استمرار الحرب في أوكرانيا يهدد موجة انتعاش أسهم أوروبا في 2023

الأسهم أكثر عرضة لصدمات قوية بعد دورة صعود بلغت نسبتها 8% العام الجاري

معلومات عن أسعار الأسهم معروضة في ردهة بورصة "يورونكست إن في" بباريس، فرنسا
معلومات عن أسعار الأسهم معروضة في ردهة بورصة "يورونكست إن في" بباريس، فرنسا المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بعد مرور عام على غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأوكرانيا، لا تزال موجة صعود الأسهم في أوروبا معرضة لمخاطر احتمال تصعيد الحرب.

رغم تعافي الأسهم في المنطقة من انخفاضات أعقبت على الفور الهجوم الذي شنته روسيا، فهي الآن أكثر عرضة لصدمات قوية بعد موجة صعود بلغت نسبتها 8% العام الجاري. إذا ساءت الحرب، لن يؤجج ذلك الغموض الجيوسياسي في أوروبا فحسب، بل سيزيد الضغط على أسعار الطاقة والغذاء، ما سيضيف إلى التشاؤم الاقتصادي ويضغط على أرباح الشركات.

قالت صوفي-لند ييتس، كبيرة محللي الأسهم بشركة "هارغريفز لانسداون" (Hargreaves Lansdown): "من الواضح أن السوق ترى أن المخاطر أقل، مقارنةً بفترة بداية الحرب، ورغم أن عناصر الموجة الصعودية مفهومة، فإن هامش الأمان في الأسهم الأوروبية تقلّص الآن. يعني ذلك أن أي تصعيد أو تقلبات غير متوقعة قد تؤدي لردة فعل قوية في السوق".

ازدياد المخاوف الجيوسياسية

ارتفع مؤشر الأسهم الرئيسي في أوروبا خلال 2023، إذ عززت إشارات تراجع التضخم والأرباح الأفضل من المتوقع التفاؤل الاقتصادي.

لكن الحرب لا تغيب عن أذهان المستثمرين، إذ يرى مسح شمل مديري صناديق في "بنك أوف أميركا" أن ازدياد المخاوف الجيوسياسية هو ثاني أكبر تهديد للأسواق بعد التضخم المصحوب بركود. ولا تتوقع الأغلبية التوصل لمعاهدة سلام خلال العام الجاري.

"بنك أوف أميركا": مستثمرون يتخارجون من الأسهم ويفضلون السندات

قال إيمانويل كاو، المحلل الاستراتيجي في بنك "باركليز"، إن الاستقطاب بين الرابحين والخاسرين في الأسهم المقترن بضعف اليورو يشير إلى أن بعض المخاطر لم تؤخذ في الحسبان.

قفزت أسهم الطاقة الأوروبية 20% خلال العام الماضي مع تحجيم روسيا لإمداد الغاز الطبيعي رداً على العقوبات، فيما هوت أسهم شركات العقارات المتأثرة بأسعار الفائدة بنسبة 29%. واستعاد اليورو جزءاً كبيراً من خسائره خلال سبتمبر، لكنه لا يزال أقل من مستوياته قبل الحرب.

التصعيد ومخاطر أزمة الطاقة

تُظهر التطورات الأخيرة أنه لا يمكن استبعاد حدوث تصعيد. واشتد التأييد لحرب بوتين على المستوى المحلي، حتى مع ارتفاع أعداد الإصابات والوفيات. كما علّقت موسكو معاهدتها بشأن الأسلحة النووية مع الولايات المتحدة، في خطوة ذكر الرئيس الأميركي جو بايدن أنها "خطأ فادح"، رغم قوله إنه لا يعتقد أنها تشير إلى استخدام الزعيم الروسي أسلحة نووية في المستقبل.

تشمل المخاطر الكبيرة من الحرب احتمال حدوث أزمة طاقة. رغم أن الشتاء المعتدل ساعد أوروبا على تفادي حدوث أزمة هذه المرة، فقد تقل المخزونات من جديد إذا استمرت الحرب حتى مجيء الأشهر الأكثر برودة. كما ستقلص قفزة أخرى في تكاليف الطاقة أيضاً هوامش أرباح الشركات بشكل أكبر.

تراجع حدة أزمة الطاقة ينتشل منطقة اليورو من فخ الركود

قالت شارلوت رايلاند، الرئيس المشارك بقسم الاستثمارات في "سي سي إل إيه" (CCLA): "ستظل الحاجة لاستبدال مصدر طاقة رخيص تاريخياً تمثل تحدياً". ولا تتوقع "رايلاند" ارتفاع أرباح شركات النفط والغاز مرة أخرى هذا العام مع تراجع أسعار السلع الاستهلاكية من مستويات تاريخية مرتفعة.

الحرب تفرض تغيير المسار

نظراً لأن الحرب فرضت تغييراً في مسار الاستثمارات طويلة الأجل للحكومات، فقد يتعزز الإنفاق على مصادر الطاقة المتجددة وشركات المعدات الدفاعية.

