لهذه الأسباب.. مستقبل أوكرانيا ليس في حلف شمال الأطلسي

الجمهورية السوفييتية السابقة لن تصبح عضواً في الحلف لكن يمكنها أن توقع شراكة وثيقة ومستمرة مع أوروبا وأميركا

دبابة ترفع علم أوكرانيا.
دبابة ترفع علم أوكرانيا. المصدر: بلومبرغ
Hal Brands
Hal Brands

Prof JHU-SAIS, scholar AEI, Bloomberg Opinion columnist. https://bloomberg.com/opinion Co-author of The Lessons of Tragedy.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

خلال الحرب العالمية الثانية، بدأ الحلفاء التخطيط لعصر ما بعد الحرب قبل أن يكون النصر قد لاح في الأفق في أي من جبهاتها. وبعد عام على صراع أوكرانيا مع روسيا، حان الوقت لكي تفعل كييف والغرب الشيء نفسه.

من المؤكد أن أوكرانيا لم تنتصر في الحرب، وبالنظر إلى الهجوم الروسي المستمر، فقد تستغرق التسوية شهوراً أو حتى سنوات. ولكن عندما يعم السلام، سيظل لزاماً على أوكرانيا ضمان أمنها في مواجهة النظام الروسي الذي لا يكاد يعترف بحقها في الوجود. وسواء أكان ذلك منصفاً أم لا، فمن المحتمل ألا تستطيع أوكرانيا حل هذه المشكلة من خلال أن تصبح عضواً في حلف شمال الأطلسي الذي تقوده الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإنها ستحتاج إلى دعم غربي لسنوات مقبلة.

وحتى عندما تنتهي الحروب، يمكن أن تستمر الظروف التي تتسبب في اندلاعها، فقد أوضح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه يهدف إلى الاستيلاء على أكبر قدر ممكن من أراضي أوكرانيا، لأنه لا يعتقد أنها دولة حقيقية تستحق سيادة حقيقية. لذا، حتى إذا اضطر هو أو من يخلفه إلى إبرام اتفاق سلام، أو ببساطة، خفض حدة هذا الصراع، يمكن لموسكو تجديد عدوانها عندما تبدو اللحظة مناسبة.

الخطة "أ"

بالتالي، قد تكون الخطة "أ" بالنسبة لأوكرانيا هي العضوية في منظمة حلف شمال الأطلسي، وهو طموح منصوص عليه في دستور البلاد. ومن غير الصعب معرفة السبب. فعضوية الحلف تجلب معيار الضمانات الأمنية الذهبي، وهو تعهد من أقوى تحالف في العالم، والذي يضم القوة العظمى الوحيدة فيه، باعتبار أي هجوم على أحد أعضائه هجوماً على الجميع. ولا يوجد تأمين ضد الغزو أفضل منذ ذلك في العصر الحديث.

للأسف، من غير المحتمل أن يحدث ذلك. كقاعدة عامة، لا يقبل حلف الأطلسي البلدان التي تشهد نزاعات حدودية مستمرة، ناهيك عن النزاعات شبه المجمدة على أراضيها، لأنه لا يريد أن يجعل مشكلات الأعضاء الجدد مشكلات خاصة به. لذلك ما لم تنته الحرب بانسحاب روسي كامل وقبول بمسائل تتعلق بوحدة أراضي أوكرانيا، فقد تُترك كييف خارج حلف الأطلسي، ضحية المفارقة القاسية المتمثلة في أن الشرط الذي يجعل عضوية الحلف مرغوبة يجعل ذلك مستحيلاً أيضاً.

فنلندا والسويد تقتربان من الانضمام لحلف "الناتو" بعد موافقة تركيا

بالطبع، يمكن لأي تحالف يضع قواعده الخاصة تغييرها، لكن حلف الأطلسي يعمل وفق مبدأ الإجماع، ومن المشكوك فيه أن أعضاءه الثلاثين سيكونون على استعداد لمواجهة روسيا إذا استؤنفت الحرب. ومثلما قال الرئيس جو بايدن إنه لن "يخوض الحرب العالمية الثالثة في أوكرانيا".

