صناديق التحوط تكافح لإخراج "توشيبا" من أزمتها

العملاقة اليابانية تواجه مشكلات مستعصية.. والمستثمرون الأجانب فشلوا في إصلاح عملياتها

لافتة لشركة "توشيبا" تعتلي مقر الشركة في طوكيو، اليابان
لافتة لشركة "توشيبا" تعتلي مقر الشركة في طوكيو، اليابان المصدر: بلومبرغ
 Anjani Trivedi
Anjani Trivedi

Anjani Trivedi is a Bloomberg Opinion columnist covering industrial companies in Asia. She previously worked for the Wall Street Journal.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

عندما طرُحت الحصة الكبيرة التي يحوزها صندوق التحوط النشط "إليوت مانجمنت" (Elliott Management) في شركة "توشيبا" للاكتتاب العام سنة 2021 كانت الشركة تمر في خضم مراجعة استراتيجية لأعمالها. لكن بعد هذا التاريخ، وعلى مدى 18 شهراً، تحولت أرباح المجموعة اليابانية العملاقة إلى خسائر، وراحت شركات أسهم خاصة تتقدم بعروض لشرائها بسعر منخفض، كما استقال مسؤول تنفيذي كبير فيها على خلفية ارتكابه مخالفات غير قانونية مرتبطة بالنفقات.

على الرغم من حديث صندوق التحوط عن "القيمة الأساسية" للشركة وحاجتها إلى التغيير، يصعُب معرفة المكاسب التي تحققت حتى الآن.

أعلنت "توشيبا" عن أرباح مخيبة للآمال خلال الشهر الجاري، حيث انخفض الدخل التشغيلي بنحو 87.5% في الربع المنتهي في ديسمبر وسط المصاعب التي واجهتها جميع أقسامها، من أنظمة الطاقة إلى الطباعة والبنية التحتية.

بالتالي يمكن القول إن الوضع سيئ وفق كل المعايير تقريباً، لكن الشركة عزت التراجع إلى عوامل عارضة شملت: مشكلات تتعلق بضمان المنتجات، وخسائر ناتجة عن تدهور قيمة سمعة العلامة التجارية للشركة، إضافة إلى انخفاض حاد في سوق الأقراص الصلبة.

عروض الاستحواذ ترفع تقييم "توشيبا" إلى 22 مليار دولار

ليس هذا وحسب، فمشكلات سلاسل التوريد، بما في ذلك تكاليف المواد الخام والخدمات اللوجستية، كان لها تأثير سلبي كبير أيضاً، لكن "توشيبا" لم تشعر بوطأتها إلا بعد وقت طويل من شعور معظم الشركات الصناعية الأخرى بها. خفضت "توشيبا" توقعات أرباح العام بأكمله، كما استقال الرئيس التنفيذي للعمليات فيها بسبب نفقات ترفيه طالب بها دون وجه حق أثناء وجوده في "توشيبا إنرجي سيستمز" (Toshiba Energy Systems) في 2019، ما زاد من الاضطرابات التي تعصف بالشركة. وهذا يشير إلى أوجه قصور في قوة رقابتها الداخلية.

عرض لشراء "توشيبا"

في هذه الأثناء، وبعد تكهنات على مدى أشهر، قدم تحالف تقوده "جابان إندستريال باترنرز" (Japan Industrial Partners)، المعروفة اختصاراً بإسم "جيه آي بي" (JIP)، عرضاً هذا الشهر لشراء "توشيبا" بأقل من قيمتها السوقية، مدعوماً بقروض تجاوزت 9 مليارات دولار من بنوك يابانية كبرى واستثمارات من 20 شركة.

أصاب ذلك المساهمين بخيبة أمل. واعتُبرت عملية الاستحواذ المدعومة بالقروض واحدة من أكثر الخيارات القابلة للتطبيق لإنعاش عملاقة الإلكترونيات، كما جذبت شركات أجنبية بارزة مثل "باين كابيتال" (Bain Capital) و"سي في سي كابيتال بارتنرز" (CVC Capital Partners).

"بلاكستون" تدرس التعاون مع "KKR" للاستحواذ على "توشيبا"

لم يتضح بعد لماذا لم تفعل الشركة شيئاً فعلياً سوى انتظار أن يتقدم مستثمرون من أصحاب الملاءة المالية الكبيرة بعروض شراء، في وقت كان أداء وحدات الأعمال فيها يترنح. من المؤكد أن هناك تساؤلات مثارة حول مدى تمتع مجلس الإدارة بنظرة ثاقبة في إدارة عمليات الشركة، كما كان انخفاض الأرباح أكثر بكثير من تقديرات المحللين.