12 شهراً على الحرب الروسية الأوكرانية في 12 رسماً بيانياً

قال المحللون الاستراتيجيون في "يو بي إس غلوبال ويلث مانجمنت" (UBS Global Wealth Management) إنهم يرون فرصاً في مجالات تشمل السلع الأساسية والتكنولوجيا الخضراء وكفاءة الطاقة والأمن السيبراني.

وقال يوست فان ليندرز، المحلل الأول لاستراتيجيات الاستثمار بشركة "فان لانسخوت كيمبين" (Van Lanschot Kempen): "حتى عندما تنتهي الحرب، سنكون أقل استعداداً للسحب من المخزون الروسي لأنه مصدر غير موثوق، لذا سيحتاج قطاعا الطاقة والكيماويات بالضرورة للابتكار. السعي تجاه الطاقة المتجددة هو السبيل الوحيد لكي تصبح أوروبا أكثر استقلالية".

تأثر قطاع الغذاء

أحد القطاعات الأخرى التي يُرجَّح أن تتأثر بشكل غير متناسب إذا استمر الصراع هو قطاع الأغذية والمشروبات، حيث اضطربت إمدادات بعض السلع خلال العام الماضي.

قال تيم كريغهيد ولورانت دوييه، محللا "بلومبرغ إنتليجنس"، إن ربحية قطاع الأغذية "تواجه اختباراً قد يطول مداه"، حيث تضيف الإمدادات الأوكرانية الرئيسية التي تخضع لقيود، وهي زيت عباد الشمس والذرة والقمح، لارتفاع الأسعار.

ستضيف التكاليف الأعلى لضغوط الأسعار، التي تؤثر بالفعل على المستهلكين، كما ستدفع البنوك المركزية للإبقاء على السياسة النقدية المتشددة.

كتب المحللون الاقتصاديون بشركة "بيرينبرغ" (Berenberg) في مذكرة أن ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء قلل ما لدى المستهلكين من أموال لإنفاقها في جوانب أخرى، ورفع في الوقت نفسه التكاليف للأنشطة التجارية، ما نتج عنه نمو أضعف بكثير وقفزة في التضخم أكثر بكثير مما كان متوقعاً قبل الحرب.

التضخم في منطقة اليورو يتباطأ قبل اجتماع "المركزي الأوروبي"

نتيجة لذلك، يتوقع المحللون أن يكون الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في 2024 أقل بنسبة 3.6% ومستوى الأسعار أعلى بنسبة 8.9% مما كان يمكن أن يصبح في أحوال أخرى.

الأسهم الأكثر عرضة للمخاطر

إذا تصاعدت حدة الحرب، فإن أسهم القطاعات سريعة التأثر بالدورات الاقتصادية ستكون عرضة لتحول المسار عن الأداء المتفوق في مواجهة نظيراتها التي تسمى بالأسهم الدفاعية.

تعرضت الأسهم المرتبطة بالدورات الاقتصادية لانخفاض كبير في أوائل العام الماضي، إذ أخذ المستثمرون في حسبانهم تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا على النمو الاقتصادي. لكن في الأشهر القليلة الماضية، تغلبت تلك الأسهم على نظيراتها التي تُعتبر أكثر أماناً.

حرب الغرب الاقتصادية ضد بوتين بدأت تؤتي ثمارها الآن

بشكل عام، فإن الآفاق المستقبلية للأسهم الأوروبية تزداد قتامة بعد الموجة الصعودية. ويتوقع محللون استراتيجيون شاركوا في استطلاع رأي قامت به "بلومبرغ" أن ينهي مؤشر "ستوكس 600" العام دون مستوياته الحالية بفعل تدهور الزخم الاقتصادي.

السيولة والأسهم يخسران لصالح السندات

ضخ المستثمرون 40 مليار دولار في صناديق عالمية للأسهم منذ بداية الحرب، وهو جزء ضئيل من السيولة البالغ حجمها 354 مليار دولار التي تراكمت، وفقاً لتقرير نشره "بنك أوف أميركا" نقلاً عن "إي إف بي آر غلوبال" (EFPR Global).

كما بدأ المستثمرون يتخلصون في الآونة الأخيرة من كل من السيولة النقدية والأسهم لصالح السندات، إذ يستعدون لأسعار فائدة أعلى لفترة أطول في الولايات المتحدة.

تتوقع بيتا مانثي، مديرة قسم استراتيجية الأسهم الأوروبية في "سيتي غروب"، أن تكبح المخاطر الجيوسياسية تقييمات الأسهم الأوروبية، إذ ينعكس الدعم، الذي تحقق من أسعار الغاز الأقل وضعف الدولار وإعادة فتح اقتصاد الصين، على الأسعار الآن. وأضافت: "بالنسبة للموجة الصعودية، فلن نلحق بها من هذا المستوى".