هل يمكن أن تُعيد حرب أوكرانيا إنتاج عالم ثنائي القطب؟

النظام العالمي الذي يبدو وكأنه ينشأ من الركام الأوكراني يشبه إلى حد كبير نظام الحرب الباردة

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يقف بجانب نظيره الصيني وانغ يي
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يقف بجانب نظيره الصيني وانغ يي المصدر: أ.ف.ب
Andreas Kluth
Andreas Kluth

Columnist at Bloomberg Opinion. Previously editor-in-chief of Handelsblatt Global; 20 years at The Economist. Author of "Hannibal and Me."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

إذا كانت المخابرات الأميركية على حق في أنَّ الصين على وشك تسليح روسيا في حرب الإبادة الجماعية ضد أوكرانيا، فربما ندخل حقبة جديدة في العلاقات الدولية. هل ستكون حقبة أكثر خطورة؟ لننتظر ونرى.

في الواقع؛ فإنَّ الدعم العسكري الصيني لروسيا من شأنه أن يحوّل أخيراً الصراع الأوكراني إلى حرب بالوكالة بين كتلتين معاديتين، مع محاولة الكتلة الثالثة البقاء بعيداً عن المعركة، إذ ستقوم الولايات المتحدة، و"الاتحاد الأوروبي"، و"الغرب" الجيوسياسي - من كندا إلى اليابان وأستراليا - بدعم كييف، بينما ستقوم كل من الصين، وإيران، وكوريا الشمالية، وبيلاروسيا، وعدد قليل من الدول المارقة الأخرى - دعونا نطلق على هذه الدول اسم "الشرق" – بمساعدة موسكو.

لهذه الأسباب.. مستقبل أوكرانيا ليس في حلف شمال الأطلسي

في الوقت نفسه؛ فإنَّ معظم البلدان الأخرى - من الهند إلى البرازيل والكثير من أفريقيا – ستتنقل بحذر بين هذه المعسكرات. اليوم نسميهم "الجنوب العالمي". في الماضي، أشرنا إليهم باسم "حركة عدم الانحياز" - بقيادة الهند ويوغوسلافيا السابقة - أو ببساطة "العالم الثالث"، وهو مصطلح أصبح يشير لاحقاً إلى "البلدان الفقيرة" فقط.

ولادة نظام عالمي جديد

هل هذا الأمر مألوف؟. إنَّ النظام العالمي الذي يبدو وكأنَّه ينشأ من الركام الأوكراني يشبه إلى حد كبير نظام الحرب الباردة. سيواجه العالم الأول الديمقراطي والرأسمالي مرة أخرى عالماً ثانياً استبدادياً (هو عالم ذو نظام رأسمالي غامض فاسد أو ما بعد الشيوعي)، مع شعور العالم الثالث مرة أخرى بالاستياء، والاضطراب، وأنَّه لقمة سائغة، ويتم تجاهله.

لدى العلاقات الدولية كلمات فخمة ذات مقاطع متعددة لمثل هذه التشكيلات. كان "نظام" الحرب الباردة ثنائي القطب. هذا لا يعني أنَّ تلك الحقبة كانت منظمة، ولا أنَّ هناك قوتين فقط. لقد أشار المصطلح فقط إلى المراكز المزدوجة للقوة الجيوسياسية في واشنطن وموسكو.

تصعيد بوتين في أوكرانيا يعجّل انهيار تركيبة روسيا السكانية

بدا وكأنَّ تفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991 أنهى القطبية الثنائية، واستحدث حقبة جديدة أحادية القطب - أو ربما لـ"لحظة"، اعتماداً على وجهة نظرك في ذلك الوقت بشأن استمرارها.

ولعبت الولايات المتحدة - باعتبارها القوة العظمى الوحيدة المتبقية - فعلياً دور "شرطي العالم"، وهناك مصطلح فاخر آخر لدورها هذا ألا وهو "القوة المهيمنة". اعتماداً على مكان إقامتك في العالم؛ كانت هذه الأمور إما تمثل أخباراً رائعة أو الأسوأ من نوعها.

"تعددية الأقطاب المعقدة"

لكن تلك الحقبة كانت سريعة الزوال، على أي حال. على مدى العقد الماضي على الأقل، كان الدبلوماسيون والعلماء على يقين من أنَّنا انتقلنا إلى حقبة جديدة. جوزيب بوريل، كبير مسؤولي السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، يسميها "تعددية الأقطاب المعقدة". ويعتقد أنَّ الجهات الفاعلة الرئيسية في هذا النظام هي الولايات المتحدة، والصين، و"الاتحاد الأوروبي" طبعاً - فهو يعمل في بروكسل – بالإضافة إلى قوى متوسطة أخرى تلعب أدوراً ثانوية، بما في ذلك روسيا، وتركيا، والهند. بعيداً عن سعادته بهذا الترتيب، يقلق "بوريل" من أنَّ مثل هذه التعددية القطبية تجعل النظام التعددي القائم على القواعد أكثر صعوبة.

