5 محاور تحرك دفة أزمة تحدث مرة كل 10 سنوات في مصر

متسوقة تناول تاجراً ورقة نقدية مصرية من فئة 10 جنيهات ثمناً لمشترياتها في إحدى الأسواق الشعبية في مصر
متسوقة تناول تاجراً ورقة نقدية مصرية من فئة 10 جنيهات ثمناً لمشترياتها في إحدى الأسواق الشعبية في مصر المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تمر مصر بأزمة مألوفة؛ فقد انخفضت العملة، ونقص المعروض من العملات الأجنبية، وارتفعت تكاليف المعيشة. هذه تجربة لا تتكرر إلا مرة كل عقد مما جعل البلد ثاني أكبر مقترض من صندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين.

يقول صانعو السياسة إنَّ هذه المرة مختلفة، إذ إنَّ مجموعة كبيرة من الإصلاحات التي وعدت الحكومة بتنفيذها ستمثل تحولاً في أسواق مصر واقتصادها وربما في المجتمع ككل. لكن هذا لم يجعل من الأسهل بكثير التنبؤ بموعد انتهاء الأزمة الحالية.

فيما يلي خمسة محاور جديرة بالمراقبة قد تحدد مسار الأمور بعد ذلك.

الجنيه

امتثالاً لطلب صندوق النقد الدولي والذي ساعد على تأمين قرض بقيمة 3 مليارات دولار، أصبحت العملة المصرية أكثر مرونة. وقد أعقبت فترات الاستقرار الطويلة للعملة فترة من التقلبات العنيفة والهبوط الحاد.

الحل الحقيقي لكل شيء يتمثل في إنهاء حالة عدم اليقين، والتأكيد على عدم استخدام الاحتياطيات الدولية والأصول الأجنبية للبنوك لحماية الجنيه. لن يضخ المستثمرون المزيد من الأموال في السندات أو لشراء حصص بالشركة (التي تطرحها الحكومة) إذا لم يتمكّنوا من استبعاد انخفاض آخر في العملة.

قد تكون بعض حالات الانخفاض والارتفاع المحدودة للجنيه في الأسابيع المقبلة علامة على أنَّها تعكس العرض والطلب بشكل أكثر دقة. كما أنَّ استئناف دخول البضائع المستوردة على نحو مستمر بعد إنهاء أزمة تكدس البضائع في الموانئ المصرية من شأنه أن يظهر تحسناً في تدفقات النقد الأجنبي، ويخفف الضغط على الجنيه. وبالرغم من أنَّ الانخفاضات الأكثر حدة قد انتهت تقريباً؛ فإنَّ محللين من جهات عدة منها: "ستاندرد تشارترد" و"إتش إس بي سي" لا يستبعدون حدوث المزيد من التراجع هذا العام.

الدين

ربما ولّت منذ فترة طويلة الأيام التي كان يحتفظ فيها المستثمرون الأجانب بديون محلية مصرية تتجاوز قيمتها أكثر من 30 مليار دولار. لكنَّ الارتفاع المتواضع المتوقَّع في أسعار الفائدة بالخارج قبل يوليو، سيشير إلى أنَّ البلاد في طريقها لتغطية فجوة التمويل العاجلة.

تستهدف السلطات استقطاب تدفقات بملياري دولار بحلول ذلك الوقت، وهو هدف يُرجّح أن يعتمد تحقيقه على ثقة المستثمرين في أنَّ الجنيه لا تتدخل السلطات في تسعيره، وأنَّ العوائد على الأوراق المالية المحلية ليست سلبية عند تعديلها وفقاً للتضخم. ما تزال الشهية ضعيفة، وفقاً لمؤشر الطلب على أذون الخزانة لأجل 12 شهراً.

الاعتماد الأكبر على مبيعات أدوات الدين سيقرع أجراس الإنذار، مما سيشير -إذا تحقق- إلى أنَّ مصر تتراجع عن خططها لفطم نفسها عن الأموال الساخنة، والعودة إلى نهج ساهم في تحفيز الأزمة الحالية.