في الوقت نفسه، بدأ المحللون في يونيو من العام الماضي يقولون بالفعل إن الشركات التابعة لـ"توشيبا" قد "ضعفت لدرجة تتعذر على الإصلاح". ولم تفعل الشركة شيئاً يذكر لوقف نزيف الخسائر أو الاستجابة للتحذير.

حاول المسؤولون التنفيذيون تجاهل المخاوف إزاء تدهور الأداء. ففي أحدث إفادة بشأن الأرباح، قال ماسايوشي هيراتا، المدير المالي في "توشيبا"، إن النتائج الحالية لن تُبعد الشركة عن خططها الاستراتيجية، والتي تتمحور حول قيمة الشركة المستقبلية.

من سيصلح عمليات "توشيبا"؟

رغم أن صناديق تحوط ومستثمرين أجانب آخرين سارعوا إلى إنقاذ الشركة بحزمة ضخمة حجمها 5.4 مليار دولار في 2017، فإنهم لم يفعلوا سوى القليل لإجراء تغييرات جذرية. وجاء أغلب الارتفاع في قيمة "توشيبا" السوقية من التفاؤل إزاء وجود صناديق تحوط أجنبية وما يمكن أن تفعله، وليس بسبب ما يتعلق بإنشاء قيمة حقيقية للشركة.

والسبب هو أنه لدى "توشيبا" بالفعل أعمال حقيقية معروضة للبيع. فمن أنظمة الطاقة -بما في ذلك النووية- إلى أشباه الموصلات عالية القدرة، هناك العديد من المنتجات الصناعية عليها طلب كبير في الوقت الحالي.

إذا أُعيدت هيكلة الشركة وضُخت فيها استثمارات، فستأتي بعوائد حقيقية. غير أن صناديق التحوط والمستثمرين الأجانب ركزوا بدلاً من ذلك على ما يسمى بالقيمة طويلة الأجل-على مدى عقد تقريباً. لكن شغل مقعد في مجلس الإدارة والتوصل لحلول استراتيجية على الورق لشركة عملاقة يختلف كل الاختلاف عن إدارة مجموعة صناعية.

فنظرياً، كان من الممكن الاستعانة بخبراء تشغيليين في قطاعات الشركة المختلفة لفحص الأداء بعناية، ووضع أيديهم على الأنشطة والأعمال غير الضرورية التي يمكن الاستغناء عنها.

بينهم رئيس وزراء اليابان.. تقرير يكشف تورط مسؤولين حكوميين بقضية "توشيبا"

الخيار الوحيد الآن هو عرض "جابان إندستريال باترنرز". فلم يرق للمساهمين عرض الاستحواذ المنخفض، حيث انخفض على أثره سعر السهم. مع ذلك، يجدر التفكير فيما ستعنيه الصفقة المحتملة بالنسبة لـ"توشيبا". وإذا مضت قدماً، فستجد الشركة نفسها مرة أخرى محاصرة وسط شبكة من الشركات المحلية مثل "تشوبو إلكتريك باور" (Chubu Electric Power) و"أوريكس" (Orix) التي تعمل في العديد من القطاعات والمجالات.

يبدو ذلك أشبه بفوضى الملكية المشتركة (التي تحوز فيها شركة مدرجة عدداً كبيراً من أسهم شركة مدرجة أخرى)، وهي ممارسة ابتُليت بها الشركات اليابانية منذ فترة طويلة. ومن الصعب القول من سيصلح عمليات "توشيبا"، وهو أمر تشتد الحاجة إليه. وقد يترك كثير من العناصر المؤثرة والأطراف الفاعلة "توشيبا" دون تحقيق أي تقدم يذكر.

هل فات أوان التغيير في توشيبا؟

في إحدى المراحل، كان لدى "توشيبا" كل عوامل التغيير ومتطلباته. فبوجود صندوق التحوط "إليوت" التابع لبول سينغر في مجلس إدارتها حظيت بحوكمة الشركات، في حين أن كثرة الحديث عن قيمة الشركة وحقوق المساهمين والتقسيم لأكثر من شركة وإعادة الهيكلة جعلتها تبدو تقدمية. بدت الشركة كما لو كانت ستعود إلى سابق عهدها. فقد تعرضت لسلسلة أزمات شملت قضايا محاسبية، وإفلاساً لم تنج منه إلا بشق الأنفس، وتقريراً كشف مساعيها لمنع المساهمين من ممارسة حقوقهم.

في رسالة إلى المساهمين بعد عرض "جي آي بي"، ألقى أكهيرو واتانابي، رئيس مجلس الإدارة، باللوم في المشكلات التي تعصف بالشركة على بيئة الاقتصاد الصعبة، قائلاً "نشعر بقوة أن هناك حاجة ملحة لتغيير الشركة". أضاف أن المجلس بحاجة إلى الوصول إلى نتيجة نهائية قريباً لبدء المضي قدماً. لكن ربما يكون فات الأوان على ذلك.