روبوتات حدادة تعوض ندرة الحرفيين المهرة

تستخدم شركة ناشئة روبوتات لتصنع مكونات معدنية غالباً ما كانت تتطلب عملاً يدوياً مضنياً وطويلاً

روبوت يشكّل صفائح معدنية في "ماشينا لابز"، في تشاتسوورث، كاليفورنيا.
روبوت يشكّل صفائح معدنية في "ماشينا لابز"، في تشاتسوورث، كاليفورنيا. المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بقلم: Ashlee Vance

قبل بضعة أشهر تسمرت قبالة ماسح ليزر يستقرئ شكل رأسي ويودع تفاصيله في ملف رقمي، ثم باشر ذراعان روبوتيان عملاقان استرشاداً بما سلف يطرقان ويطوّعان صفيحة معدنية ليشكلا منها نسخة دقيقة تحمل جميع تفاصيل وجهي.

كانت تلك الأذرع الروبوتية ضخمة وتتحرك كما لو أنها تفتقر للبراعة ظاهرياً، إلا أنها تمكّنت من تنفيذ ضرب متقن من تشكيل المعادن كان لقرون حكراً على مهرة الحرفيين. أنتج الذراعان في نهاية المطاف تمثالاً جذعياً لي يمكن لي أن أباهي به رغم محدودية حُسن مظهري.

صُنع تمثالي هذا لدى "ماشينا لابز" (Machina Labs)، وهي شركة ناشئة مقرها في تشاتسوورث بولاية كاليفورنيا صنعت منظومة الأشغال المعدنية هذه، وتتجاوز طموحاتها صنع أشياء محببة مثل تماثيل لصحفيين.

ينصب تركيز الشركة الأساسي على توفير الوقت والمال للشركات الصناعية عبر تخصيص حشد من الروبوتات معدّة لأشغال الحدادة. قال بوبي والدن، صاحب "والدن سبيد شوب" (Walden Speed Shop)، الذي أمضى عقوداً يصنع مكونات معدنية مخصصة للسيارات يدوياً: "لم أتصور أبداً أننا سنرى أي شيء كهذا".

لقد زار والدن مصنع "ماشينا" ويعتقد أن الروبوتات قادرة بما يكفي على استنساخ كثير من الأعمال التي يقوم بها دون التسبب في التهابات للمفاصل وآلام الظهر. قال: "لم يكد نظري يقع على هذا الروبوت، حتى كدت أصاب الذهول".

روبوتات "ماشينا" تمتلك أذرعاً فردية قادرة على التحكم في مجموعة متنوعة من الأدوات.
روبوتات "ماشينا" تمتلك أذرعاً فردية قادرة على التحكم في مجموعة متنوعة من الأدوات. المصدر: بلومبرغ


إدوارد مِهر وباباك رايسينيا، مؤسسا "ماشينا"، ذوا خبرة في أشغال المعادن سواء كهواية أو عبر عملهما لدى شركات منها "سبيس إكسبلرويشن تكنولوجيز" (Space Exploration Technologies) وشركة إعادة تدوير الألمنيوم "نوفيليس" (Novelis).

أسس الرجلان الشركة، التي لم يفصحا علناً عن تفاصيل التقنية التي تستخدمها، منذ أربع سنوات. كانت الفكرة هي الجمع بين البرامج وأجهزة الاستشعار والأدوات المستخدمة في الأشغال المعدنية في نظام يمكنه أن يصنع جميع أنواع الأجزاء المعدنية في غضون ساعات، ويخدم الصناعات التي تواجه تحديات في إنتاج الأجزاء بسرعة بسبب ندرة الحرفيين المهرة.

تمكّنت "ماشينا" من جمع 22 مليون دولار من مستثمرين، منهم "إنوفيشن إنديفرز" (Innovation Endeavors) و"لوكهيد مارتن" (Lockheed Martin)، وتضم قائمة عملائها وكالة "ناسا" وسلاح الجو الأميركي وشركة "هيرميوز" (Hermeus) الناشئة للطائرات التي تفوق الصوت سرعةً.

روبوتات الشحن قد تحل محل 500 ألف وظيفة أمريكية

عادةً ما تنفق شركات صناعة الطائرات أو السيارات ملايين الدولارات وتقضي عدة سنوات في إنشاء القوالب اللازمة لتشكيل الأجزاء المعدنية بالآلاف. غالباً ما تتطلب هذه العملية قوالب نماذج أولية متعددة، يتطلب إنتاج كل منها قدراً كبيراً من الاستثمار والوقت.

ما تزال روبوتات "ماشينا" أبطأ مما يتطلبه تولي جانب الإنتاج بكميات ضخمة. بيد أنها مثالية للمراحل المبكرة من العملية، حيث تساعد الشركات على اختبار جدوى تطبيق أفكارها قبل تخصيص الأموال للإنتاج النهائي.

إدوارد مِهر، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لـ"ماشينا".
إدوارد مِهر، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لـ"ماشينا". المصدر: بلومبرغ

اختصار النفقات والوقت

هناك مصدر نشاط آخر لشركة "ماشينا"، وهو الشركات التي تحتاج إلى تصنيع بضع عشرات أو مئات من الأجزاء المعدنية، سواء كان ذلك لأغراض إنتاج معدات بديلة أو للتصنيع وفق الطلب، ولا تملك رأس المال للاستثمار في صنع قوالب.

