مقبول عالمياً يحل محل النظام الورقي المعمول به حالياً.

8) ماذا حدث في فضيحة "تشينغداو"؟

في 2014 بمدينة تشينغداو الصينية، تعرضت البنوك -ومن بينها مؤسسات دولية- لأكبر تعرض استثماري على إحدى شركات التجارة وفروعها التي كانت قد تعهدت بالمخزون نفسه من المعادن عدة مرات للحصول على قروض بأكثر من 20 مليار يوان.

جعل ذلك البنوك أكثر حذراً، كما حثت الجهة التنظيمية في الصين البنوك أيضاً على تعزيز عمليات الإشراف، وتراجع استخدام المعادن كضمان للتمويل منذ ذلك الحين.

الصين تتصدى لارتفاع أسعار خام الحديد بتشديد الرقابة على الأسواق

أما خارج الصين، فتعرضت بنوك فرنسية وأسترالية لخسائر في القروض خلال 2017 فاق إجماليها 300 مليون دولار، بعدما اكتشفت مستندات مزورة لكمية من النيكل مخزنة في مستودعات آسيوية تملكها "أكسس وورلد" (Access World)، وهي شركة تابعة لـ"غلينكور".

في 2020، زوّرت "هين ليونغ بي تي إي" (Hin Leong Pte)، وهي شركة سنغافورية لتجارة النفط، مستندات لتفوز بتمويل تجاري لمنتجات كانت قد باعتها بالفعل.

منذ سنوات قليلة، قيل إن مصرف "سبيربنك" (Sberbank) الروسي اكتشف أن حاويات النيكل في روتردام التي موّلها البنك لحساب شركة "ليبرتي كوموديتيز" (Liberty Commodities) المملوكة للمستثمر سانجيف غوبتا كانت قد أُفرغت بالفعل.