ما خيارات "غلينكور" للاستحواذ على شركات التعدين الجاهزة؟

عملاقة التعدين خفضت المديونية 99% وتبحث عن صفقات جديدة وسط سيولة وفيرة وتناقص للفرص المتاحة

قطار ينقل شحنة من الفحم تابعة لشركة "غلينكور".
قطار ينقل شحنة من الفحم تابعة لشركة "غلينكور". المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

حينما أسّس إيفان غلاسنبرغ تكتل "غلينكور" لطالما فضل شراء الشركات الجاهزة على إطلاق مشروعات جديدة، وقال غلاسنبرغ في 2017 قبل تقاعده من منصب الرئيس التنفيذي بأربع سنوات: "الشركة لا تثق بالمشروعات الجديدة".

على مدى عقدين من مسيرته، صنع غلاسنبرغ رابع أكبر شركة للتعدين في العالم عبر شراء مؤسسات أخرى، والتي تمتد من مجموعة "إكستراتا" (Xtrata) للتنقيب إلى "فيتيرا"(Viterra) التي تتاجر في الحبوب.

الآن، أصبح الوقت مناسب للاستحواذ على شركة عملاقة أخرى، حيث قدمت أزمة الطاقة العالمية للشركة فرصة لا تتكرر لتغيير جلدها.

مديونية "غلينكور" تنخفض 99%

بفضل أرباح الفحم الهائلة، حظيت "غلينكور" بأقوى ميزانيتها منذ طرحها للاكتتاب العام قبل أكثر من عِقد، وفي نهاية 2022، توقف صافي ديونها عند 75 مليون دولار فقط، ما يشكل انخفاضاً بنسبة 99% من ذروة مديونية بلغت 35,8 مليار دولار في نهاية 2013، وقفزت أرباحها الأساسية المعدلة في العام الماضي 60% لتحقق رقماً قياسياً قدره 34,1 مليار دولار، نصفها -أي 17,9 مليار- من التنقيب عن الفحم.

رغم الحد المفروض ذاتياً عند 16 مليار من صافي المديونية لأي استحواذ، تملك "غلينكور" حالياً أموالاً مخصصة للسعي خلف هدف كبير، فبعد تسوية مشكلات الرشوة وغسيل الأموال مع وزارة العدل الأميركية والجهات الأخرى وسداد غرامات تتجاوز مليار دولار، يمكنها أيضاً استخدام أسهمها في عمليات الاستحواذ. باختصار، "غلينكور" لديها المال اللازم، لكن إذا لم تنفقه الآن، فمتى ستنفقه؟

"غلينكور" تواجه سيلاً من الدعاوى القضائية في بريطانيا بعد اتهامات بالرشوة

يدرك غاري ناغل، خليفة غلاسنبرغ، هذه الفرصة تماماً، ويبدي الرغبة نفسها لعقد صفقة، وفي اجتماع مع المستثمرين الأسبوع الماضي، قال ناغل في تتابع سريع: "نرغب في صفقات اندماج واستحواذ، إنها جزء من هويتنا، والجزء الأكبر من هذه الشركة بُني عبر صفقات الاندماج والاستحواذ".

انهيار أسعار الفحم

لكن ناغل أصر -كما أصر رئيسه السابق- أنه لن يشتري لمجرد الشراء، وإنما يجب أن تكون الصفقة الصحيحة في المكان الصحيح، وكلاهما غير متوفر حالياً.

"غلينكور" توزع 4.45 مليار دولار أرباحاً على المساهمين

فالرئيس التنفيذي صاحب السبعة والأربعين عاماً والذي تولى المنصب في 2021، يقول إن شركة التنقيب والتجارة في السلع لديها حالياً إمكانية كبيرة للنمو بالاعتماد على نفسها، من خلال توسعة المناجم الموجودة بالفعل –التي يُطلق عليها المشروعات المهملة- أو إنشاء مناجم من البداية -ما يُسمى بالمشروعات الجديدة- لكن دون زيادة الإمدادات التي لن تحدث قبل 2025، لن تنمو الأرباح إلا بارتفاع الأسعار، وهذا رهان على حدوث أزمة أخرى في الطاقة لترفع أسعار الفحم إلى حد غير مسبوق. فما زالت أسعار الفحم مرتفعة من الناحية التاريخية، لكنها انهارت في مطلع 2023، لتصل إلى النصف في الخمسة والأربعين يوماً الماضية.