قال والدن، وهو ليس من عملاء "ماشينا": "لديّ نوع من مكابح السيارات كان بدء إنتاجه مزعجاً للغاية. ربما يستغرق الحصول على نموذج أولي واحد عاماً. ثم لدي قطع تُصنّع لمرة واحدة، وتتراوح تكلفتها بين 60 ألف دولار إلى 200 ألف دولار لإنتاج قوالب التشكيل والحقن. سيمكنني الروبوت من الحصول على نفس النتيجة في غضون أسبوعين وبتكاليف أدنى".

شاحنات ذاتية القيادة ورافعات شوكية تعمل من بُعد لسدّ نقص العمالة

مِهر، المولود في إيران وقد بلغ عمره 36 عاماً، هو رئيس الشركة التنفيذي. عمل لدى "سبيس إكس" (SpaceX) و"ريلاتيفيتي سبيس" (Relativity Space) بعدما درس علوم الكمبيوتر في جامعة سذرن كاليفورنيا.

دأبت تلك الشركتان على استخدام تقنيات متقدمة للطباعة ثلاثية الأبعاد لبعض أجهزتهما الأكثر تعقيداً، لكن أجزاء أخرى من التصنيع ظلت مكلفة جداً وتستغرق وقتاً طويلاً. قال مِهر: "أحب الطباعة ثلاثية الأبعاد، لكن المفهوم هنا يتعلق بالحصول على مزيد من الأتمتة الشاملة. نريد أتمتة أشياء مثل التشكيل وقولبة المعادن".

الروبوتات التي تستخدمها "ماشينا" ذات أذرع أحادية يمكنها الإمساك بأدوات مختلفة، وهي متوفرة بالفعل ضمن خطوط التجميع لدي صانعي السيارات وغيرها من شركات التصنيع. تضع الشركة وحدتي روبوت على جانبي صفيحة معدنية كبيرة. توفر إحداهما استناداً للجزء الخلفي من الصفيحة، بينما الأخرى تضغط وتلوي وتلف المعدن لتشكيل قوالب منه.

أجزاء معدنية شكّلتها روبوتات في مصنع "ماشينا" في تشاتسوورث.
أجزاء معدنية شكّلتها روبوتات في مصنع "ماشينا" في تشاتسوورث. المصدر: بلومبرغ

تقنية توازي الخبرة

يمضي الحرفيون عدة سنوات حتى يتمكنوا من تعلّم كيفية صنع منتجات نهائية قوية ومصقولة من صفائح معدنية. سبب صعوبة التشكيل إلى حد كبير هو الطريقة التي تتحرك بها الذرات داخل المعدن أثناء تشكيله، مما يتسبب في ظهور انتفاخات وتشوهات في أماكن غير متوقعة.

التقنية التي تستخدمها "ماشينا" تغذي أنظمة الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي ببيانات حول خصائص المعدن، حيث تراقب عملية التشكيل في أثناء عمل الروبوتات. ظلت مثل هذه التقنيات محل بحث أكاديمي لعدة عقود. انفردت "ماشينا" عن غيرها نتيجة قدرتها على تحسين التقنية وتسويقها.موكيش أمباني يشتري شركة روبوتات ناشئة لدعم الطموح التكنولوجي

ما تزال الشركة في مراحلها الأولى، وتبدأ أسعارها منتجاتها من 2.5 مليون دولار لمنظومة تضم روبوتين وأداة تثبيت للصفائح في مكانها ومجموعة أدوات. كما يمضي مِهر وفريقه وقتاً طويلاً مع الزبائن للتأكد من أنهم يحسنون استخدام الآلات وللتدخل للتعامل مع أي مشكلات تظهر.

عمال في مصنع "ماشينا" يضبطون إعدادات روبوت.
عمال في مصنع "ماشينا" يضبطون إعدادات روبوت. المصدر: بلومبرغ

تميّز المنتج

أحد زبائن "ماشينا" هو قاعدة "روبنز" الجوية في مقاطعة هيوستن بولاية جورجيا، التي طلبت روبوتات تصنعها الشركة للمساعدة في إصلاح طائرة النقل "سي -17 غلوبماستر" (C-17 Globemaster) والمقاتلة "إف -15 إيغل" (F-15 Eagle).

اختبر شون غروفز، المتخصص بالروبوتات وأتمتة اللوجستيات الجوية في القاعدة، اختباراً على الأجزاء التي صنعتها أجهزة "ماشينا"، وخلُص إلى أن هذه المكونات مصنعة على نحو يفوق إمكانات البشر، وأنها أمتن نتيجة للتقنيات التي تستخدمها "ماشينا" في تشكيلها.

كما قال غروفز إنه يفضل "ماشينا" لأن أدواتها وأجهزتها أسرع إنجازاً للمهام. أضاف: "المشكلة الرئيسية التي نواجهها الآن هي أن الشركات تطلب منها كثيراً من الأعمال، فعندما أطلب منها قطعة أو اثنتين، لا يرون فائدة من تغيير الإعدادات لتلبية الطلبيات الصغيرة. إننا نتلقى عروض أسعار لبعض المكونات تمتد فترات تسليمها حتى أربع سنوات".