طفرة إعادة تدوير بطاريات السيارات الكهربائية سابقة لأوانها

البطاريات المستعملة لا تكفي لتلبية سوى 10% من الطلب الأميركي على المواد الخام

سيارة كهربائية موصول بها قابس شحن في محطة لشحن المركبات الكهربائية شمال فانكوفر، كندا، يوم 13 سبتمبر 2022
سيارة كهربائية موصول بها قابس شحن في محطة لشحن المركبات الكهربائية شمال فانكوفر، كندا، يوم 13 سبتمبر 2022 المصدر: بلومبرغ
Adam Minter
Adam Minter

Adam Minter is a Bloomberg Opinion columnist. He is the author of “Junkyard Planet: Travels in the Billion-Dollar Trash Trade” and "Secondhand: Travels in the New Global Garage Sale."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

طفرة إعادة تدوير بطاريات السيارات الكهربائية بدأت تبدو مثل الفقاعة، الأمر الذي يمثل تحدياً أمام شركات صناعة السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة التي تحتاج إلى مواد خام لدعم مستقبل مستدام لعملية الانتقال.

يرى العديد من صناع القرار والمستهلكين في الولايات المتحدة أن بطارية السيارة الكهربائية المصنوعة من معادن مُستخرجة من الكونغو وإندونيسيا وأسواق ناشئة أخرى تفتقر إلى المسؤولية البيئية بشكل كافٍ، ويفضلون في المقابل الحصول على البطاريات من موارد محلية أو بإعادة التدوير، وهو ما يحرص مستثمرو القطاع الخاص وإدارة بايدن على تحقيقه.

في الأسبوع الماضي، تعهدت وزارة الطاقة بإقراض أكبر شركات إعادة تدوير البطاريات في أميركا الشمالية، "ريدوود ماتريالز" (Redwood Materials Inc) ملياري دولار، بهدف توسيع عملياتها حتى تتمكن من تصنيع مكونات بطاريات لأكثر من مليون سيارة كهربائية سنوياً.

المبادرة جديرة بالثناء، لكنها تنطوي على مشكلة، فلا توجد بطاريات سيارات كهربائية مستعملة بكمية كافية لتلبية حتى 10% من الطلب على المواد الخام اللازمة لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة، التي لديها قدرة على إعادة تدوير البطاريات تفوق حجم البطاريات المتاحة لإعادة التدوير، ذلك علاوة على المبادرات الحكومية والخاصة التي تخطط وتبني منشآت لإعادة تدوير البطاريات.

الفشل حتمي

الفشل سيكون مصير أغلب تلك الاستثمارات، ولن ينجح سوى القليل منها، التي تتجه للتنويع وعدم الاقتصار على نشاط إعادة التدوير مؤقتاً على الأقل.

تنطوي استدامة السيارات الكهربائية على مفارقة، فبينما يساعد تسارع نمو وسائل النقل المُكهربة في إبطاء وتيرة تغير المناخ والحد من تلوث الهواء، تأتي أغلب المواد الخام اللازمة لتصنيع بطاريات السيارات الكهربائية ومعالجتها من مناطق لا تعطي أولوية لحماية البيئة وسلامة الإنسان، فعلى سبيل المثال، تسببت عمليات معالجة النيكل في إندونيسيا من أجل توريده لأكبر شركة تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية في العالم في الصين في تلوث مصايد الأسماك التي كانت مزدهرة من قبل.

"تسلا" و"بي واي دي" تضعان اللمسات الأخيرة للاستثمار في المركبات الكهربائية بإندونيسيا

إلى جانب القضايا البيئية، يثير الاعتماد المفرط على التصنيع في الخارج قلق المسؤولين الأميركيين. خلال الأشهر الأحد عشر الأولى من 2022، استحوذ مصنعو البطاريات الصينيون على 60.5% من السوق العالمية، ولم يظهر مصنعو البطاريات الأميركيون بالمراتب العشرة الأولى في العالم، حيث يعتمدون جميعاً على سلاسل التوريد الصينية للمواد الخام والمكونات.

وفي الوقت الذي يُقدم تطوير سلسلة توريد بطاريات أميركية، تعتمد على إعادة التدوير محلياً، حلاً مستداماً للمشكلتين من الناحية النظرية، يتطلب هذا الحل بطاريات كافية لدعم سلسلة التوريد.

ندرة الخردة

يتوقف توفير بطاريات لإعادة التدوير مستقبلاً على عدة عوامل أبرزها توافر الخردة الناتجة عن التشغيل، التي غالباً تُعاني التجاهل، حيث تُمثل البطاريات المعيبة التي يتم نقلها مباشرةً من التصنيع إلى الخردة نحو ثلاثة أرباع البطاريات المُعاد تدويرها بمصانع البطاريات الأميركية والعالمية في الوقت الحالي، والتي ستنخفض أعدادها مع تحسن تكنولوجيا التصنيع.

