الأوروبيون يراهنون على إنفاقهم 72 مليار يورو سنوياً لمواجهة خطة بايدن "الخضراء"

انحسار الانتقادات ضد قانون خفض التضخم الأميركي وسط توقعات بأن تكون تأثيراته محدودة على أوروبا

توربين رياح بالبحر
توربين رياح بالبحر المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تضاءل الغضب الأوروبي الأولي على خطة الدعم الأخضر الهائلة التي أقرّها الرئيس الأميركي جو بايدن، في ضوء التقييمات التي صنّفت حوافز الاتحاد الأوروبي لتعزيز الطاقة النظيفة بأنها تتساوى مع بعض المنافع التي يقدّمها القانون الأميركي، أو حتى تفوقها حجماً.

يقدّم قانون خفض التضخم في الولايات المتحدة، 369 مليار دولار في صورة مِنح وإعفاءات ضريبية لبرامج الطاقة النظيفة على مدى العقد القادم، وهو يسعى إلى مواكبة الاتحاد الأوروبي الذي ينفق حالياً أكثر من 70 مليار يورو (74 مليار أميركي) سنوياً لدعم الطاقة المتجددة، وفقاً للمُطلعين على الأفكار المطروحة في المفوضية الأوروبية وبعض العواصم الأخرى.

فرانس تيمرمانز، رئيس صفقة أوروبا الخضراء
فرانس تيمرمانز، رئيس صفقة أوروبا الخضراء المصدر: بلومبرغ

لم يعُد بعض مسؤولي الاتحاد الأوروبي ينظرون إلى قانون خفض التضخم الأميركي باعتباره تهديداً في السباق لدعم التصنيع المحلي المُراعي للمناخ، وبدلاً من ذلك، يحوّل كثيرون في أوروبا تركيزهم إلى الصين التي يعتقدون أنها تمثل خطراً أكبر بكثير، حسب تصريحات من تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هوياتهم.

فرانس تيمرمانز، رئيس صفقة أوروبا الخضراء، قال للصحفيين في وقت سابق من الشهر الجاري في ستراسبورغ، فرنسا: "يمثّل قانون خفض التضخم فرصة لاقتصاد الولايات المتحدة الأخضر، لكن لدينا بعض الميزات -مقارنةً بالولايات المتحدة- نودّ أن نشدّد عليها". وأضاف أن المبلغ الذي يقدّمه الاتحاد الأوروبي، "يوازي على الأقل ما يقدّمه الأميركيون".

أداة خاصة للتجارة الخضراء

كما إن الاتحاد الأوروبي لديه أداته الخاصة للتجارة الخضراء: آلية تعديل حدّ الكربون، والتي ستفرض ضريبة على الواردات كثيفة الانبعاثات مثل الحديد والإسمنت والهيدروجين القادمة من دول لديها قوانين مناخية أقل صرامةً. وعليه، ستخضع الولايات المتحدة -نظرياً- لذلك الإجراء الذي ستبدأ أولى مراحله في وقت لاحق من العام الجاري. والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة لم تحدّد سعراً للكربون على المستوى الفيدرالي.

لماذا تثير إعانات بايدن للصناعات الخضراء غضب حلفاء أميركا؟

عند إقرار القانون الأميركي في العام الماضي، هاجمه عديد من الزعماء الأوروبيين باعتباره محاولة لسرقة أموال الاستثمارات. اتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون واشنطن بتطبيق "معايير مزدوجة" على أوروبا، وشكك في "مصداقية التجارة عبر المحيط الأطلسي"، في حين، اتّهم رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو، الولايات المتحدة في يناير، بمحاولة إغراء الصناعات الخضراء، قائلاً: "إنهم يقولون للشركات البلجيكية والألمانية -بمنتهى الجرأة- لا تستثمروا في أوروبا، فلدينا ما هو أفضل".

تأثير ثانوي

لكن المسؤولين غيّروا نهجهم منذ ذلك الحين، وبدأوا في الثناء على الولايات المتحدة بسبب سمات القانون الخضراء واستخدامه فرصةً لإبراز إنفاق الاتحاد الأوروبي الهائل، لا سيما بإنفاقه 724 مليار يورو على برنامج التعافي واستعادة الوضع الطبيعي (Recovery and Resilience Facility) خلال فترة جائحة كورونا، وخطة (REPowerEU)، التي تهدف إلى إنهاء اعتماد أوروبا على الوقود الأحفوري الروسي.

على الرغم من أنّ قانون خفض التضخم سيمثل هدية للمستثمرين في الولايات المتحدة، إلا أن درجة تأثيره سلباً على أوروبا ستكون "ثانوية تماماً"، حسب تصريح جاكوب كيركيغارد، الخبير المتمرس في صندوق مارشال الألماني، في مقابلة معه.

خطة أوروبية شاملة للمنافسة عالمياً في التكنولوجيا النظيفة

قال كيركيغارد: "ستستثمر شركات أوروبية كثيرة في الولايات المتحدة، لكن ذلك يعتبر تطوراً في السوق، وهذا ما يحقق النمو". وأضاف: "هذا لا يعني أن مقراتها ستخرج من أوروبا، لأنها في الحقيقة ستستثمر في أوروبا بشكل كبير أيضاً".