ربما تستحق أوكرانيا عضوية حلف الأطلسي، إذ أظهرت شجاعة وقدرة لا تصدق في تكبيد العدو الرئيسي لذلك التحالف خسائر فادحة. لكن في السياسة العالمية، "تستحق" لا تعني الكثير.

الخطة "ب"

أما الخطة "ب"، فهي أن تنتمي أوكرانيا للغرب دون التحالف رسمياً معه وأن يكون لديها جيش قوي للغاية لحماية استقلالها.

ومن المرجح أن تخرج أوكرانيا من هذا الصراع واحدة من أهم القوى العسكرية في أوروبا. فلم يكن أي بلد في القارة أن يتعامل مع مسألة الدفاع بجدية أكبر. كما أن لدى أوكرانيا احتياطيات ضخمة من القوات المدربة، إذ إن جيشها الذي ينتقل الآن من المعايير السوفييتية إلى المعدات القياسية لحلف الأطلسي، سوف يمتلك أسلحة ذات جودة أعلى مما كانت عليه عندما بدأ الصراع، بما في ذلك القدرات المتطورة مثل منظومة الصواريخ عالية الحركة (هيمارس) ودبابات أبرامز.

يتعلق هذا بالمكون الثاني لأمن أوكرانيا، وهو شراكة وثيقة ومستمرة تقدم فيها الدول الغربية المشورة والمساعدة في تدريب الجيش الأوكراني، مع الاستمرار في تزويد كييف بالأسلحة والإمدادات التي تحتاجها للدفاع عن النفس.

تصعيد "بايدن" في أوكرانيا يتمحور حول الدبلوماسية لا النصر

هذا النموذج بدأ يتكشف بالفعل. فدبابات "أبرامز" التي تعهد "بايدن" بتقديمها لأوكرانيا هي قطع معقدة من العتاد تشكل تحديات كبيرة تتعلق بالأمور اللوجستية والاستدامة. وهي ليست من نوع الأسلحة التي تقدمها واشنطن إلا إذا كانت تخطط للبقاء على اتصال وثيق مع من يحصل عليها.

وقد تذهب دول الحلف المنفردة إلى أبعد من ذلك.

تشارك دول الجبهة الشرقية، بولندا ودول البلطيق على وجه الخصوص، أوكرانيا مخاوفها الوجودية من روسيا، وتعمل على تعزيز جيوشها. ويمكن أن يكون هناك "حلف وارسو جديد"، وهو كتلة عسكرية من دول شرق أوروبا، ربما تقترب من أن تصير تحالفاً رسمياً، لكنه هذه المرة مكرس لحماية الحرية بدلاً من خنقها.

تحديات جاثمة

غير أن هذه الاستراتيجية تنطوي على تحديات، حيث إن تاريخ العلاقات بين بولندا وأوكرانيا، على سبيل المثال، ليس مُبهجاً تماماً، لذا فإن أحد الأسئلة المطروحة هو ما إذا كانت التحديات الحالية يمكن أن تسمح لشرق أوروبا بتجاوز الانقسامات السابقة. وتُعد الخطة "ب" ثاني أفضل حل لأوكرانيا، إذ يمكن، مثلما توضح الحرب الحالية، أن يكون الاختلاف بين "عضو في حلف الأطلسي" و "شريك أمني وثيق" وجودياً. وينبغي للولايات المتحدة ألا تقلل من شأن التكاليف.

الحرب تلتهم 30% من اقتصاد أوكرانيا وتوقعات بنمو طفيف في 2023

ورغم أن أوكرانيا تبني جيشاً هائلاً، لكنها ستواجه صعوبات كبيرة في الحفاظ عليه، بالنظر إلى أن الحرب دمرت اقتصاد البلاد. ببساطة، ليس هناك ما يكفي من الأصول الروسية المجمدة لدفع تكاليف إعادة الإعمار، حتى لو اتبعت واشنطن ودول أخرى هذا النهج.

لذلك من المرجح أن تظل أوكرانيا تحت حماية الغرب الاقتصادية، في ظل تمويل واشنطن وحلفائها الدفاع عنها في المستقبل المنظور. وحتى لو لم تكن كييف متجهة إلى حلف الأطلسي، فإن نهاية الحرب قد تكون مجرد بداية لالتزام غربي طويل تجاه أوكرانيا.