ويشير أقرب تقدير إلى عدم تفوق أعداد البطاريات المُنتهية الصلاحية على خردة الإنتاج قبل منتصف 2030. ولنأخذ مثالاً مبيعات "تسلا" في 2019 من طراز "3" التي بلغت 158925 سيارة في الولايات المتحدة، حتى أصبحت الأكثر مبيعاً في الولايات المتحدة ذلك العام، والسؤال، متى تتوفر بطاريات تلك السيارات لتصبح مدخلات لإعادة التدوير؟ حيث كتب إيلون ماسك في تغريدة وقتها أن بطارية سيارات ذلك الطراز قد تستمر في العمل نحو 300 ألف – 500 ألف ميل. وإذا كان ماسك، المعروف عنه المبالغة، محقاً بشأن نصف تلك الأميال، يعني ذلك انتظار مصانع إعادة التدوير عقداً أو أكثر للحصول على تلك البطاريات.

"تسلا" تسعى إلى زيادة الإنتاج مع تجاوز أرباحها تقديرات السوق

حتى ذلك العدد القليل من البطاريات قد ينخفض أكثر مع ازدهار البطاريات المستعملة. في الربع الرابع من 2022، بلغت قيمة بطاريات السيارات الكهربائية المستعملة 12 - 16 ضعف قيمة المواد الخام التي يُمكن استخلاصها منها، وفقاً لشركة "سيركولار إنرجي ستوريج" (Circular Energy Storage) للاستشارات المتخصصة في سوق بطاريات أيونات الليثيوم منتهية الصلاحية. ويتأثر حساب القيمة بالارتفاع المتزايد في أسعار السيارات إضافة للمخاوف المتعلقة بالاستدامة. فعلى كل حال، ربما لا تصل سيارة كهربائية منتجة قبل 8 سنوات، وبها بطارية تعمل بسعة 60%، إلى مستوى سيارة جديدة دون إعادة الشحن، لكن تكلفتها أقل، وعندما تنتهي البطارية بالكامل، فإن استخدام بطارية مستعملة بدلا منها أرخص من شراء بطارية أو سيارة جديدة.

اجتياز فترة الجفاف

العام الماضي، توقع "غولدمان ساكس" أن تأتي 7% فقط من النيكل عالي الجودة المُستخدم في صناعة البطاريات بحلول 2030 من مصادر مُعاد تدويرها، كما تتوقع شركة "سيركولار إنرجي ستوريج" أن شركات إعادة تدوير البطاريات في أميركا الشمالية ستعاني من طاقة إنتاجية زائدة تصل إلى 183% بحلول 2030، إذا اكتمل تنفيذ كافة الخطط المعلنة.

اقرأ أيضاً: "فورد" تستثمر 3.5 مليار دولار في مصنع للبطاريات بتقنية صينية

قال الرئيس العالمي لإعادة التدوير في عملاقة السلع "غلينكور" (Glencore Plc) لبلومبرغ في أغسطس: "إذا كنت تؤسس لنشاط تجاري مستقل لإعادة تدوير البطاريات، عليك أن تعرف أن ذلك النشاط التجاري يتعرض لضغوط في الوقت الحالي".

تحتاج شركات إعادة التدوير اجتياز فترة جفاف البطاريات المستعملة المحتمل استمرارها حتى مطلع العقد الثالث من القرن الحالي على أقرب تقدير، وأحد الخيارات الشائع تطبيقها في الصين تحول شركات إعادة التدوير إلى تصنيع مكونات البطاريات اعتماداً على مواد خام جديدة ومُعاد تدويرها.

تأمين الإمدادات

ورغم عدم رغبة أغلب شركات إعادة التدوير اللجوء لذلك الحل لتحقيق استدامة أعمالها، لكنه يبقى حلاً عملياً، وقد يمثل خطوة حاسمة لتطوير سلسلة توريد البطاريات في أميركا الشمالية. ويُصادف ذلك اتباع شركة "ريدوود ماتريالز"، المستفيدة من قرض وزارة الطاقة البالغة قيمته ملياري دولار، نفس النهج حيث تنتظر "زيادة كمية المدخلات المعاد تدويرها".

لا يُمثل الاستثمار في تكنولوجيا إعادة تدوير البطاريات وزيادة السعة إهداراً بشكل كامل، بل سوف يُساهم، بمرور الوقت، في تعزيز استدامة وكفاءة سلسلة توريد بطاريات السيارات الكهربائية بالولايات المتحدة. لكن تحقيق ذلك الهدف يتطلب أكثر من مجرد بناء المصانع وإصدار البيانات الصحفية، بل يحتاج المسؤولون عن إعادة تدوير البطاريات إلى البدء في التخطيط لكيفية الحصول عليها.