حجم رأس المال المتاح ليس من التحديات التي تواجهها دول الاتحاد الأوروبي، إذ أنه متاح بوفرة، لكن الصعوبة تكمن في كيفية تخصيصه والوصول إليه بسهولة، إلى جانب الضغط المستمر لزيادة فطنة قوانين التكتل على امتداد سلسلة القيمة، بدءاً من توريد المواد والاستثمارات التمويلية إلى حوافز المُصنعين والمستهلك النهائي.

المركبات الكهربائية

يقدم قانون خفض التضخم إعفاء ضريبياً للمستهلكين يصل إلى 7,500 دولار للمركبات الكهربائية المُجمعة في أميركا الشمالية إذا لم تقل قيمة المواد الخام المستخدمة في بطارياتها عن 40%، وأن تكون هذه الخامات مشتقة من مواد تستخرج من الولايات المتحدة أو تصنّع فيها أو في أي دولة تربطها مع واشنطن اتفاقية للتجارة الحرة. هذا الحافز فقط تبلغ قيمته نحو 7.5 مليار دولار، وفقاً لتقدير التكلفة الذي أجراه مكتب ميزانية الكونغرس.

اتفاق أوروبي أميركي وشيك بشأن المواد الخام لصناعة البطاريات

كل دولة عضو في الاتحاد الأوروبي -تقريباً- تقدّم إحدى صور الدعم لزيادة مبيعات السيارات الكهربائية، بما يشمل مكافآت تصل قيمتها إلى 10 آلاف يورو. كما يقدّم صندوق التعافي بالتكتل ما يزيد على 11 مليار يورو لمبادرات المركبات منخفضة الانبعاثات، مثل المركبات الكهربائية ومحطات شحن الكهرباء.

رغم ذلك، هناك مصدر مستمر للقلق، وهو أن الإعفاءات الضريبية التي ينصّ عليها قانون خفض التضخم الأميركي قد يكون لها تأثير طويل الأمد على سلاسل توريد المركبات، وأن الاستثمارات قد تحوّل وجهتها إلى الولايات المتحدة فترة طويلة، حيث يستمر توافق الحوافز مع مقتضيات التجميع هناك، وفقاً لمن تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هوياتهم.

الأرقام التي أعلنها مكتب ميزانية الكونغرس هي مجرد تقديرات، ويتوقع البعض أن القيمة الفعلية للدعم ستكون أكبر بكثير. ومع عدم تحديد سقف لثلثي مجالات الإنفاق في القانون، قد تبلغ القيمة الإجمالية 800 مليار دولار على مدى 10 سنوات، وهذا ضعف ما توقعه مكتب ميزانية الكونغرس، وفقاً لآراء محللي "كريدي سويس غروب".

الطاقة المتجددة

خصّص قانون خفض التضخم نحو 95.6 مليار دولار لتعزيز مصادر الطاقة المتجددة، بما فيها الهيدروجين والطاقة الشمسية وطاقة الرياح. في المتوسط، أنفق الاتحاد الأوروبي نحو 72 مليار يورو سنوياً على دعم الطاقة المتجددة منذ 2015، وفقاً لتقرير المفوضية.

وفقاً لمن تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هوياتهم، فإنه مع ارتفاع الطلب في أوروبا، من غير المتوقع أن تنتقل القدرة الإنتاجية لتصنيع مكونات معدات طاقة الرياح في الاتحاد الأوروبي إلى خارجه، إلا في حالة نضوب التمويل. ومع ذلك، فإن مجال الطاقة الشمسية في الاتحاد الأوروبي هو الأكثر عرضة للخطر، إذ أن أغلب منتجاته مستوردة، ومن الصين بشكل خاص.

"البنك الأوروبي" يبحث عن شركاء للاستثمار بالهيدروجين الأخضر في المغرب

صرّحت أليسيا جارسيا-هيريرو، الخبيرة المتمرسة في فريق بحث "برويغل" (Bruegel)، ومقره في بروكسل، بأنّ أوروبا تحتاج إلى التضافر مع الولايات المتحدة لتجد "المجال الأنسب للتحول الأخضر".

قالت هيريرو: "إذا لم يحدث هذا التضافر الآن، فماذا سيحدث؟ ستستمر أوروبا في استيراد كل شيء من الصين من البطاريات وحتى ألواح الطاقة الشمسية، وستبني الولايات المتحدة منظومتها الخاصة.. وهذا ما لن تتحمله أوروبا".

الهيدروجين

تبلغ قيمة الإعفاءات الضريبية الواردة في قانون خفض التضخم لزيادة إنتاج الهيدروجين، نحو 13 مليار دولار، حسب تحليل مكتب ميزانية الكونغرس، وهذا يقارب مبلغ 10.6 مليار يورو من مشروعات الإنفاق العام الذي خصّصته دول الاتحاد الأوروبي لتعزيز سلسلة قيمة الهيدروجين.

في النهاية، من المستبعد أن يكون لقانون خفض التضخم الأميركي تأثير ملحوظ على الاتحاد الأوروبي، حين يشير مستوى الدعم إلى أن أغلب التركيز سينصبّ على السوق الأميركية المحلية، وفقاً للمسؤولين الأوروبيين. يهدف الاتحاد الأوروبي حالياً إلى إنتاج 10 ملايين طن من الهيدروجين المتجدد واستيراد كمية مماثلة. وإذا تحولت الولايات المتحدة إلى مَصدرٍ للهيدروجين، قد تستفيد أوروبا من ذلك، حيث يقدّم صندوق التعافي مساعدة كبيرة في أرجاء سلسلة قيمة الهيدروجين كلها، بدءاً من الإنتاج وحتى الاستخدام النهائي.