روسيا وأوكرانيا تستنزفان ذخائر العالم

يستخدم الجانبان قذائف تزيد عمّا يستطيعان شراءه أو إنتاجه.. ما جعل مصانعهما بأهمية الجيوش

تركيب رؤوس قذائف في خط تجميع بمصنع ذخيرة في أيوا، الولايات المتحدة.
تركيب رؤوس قذائف في خط تجميع بمصنع ذخيرة في أيوا، الولايات المتحدة. المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يتراشق الجيشان المتحاربان على أرض أوكرانيا ما يصل إلى 30 ألف قذيفة في المتوسط يومياً، أي أكثر من 200 ألف قذيفة أسبوعياً أونحو مليون قذيفة شهرياً، وذلك دون احتساب طلقات الرصاص والألغام الأرضية والقنابل اليدوية والذخائر الأخرى التي تُستخدم فيما يدخل غزو فلاديمير بوتين للبلاد عامه الثاني.

فيما تطلق القوات الروسية عادة نحو ضعف عدد القذائف التي تطلقها القوات الأوكرانية، فإن مخزونات كلا الجانبين آخذة بالتناقص. قال ينس ستولتنبرغ، الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "ناتو" للصحافيين في بروكسل يوم 13 فبراير إن استخدام أوكرانيا للذخيرة "أعلى بعدة مرات" من معدل الإنتاج الحالي لحلفائها.

إنفوغراف: قيمة الأسلحة التي تبرعت بها 15 دولة لأوكرانيا

أدى هذا لتخبط بغية الحصول على مزيد من الذخيرة والأسلحة لجبهة المواجهة، ما جعل الحرب تكتسب طابع معركة للمصانع بقدر ما هي معركة بين جيوش مسلحة. بيّن مارك كانسيان، وهو عقيد السابق في البحرية الأميركية يعمل حالياً مستشاراً في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن، إن أياً من الطرفين لا يوشك أن يستنفذ كامل مخزونه من الذخائر، لكن الإمدادات المتضائلة تقيّد الخيارات العسكرية. قال كانسيان: "تصبح هذه مشكلة في مرحلة ما. إن اشتد هذا التقييد لن تتمكن من إطلاق النار على أهداف مهمة".

أصداء 1915

قال بعض المحللين إن للصراع أوجه تشابه مُقلِقة مع الحرب العالمية الأولى، عندما تموضع المقاتلون في مواقع محصّنة وأطلقوا قذائف لا حصر لها بهدف كسر التوازن. عانى الجانبان من نقص في قذائف المدفعية لما طال، وأُقيلت الحكومة البريطانية في 1915 بعد إخفاقها بتوفير ذخيرة كافية، في ما أصبح يُسمى "أزمة القذائف".

تمكنت أوكرانيا من الصمود لأن الأسلحة الأدق التي حصلت عليها من دول حلف "ناتو" تسمح لها باستخدام ذخيرتها بفاعلية أعلى من روسيا، وفقاً لمسؤولين من الحلف. كما يمكنها الاعتماد على مصانع في أوروبا والولايات المتحدة وكندا لديها طاقة تفوق بكثير تلك الموجودة في روسيا، التي تواجه عقوبات ألجأتها إلى كوريا الشمالية وإيران للحصول على الإمدادات.

إنفوغراف.. أكثر الدول من حيث الإنفاق العسكري

قال الجيش الأميركي إنه إنتاجه من قذائف قطرها 155 ميليمتر، وهو العيار الذي يعتمده حلف "ناتو" بالنسبة إلى المدفعية، سيزيد بحلول ربيع هذا العام من 14 ألف إلى 20 ألف قذيفة شهرياً. قال الجيش في يناير إنه سيستثمر ملياري دولار في عديد من مصانع الذخيرة التابعة له في جميع أنحاء الولايات المتحدة، حيث يهدف إلى الوصول إلى طاقة إنتاجية شهرية تبلغ 90 ألف قذيفة في أقرب وقت من العام المقبل.

جهود أوروبية

تستثمر شركة "راينميتال" (Rheinmetall) الألمانية أكثر من 10 ملايين يورو (10.7 مليون دولار) في خط إنتاج جديد بالقرب من هامبورغ لتصنيع ذخيرة مدافع "غيبارد" المضادة للطائرات التي زودت بها برلين أوكرانيا. كما أعلنت شركة "زي في إس هولدينغ" (ZVS Holding) في سلوفاكيا إنها ستضاعف إنتاجها السنوي من قذائف عيار 155 ملم إلى 100 ألف قذيفة بحلول العام المقبل.

تتعاون كل من فرنسا وأستراليا لإنتاج كميات غير محددة من قذائف 155 ميليميتر. وتقول أوكرانيا إنها اتفقت مع أعضاء حلف شمال الأطلسي على إنتاج أنواع مختلفة من الذخائر في مصانع خارج البلاد.

"إكسكاليبر".. القذيفة المدفعية الأميركية الأكثر دقة أضيفت سراً للمساعدات الأوكرانية

برغم أن مخزون روسيا من الذخائر تتعرض أيضاً لضغوط، فإن قدرتها تزيد عدة مرات عن قدرة أوروبا، حيث إن مصانعها في وضع مكنها من تصنيع 1.7 مليون قذيفة مدفعية من عيار 152 ميليمتر سنوياً قبل الحرب، وفقاً لوزارة الدفاع الإستونية.

