حاول فرض ضرائب على الأثرياء في 1999.. أخطاء ترمب

أخطأ ترمب في تقدير الثروة الأمريكية ونسبة من يسيطر عليها
أخطأ ترمب في تقدير الثروة الأمريكية ونسبة من يسيطر عليها المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

سبق "دونالد ترمب" (Donald Trump) "إليزابيث وارين" (Elizabeth Warren) في اقتراحها بفرض ضريبة على الأثرياء.

حدث ذلك في عام 1999 عندما كان "ترامب" يحاول إغراء "حزب الإصلاح" (Reform Party) لاختياره كمرشح رئاسي لحملة الحزب الانتخابية لعام 2000

صحيح أن ترامب نظم حملة إعلامية لإيصال فكرة الضريبة على الأثرياء إلى صفحات الجرائد الأولى، لكن لم يستطع أحد فهم آلية تطبيقها أو لماذا طرحها أو من كان صاحب فكرتها أساسًا.

يقول "ديف شيفليت" (Dave Shiflett)، الذي شارك "ترامب" في تأليف كتاب "أمريكا التي نستحقها" (The America We Deserve): إن "ترامب" قد يكون صاحب الفكرة، أو ربما كانت فكرة "روجر ستون" (Roger Stone)، مستشار حملته لفترة طويلة.

لكن الحسابات لم تكن صحيحة، فـ"ترامب" كان قد أخطأ التقدير فيما يتعلق بمليارات الدولارات. ومن هنا غيّر "ترامب" طريقة تقديم نفسه، وفي الوقت الذي ترشح فيه بالفعل للرئاسة في عام 2016، ليصبح المحافظ الذي تحركه قوى السوق ليفوز بترشيح الحزب الجمهوري ثم بالرئاسة.

وقال "ترامب"، المرشح الملياردير، في 2016 إنه حاول دفع أقل قدر ممكن من الضرائب، وكان منذ ذلك الحين يشبّه عمومًا خطة الديمقراطيين بفرض ضرائب على الأثرياء بالنظام الاشتراكي لـ“نيكولاس مادورو" (Nicolas Maduro) في فنزويلا.

يعتقد "شيفليت"، الذي شارك في تأليف كتاب "ترامب" وعنوانه "أمريكا التي نستحقها" (The America We Deserve) الصادر عام 2000، أن "ستون" هو صاحب هذه الفكرة، ويرى أن أخذ البعض هذه الفكرة على محمل الجد أمر مضحك.

نظم "ترامب" حملة قصيرة ليفوز بترشيح "حزب الإصلاح" في عام 1999، وكان يحاول محاكاة نجاح المصارع المحترف السابق "جيسي فينتورا" (Jesse Ventura)، الذي فاز بمنصب محافظ مينيسوتا من مرشحي حزب الإصلاح، لكن المقربين من مؤسس الحزب "روس بيروت" (Ross Perot) كانوا يرون أن ترشيح "ترامب" فكرة سيئة. وأصبح "بات بوكانان" (Pat Buchanan)، الكاتب المحافظ، مرشح الحزب في انتخابات عام 2000.

وفي نوفمبر عام 1999، كشف "ترامب" عن خطته لفرض ضرائب على الأثرياء في عدد من المقابلات، سعيًا منه لجذب أكبر قدر من الانتباه. وكانت فكرته هي أخذ جزء كبير من ثروات أغنى الأمريكيين واستخدامها لسداد الدين الوطني، ثم استخدام ما تبقى من هذه الأموال لدعم الضمان الاجتماعي، وتخفيض ضرائب الطبقة الوسطى، وإلغاء ضريبة العقارات.

واقترحت "وارن" (Warren)، العضو في مجلس الشيوخ عن ولاية ماساتشوستس، ومرشحة الحزب الديمقراطي لعام 2020، فرض ضريبة على من يبلغ صافي ثرواتهم أكثر من 50 مليون دولار، أي أثرى الأثرياء في أمريكا والذين يمثلون 0.1 بالمئة من الأمريكيين. وتقول إن هذه الضرائب ستوفر إيرادات تبلغ 2.75 تريليون دولار على مدار 10 أعوام.

وقال "بات شوت" (Pat Choate)، نائب المرشح "بيروت" (Perot) في عام 1996: إن رغبة "ترامب" بسداد الدين الوطني كانت تتفق مع سياسات ذلك الوقت. وكان "بيروت" نفسه قد ترشح بناءً على فكرة المسؤولية المالية، لكن استخدام الضريبة على الأثرياء لتسديد الدين في عام 1999 بدا كحل لمشكلة بدأت تختفي بالفعل.

كانت الولايات المتحدة تحقق فائضًا في ذلك الوقت، ما دفع رئيس مجلس "الاحتياطي الفيدرالي"، (Federal Reserve) “آلان غرينسبان" (Alan Greenspan)، إلى تحذير الكونغرس من عواقب نضوب السيولة في سوق سندات الخزانة.