مشروعات "غلينكور" الكبيرة

أبلغت "غلينكور" مستثمريها بأن لديها 4 مشروعات كبيرة في تشيلي وبيرو والكونغو الديمقراطية والأرجنتين، ستوفر للشركة أرباحاً حال ارتفاع أسعار النحاس، لكن يمكنها شراء مشروعات جاهزة بدلاً من تأسيس واحدة جديدة.

لنبدأ أولاً بما لا تهتم به "غلينكور"، الشركة ترى قيمةً في صفقات الألمنيوم، في مجال تبلغ قيمة الصفقة فيه مليار دولار، لكنها غير مهتمة بالاستحواذ على شركة ألمنيوم كبرى مثل "ألكوا كورب" (Alcoa) التي يقع مقرها في الولايات المتحدة.

المفترض أن يكون النحاس هو الهدف المفضل، فمنذ سنتين، عقدت "غلينكور" محادثات عن الاندماج مع شركة "تك ريسورسز" (Teck Resources) الكندية، وانتهت المحادثات دون اتفاق، مع ذلك، فإن شراء "تك ريسورسز" هو الأكثر منطقية لشركة "جلينكور"، فأوجه التكامل واضحة، لأن "تك ريسورسز" هي المساهم الأكبر في منجم "كيبرادا بلانكا" للنحاس في تشيلي الذي يبعد بضعة كيلومترات عن منجم "كوياهاسي" التي تملكه "غلينكور"، كما تملك "تك ريسورسز" أسهماً في منجم "أنتامينا" للنحاس في بيرو الذي تملك فيه "غلينكور" حصة كبيرة من الأسهم أيضاً، و"تك ريسورسز" بها قسم للفحم سيتلاءم مع نظيره في "غلينكور". القيمة الصافية لشركة التنقيب الكندية هي 22,5 مليار دولار بالإضافة إلى المديونية، في حين أن قيمة "غلينكور" السوقية نحو 80 مليار دولار ، وصافي مديونية صفري. بالتالي، يمكن لشركة "غلينكور" ابتلاع "تك ريسورسز".

أرباح عملاقة تداول السلع "غلينكور" في طريقها لكسر الرقم القياسي

ليت شركة "تك ريسورسز" كانت معروضة للبيع، فالشركة التي تديرها عائلة كيفيل في هيكل مزدوج الأسهم لديها خطط مختلفة، إذا حدث وعرضتها عائلة كيفيل للبيع، فالأرجح أنها ستجذب نوعاً من جنون العروض تحاول "غلينكور" تجنبه، حتى في تلك الحالة، فبالتأكيد ستعيد "غلينكور" المحاولة، بعدما حاولت فعل ذلك من قبل، ولن تكون المرة الأولى التي تدخل فيها الشركة مزاداً، حيث فعلت الأمر ذاته مع "فيتيرا" لتفوز على منافستها الأميركية "آرشر-دانييلز-ميدلاند" (Archer-Daniels-Midland) بشركة تجارة الحبوب الكندية.

الأهداف الجذابة تتناقص

بخلاف "تك ريسورسز"، تقلص عدد الأهداف الجذابة سريعاً، فشركة "فريبورت مكموران" (Freeport McMoran) للتنقيب عن النحاس التي يقع مقرها في الولايات المتحدة باهظة السعر، وشركة "فرست كوانتم مينرالز" (First Quantum Minerals) الكندية تصارع حكومة بنما للسيطرة على أصل مهم، والشركات الأخرى أصغر من تُحدث تغييراً ملحوظاً.

على الجانب الآخر، يشعر مديرو "غلينكور" التنفيذيون غالباً بالاستياء من امتناع خصومهم عن البيع، وذلك الغرور يفسد الصفقات، أو هذا ما يبدو ظاهرياً على الأقل، وهم ليسوا مخطئين في ذلك.

لكن ما يوقف الصفقة في الحقيقة هو المال، حيث يمكن تقديم عرض جيد -والرهان على ارتفاع أسعار النحاس بصورة أكبر على المدى الطويل- وسيكون هناك فرصة جيدة حينها ألا يفسد الغرور للصفقة، وحالياً تملك "غلينكور" المال لعمل ذلك للمرة الأولى منذ مدة طويلة.