المساعدات الخليجية

التوقُّعات بأنَّ حلفاء مصر الخليجيين سيفتحون الصنابير (المساعدات) بالكامل كانت في غير محلّها. مر نحو عام على تعهد دول الخليج بتقديم أكثر من 10 مليارات دولار من الاستثمارات لمصر، لكن لم يُضخ سوى جزء بسيط من هذا التمويل الذي وصفه صندوق النقد الدولي بأنَّ البلاد في حاجة ملحة له. التعليقات الأخيرة للمملكة العربية السعودية حول اشتراط تقديم الإصلاحات قبل تقديم الدعم للدول الأخرى، أثارت التكهنات بأنَّ المساعدات قد تمّ تعليقها.

كل هذا يعني أنَّ الصفقة الكبيرة التالية، التي من المحتمل أن تتضمن في الغالب بيع حصة مملوكة للدولة المصرية في شركة كبرى إلى الإمارات أو قطر أو السعودية، قد تكون لحظة فاصلة، إذ تتبعها صفقات أخرى. قد يشير ذلك إلى أنَّ المستثمرين الخليجيين يرون أنَّ الجنيه قد وصل إلى القاع، مما يسمح لهم أخيراً بشراء أصول بأسعار محلية يرونها عادلة.

تخارج الدولة

تقرير صندوق النقد الدولي الأخير، ضمّ عدّة سطور في أعماقه قد تكون أساسية لمستقبل مصر وهي: الوعد بكبح مشاركة الدولة الشاملة في الاقتصاد، بما في ذلك الجيش. يعالج هذا بشكل مباشر شكوى طويلة الأمد مفادها أنَّ الدولة تزاحم القطاع الخاص، مما أدى إلى تراجع الاستثمار الأجنبي.

لا أحد يتظاهر بأنَّ الأمر سيكون سهلاً. صندوق النقد الدولي، الذي حصل أيضاً على تعهد بأنَّ الكيانات الحكومية ستفتح حساباتها بانتظام لوزارة المالية، حذّر من أنَّ أي إعادة للتوازن "قد تواجه مقاومة من أصحاب المصالح". حددت مصر 32 شركة مملوكة للدولة سيتم طرح حصص بها للبيع، وسيُعتبر التحرك السريع لبدء عمليات طرح هذه الأصول خطوة إيجابية. تتضمن الطروحات، البيع الأول على الإطلاق لشركة مملوكة للجيش وهي "الشركة الوطنية لبيع وتوزيع المنتجات البترولية" (وطنية) التي تدير شبكة واسعة من محطات الوقود.

مجموعة من المتسوقات يتجمعن أمام محل لبيع اللحوم في إحدى الأسواق بمحافظة الجيزة. مصر
مجموعة من المتسوقات يتجمعن أمام محل لبيع اللحوم في إحدى الأسواق بمحافظة الجيزة. مصر المصدر: بلومبرغ

التضخم

يؤدي التضخم المتسارع الذي لا يظهر أي علامة على التراجع إلى زيادة بؤس أكثر من 100 مليون شخص في مصر، من الطبقة العاملة والمتوسطة على حد سواء. ارتفعت أسعار المواد الغذائية في يناير بأسرع وتيرة على الإطلاق، وتقول الحكومة إنَّ كبح التضخم يمثل أولوية قصوى.

بدأت العائلات في تقليص نفقاتها، وقدّمت الدولة خصومات خاصة على مستلزمات شهر رمضان في وقت مبكر. وقد أثار الغضب اقتراح الهيئة الحكومية للرقابة على الغذاء بأن يأكل المصريون المزيد من أقدام الدجاج.

تدرك السلطات المخاطر؛ فقد كان ارتفاع تكاليف المعيشة المتزايد أحد أسباب اندلاع أحداث الربيع العربي منذ أكثر من عقد بقليل. عندما يبدأ التضخم في التباطؤ، ربما في النصف الثاني من عام 2023 على أقرب تقدير، قد يخفف ذلك الاحتقان على نحو معتدل.