أي نظام أكثر ملاءمة للاستقرار؟

لقد كان علماء العلاقات الدولية مراراً في خلاف دائم بشأن أي نمط من هذه النظم الثلاثة هو الأكثر ملاءمة للاستقرار. تشمل السوابق أحادية القطب الإمبراطورية الرومانية، أو سلالات تانغ أو مينغ الصينية. تتمثل إحدى المشكلات في أنَّ القوة العظمى، بمرور الوقت، ترى أنَّ هيمنتها تجلب امتيازاً أقل وعبئاً أكبر، حيث يتعين عليها في كثير من الأحيان أن تضع مصالح النظام فوق مصالحها. والشيء الآخر هو أنَّ جميع القوى الأخرى ستميل إما إلى استغلال القوة العظمى أو التحالف ضد هذه الدولة الكبيرة.

تصعيد "بايدن" في أوكرانيا يتمحور حول الدبلوماسية لا النصر

القطبية الثنائية لها سوابق تاريخية أيضاً، من أسبرطة وأثينا في القرن الخامس قبل الميلاد إلى بريطانيا وفرنسا في القرن الثامن عشر، وبالطبع الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي في القرن العشرين. إذا عشت أزمة الصواريخ الكوبية، فقد تتذكر هذا النوع من المواجهة على أنَّه مرعب، لكنَّ ثنائية القطبية يمكنها أيضاً تبسيط نظرية اللعبة بين القوتين العظميين وتؤدي إلى الاستقرار، مثل استراتيجية "الدمار المتبادل المؤكد" التي أنقذتنا من محرقة نووية خلال الحرب الباردة.

بينما تشمل الأمثلة على التعددية القطبية أوروبا في القرن السابع عشر، أو مرة ثانية في القرن التاسع عشر بعد "الحروب النابليونية"، أو مرة أخرى في القرن العشرين بعد الحرب العالمية الأولى. من بين المعجبين بهذا النموذج علماء من المدرسة الكلاسيكية لـ"الواقعية"، الذين يعتقدون أنَّ الاستقرار ينشأ من تغير ميزان القوى بين العديد من الجهات الفاعلة. لكنَّ الأنظمة متعددة الأقطاب تنهار أيضاً في النهاية. خضعت التعددية القطبية لاختبار في القرن السابع عشر خلال "حرب الثلاثين عاماً"، التي خلفت قتيلاً واحداً من بين كل ثلاثة تقريباً في وسط أوروبا. وتوّجت نظام ما بين الحربين في القرن العشرين – على النحو الذي كان عليه – بحكم موسوليني، وفرانكو، وهتلر، وستالين.

انعكاس الأدوار

بالرغم من ذلك؛ فإنَّ حرباً باردةً أخرى – طالما بقيت باردة - لن تعني بالضرورة نهاية العالم لمجرد كونها ثنائية القطب، لكنَّها ستتطلّب نهجاً جديداً. أحد الاختلافات هو أنَّ طاقم الشخصيات قد تغير. ما تزال الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي اللاعبين الرئيسيين من الجانب الأول، لكن بينما كان الخصم الرئيسي خلال الحرب الباردة هو موسكو، وكانت بكين الداعم الثانوي لها غريب الأطوار؛ فإنَّ هذه الأدوار قد انعكست الآن.

هل تنحسر نماذج الشعبوية والاستبداد التي يمثلها بوتين وشي؟

في هذه الأيام، تعتبر روسيا في عهد الرئيس فلاديمير بوتين وكيلةً للفوضى التي تهدد النظام ككل، لكنَّها لا تضاهي الولايات المتحدة أو الغرب على المدى الطويل. في سياق تنفيسه عن غضبه في خطاب دام ساعتين هذا الأسبوع، بدا "بوتين" وكأنَّه ديكتاتور هائج لا قيمة له أكثر من كونه شريكاً محتملاً للهيمنة المشتركة.

أُفول التعددية

أما الصين في عهد الرئيس شي جين بينغ فكانت الوجه الآخر. إنَّها القوة الوحيدة التي يمكن أن تتحدى الولايات المتحدة على السيادة، لكن لديها مصلحة متزايدة أيضاً في الحفاظ على النظام على هذا النحو. لذلك، يجب التعامل بحذر مع التلميحات التي صدرت هذا الأسبوع من قبل وانغ يي، كبير الدبلوماسيين الصينيين، بأنَّ بكين ستسعى للتوسط في سلام تفاوضي في أوكرانيا، ولكن لا ينبغي رفضها على الفور.

بغضّ النظر عما إذا كنا نصنف عصرنا بأنَّه متعدد أو ثنائي القطب، فمن غير المرجح أن يكون ساراً. عاد التفكير من منظور "مناطق النفوذ" إلى الواجهة، على حساب البلدان الأصغر التي تجد نفسها بيادق على لوحات ألعاب الآخرين. ستصبح التعددية - أي التعاون المنظم بين جميع اللاعبين أو معظمهم - بعيدة المنال على نحو متزايد، حتى عندما يجعلها تغير المناخ أمراً لا غنى عنه. الأكاديميون وحدهم فقط من يطلقون على أي من هذا مسمى "النظام".