وما يضاعف الحيرة هو أن أرقام "ترامب" لم تكن منطقية، فقد اقترح فرض ضريبة بنسبة 14.25 بالمئة على صافي قيمة أصول الأمريكيين الذين تزيد ثروتهم على 10 ملايين دولار، باستثناء منازلهم الأساسية، موضحاً أن هذه الخطة ستوفر 5.7 تريليون دولار.

وقال "ترامب"، آنذاك، إن "الاقتصاديين الذين استشارهم" قدروا قيمة الثروات في الولايات المتحدة بنحو 50 تريليون دولار، 40 تريليونا منها يتحكم فيها أثرى الأثرياء الذين يمثلون 1 بالمئة من الأمريكيين. لكن الواقع هو أنه أخطأ التقدير بـ10 تريليونات دولار من إجمالي الثروة الأمريكية، وبنسبة مئوية مكونة من رقمين تشير إلى نسبة المسيطرين على تلك الثروة.

احصاءات الثروة الأمريكية

ووفقًا لـ"الاحتياطي الفيدرالي"، والاقتصاديين الذين قدروا تركيز الثراء الأمريكي، فقد بلغ صافي قيمة أصول الأسر الأمريكية نحو 40 تريليون دولار، ويسيطر أثرى الأثرياء الذين يمثلون 1 بالمئة من الأمريكيين على أقل من نصف هذا المبلغ.

وهنا يقول "مارك زاندي" (Mark Zandi)، الخبير الاقتصادي حاليًا في "موديز أناليتيكس" (Moody’s Analytics)، إنه بدلاً من فرض ضرائب على الأسر التي لديها أصول تزيد قيمتها على 10 ملايين دولار، باستثناء المنازل الرئيسية التي تملكها، كان على الكونغرس فرض ضريبة بنسبة 14.25 بالمئة على صافي قيمة أصول جميع الأمريكيين، بما فيها بيوتهم الرئيسية، لجمع المبلغ الذي طرحه "ترامب"، هذا على افتراض عدم خداع أحد للنظام ببخس قيمة أصوله الفعلية أو نقلها إلى الخارج.

ويبدو أن "ترامب" لم يشارك فعليًا في حساب هذه النسب والأرقام، وعندما أعلن عن فكرته بفرض ضريبة على الأثرياء، كان "شيفليت" يساعده في تأليف الكتاب الذي يوضح السياسات التي سيتبناها كرئيس للولايات المتحدة. وقال "شيفليت" إنه أجرى مقابلة واحدة مطولة مع "ستون" و"ترامب" حاولا فيها طرح بعض الأفكار.

ولا يذكر "شيفليت" من الذي طرح فكرة الضريبة على الأثرياء، لكنه قال إن "ستون" هو من كان يحرك الكثير من المقترحات المتعلقة بالسياسات. وأضاف أن "ترامب" كانت لديه آراء قوية بشأن الإرهاب وكوريا الشمالية، وأيد بشدة نظام "الدافع المفرد للرعاية الصحية" (single-payer health care system)، لكن الضرائب كانت قضية ثانوية بالنسبة له.

كما قال شيفليت": "لقد أثار جلبة حول أن الضرائب ستكلفه الكثير من المال"، مضيفًا: "لكنها لن تكلفه الكثير لأنها لن تُطبق". وأوضح أن فريقًا تلفزيونيًا هولنديًا ذهب إلى منزل "ترامب" بعد فوزه بالرئاسة في عام 2016، وسألوه عن الكتاب، آخذين كل ما فيه على محمل الجد. وهو موقف يراه "شيفليت" مضحكًا.

وقال: "إن الجدية لم تكن جزءاً من هذا الكتاب، ولم نكن نكتب كتابًا تستشهد به الأجيال على مكانة الرئيس العظيم في التاريخ، أو شيئًا من هذا القبيل". وأضاف أن "ستون" كان يتحدث في الغالب عن ترشح "ترامب" للرئاسة بشيء من الفكاهة.

أدهشت فكرة الضريبة على الأثرياء- عندما وصلت إلى الأخبار- "دوغلاس هولتز إيكين" (Douglas Holtz-Eakin)، رئيس قسم الاقتصاد في "جامعة سيراكيوز" (Syracuse University) آنذاك، لغرابتها خصوصًا مع الأوضاع المواتية لميزانية الولايات المتحدة ودينها.

وقال "هولتز إيكين"، رئيس "أمريكان آكشن فوروم" (American Action Forum)، ذو الميول اليمينية حاليًا، إن خطة "ترامب" تصلح أن تُدرس كمثال على السياسة السيئة. كما تساءل: "إذا جمعت ثروة كبيرة ذات يوم وأخذت الدولة 14.25 بالمئة منها، فهل سأعود وأجمعها مرة أخرى؟"

وتولى هولتز إيكين" رئاسة "مكتب ميزانية الكونغرس" (Congressional Budget Office) عام 2003، في الوقت الذي كان فائض الميزانية يتحول إلى عجز كبير.