لا شك أن الكرملين ما يزال يركز على الإنتاج الدفاعي، حتى في ظل محدودية المعلومات العامة عن جهود روسيا لدعم إمداداتها من الذخيرة. يُقدَّر الإنفاق العسكري للبلاد بأنه ثالث أكبر إنفاق عسكري على مستوى العالم بعد الولايات المتحدة والصين، وفقاً لتقرير التوازن العسكري الصادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية. يلتقي المسؤولون الحكوميون بانتظام مع ممثلين عن الصناعة لتنسيق الخطط، وقال التلفزيون الحكومي إن مصانع الأسلحة استمرت تعمل بكامل طاقتها خلال عطلة رأس السنة، حتى مع دخول معظم أجزاء من روسيا في إجازة مدتها 10 أيام.

قال وزير الدفاع سيرغي شويغو إن الجيش ضاعف تقريباً مشترياته من الذخيرة في 2022، وأن الإنفاق على أنظمة الأسلحة سيرتفع 50% هذا العام. قال بوتين لموظفي وزارة الدفاع في ديسمبر: "ليس هناك قيود على التمويل. حكومة الدولة ستوفر ما يطلبه الجيش. أي شيء يطلبه".

آلاف الدبابات

كانت وكالة الأنباء الحكومية قد نقلت هذا الشهر أن إنتاج قذائف المدفعية الموجّهة بنظام "كراسنوبول" ارتفع. تشير تقديرات مركز تحليل الاستراتيجية والتقنية في موسكو إلى أن إنتاج الطائرات المقاتلة زاد بمقدار النصف العام الماضي، رغم أنه يقل 70% عن مستوى 2014.

أعلنت شركة "يورالترانسماش" (Uraltransmash)، التي تصنع مدافع "هاوتزر" ذاتية الدفع، عن حملة كبيرة لتوظيف كوادر. كما قالت "يورالفاغونزافود" (Uralvagonzavod)، الشركة المصنعة الأساسية للدبابات القتالية الروسية، إنها تعمل 24 ساعة في اليوم.

لهذه الأسباب.. مستقبل أوكرانيا ليس في حلف شمال الأطلسي

قال الرئيس السابق دميتري ميدفيديف، الذي يشرف حالياً على مشتريات الأسلحة، خلال زيارة لمصنع أسلحة في مدينة أومسك في سيبيريا يوم 9 فبراير: "علينا تحديث وإنتاج آلاف الدبابات الإضافية".

على النقيض من ذلك، سارت أوروبا الغربية بخطوات بطيئة في زيادة الإنتاج، حسب توماس كوبيشني، مبعوث الحكومة التشيكية إلى أوكرانيا الذي قاد حتى وقت قريب التعاون الصناعي كنائب لوزير الدفاع.

اجتمع وزراء دفاع أكثر من 12 دولة من أعضاء حلف شمال الأطلسي في الصيف لبحث المشكلة، لكن عديداً من الحكومات لم تقرر بعد أين وكيف ستستثمر. قال كوبيشني: "إذا تركنا الاقتصاد الروسي يتحول بالكامل إلى وضع الإنتاج الحربي ونكون قد بدأنا بهذه المشاريع... فسوف ينتجون ذخائر بما يفوق أي جهة تزود أوكرانيا بها".

إنفاق أوروبا الدفاعي

تعكف الحكومات الأوروبية على تعزيز الإنفاق الدفاعي، لكن هذا يأتي بعد سنوات من محدودية الاستثمار. لقد انحسرت القدرة البيروقراطية اللازمة لتوجيه الإنفاق، لذا مع بدء تدفق الأموال، لا يوجد عدد كافٍ من الموظفين لتدقيق العقود، كما تقول لوسي بيرود سودرو، التي تتابع إنتاج الأسلحة في معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام. قالت: "تعرف الشركات أن الأموال آتية. لكنها ما تزال تفتقر للعقود، وتريد التأكد من وجود عائد على استثمارها في ذلك".

بعد نجاحها في أوكرانيا.. "لوكهيد" تتطلّع لمضاعفة إنتاج صواريخ "جافلين" إلى 4 آلاف

أحد أكبر العوائق التي تحول دون زيادة الإنتاج هو نزعة بعض دول حلف "ناتو" لشراء الأسلحة والذخائر بأنفسها لأنظمتها المحلية بدل العمل مع دول أخرى، كما بيّن دبلوماسي أوروبي رفيع المستوى طلب عدم كشف عن هويته لحساسية المناقشات في هذا الصدد. قال الدبلوماسي إن تجميع الطلبيات قد يسرّع الإنتاج ويحد من تضخم التكاليف، كما أن استخدام النوع نفسه من الذخيرة سيساعد في ضمان أن يحصل الجميع على ما يحتاجون إليه.

إلى أن تتبدّد المخاوف بشأن الإمدادات، قد يُضطر الجانبان للحد من استخدامهما للذخيرة، كما قال روب باور، الأدميرال الهولندي الذي يرأس اللجنة العسكرية في حلف شمال الأطلسي. يقدم هذا، كما يرى باور، دروساً للحلف بشأن أي صراع أوسع قد يخوضه. قال: "تتوقف الحرب على مخزوناتك وقدرتك على مواصلة القتال طيلة أمده".