هل يحقق "الفيدرالي" هبوطاً سلساً أم حاداً؟ أو ما بين الاثنين؟

إذا ارتكب البنك المركزي الأميركي خطأً ما.. فقد تنهار سوق العمل ويفقد الملايين وظائفهم

 جيروم باول، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.
جيروم باول، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي. المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

سجل الاقتصاد الأميركي في 2021 أفضل أداء له منذ 1984، عندما خرج من جائحة كورونا، لكن النمو تباطأ بشكل ملحوظ في العام الماضي، بعدما رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة لمكافحة أعلى معدلات التضخم في أربعة عقود، وهدفه من ذلك، تخفيف ضغوط الأسعار من دون الدفع بالاقتصاد نحو الركود. وفي 2022، تراجع قطاع الإسكان وتعثّر التصنيع، في حين ظلّت سوق العمل قوية. يتصبّ تركيز الاقتصاديين وصانعي السياسات والمستثمرين، على ما سيأتي بعد ذلك، ويتساءلون: هل سيحقق "الفيدرالي" هبوطاً اقتصادياً "سلساً" أم "حاداً"، أو ما بين الاثنين؟ بل وربما، لا هبوط على الإطلاق؟

1) ما الهبوط "السلس"؟

يحدث الهبوط السلس عندما يبطئ بنك مركزي الاقتصاد بما يكفي لكبح الطلب وترويض التضخم، ولكن ليس بالقدر الكبير الذي يؤدي إلى انكماش في الناتج المحلي الإجمالي، أو زيادة كبيرة في البطالة إن كانت هناك بطالة أصلاً. وهذا ما يريد رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، وزملاؤه تحقيقه على نحو مثالي. لكن القيام بذلك يتطلب الكثير من المهارة والحظ معاً.

جيروم باول: هناك حاجة لمزيد من رفع أسعار الفائدة

2) وما الهبوط "الحاد"؟

باختصار هو الركود. وهذا ما توقعه العديد من الاقتصاديين، حملة تضييق الائتمان الأكثر حدة منذ الثمانينيات التي يقوم بها الاحتياطي الفيدرالي، تلقي بظلالها على الاقتصاد بشكل متزايد. إذا كان ما هو مطلوب للحد من التضخم، شديد الوطأة -أو إذا ارتكب الاحتياطي الفيدرالي خطأً ما- فقد تنهار سوق العمل في نهاية المطاف، ما يعني ارتفاعاً كبيراً لمعدل البطالة، وفقدان ملايين العمال وظائفهم. هذا ليس ما يريده باول، ولا حتى الرئيس الأميركي جو بايدن الذي بات من المؤكد تقريباً أنه سيسعى للفوز بولاية رئاسية جديدة في 2024.

3) أما من حل وسط؟

بلى، وهذا ما يسميه خبراء الاقتصاد "ركود النمو". يشير هذا التناقض إلى فترة مطولة من النمو الطفيف والبطالة المتزايدة، بحيث ينمو الاقتصاد بوتيرة أبطأ من الاتجاه طويل الأجل الذي يقارب 1.5 إلى 2%، لكنه يتجنب الانكماش التام. والهدف من ذلك هو تخليص الاقتصاد من التضخم ببطء، دون انهيار الطلب والنمو.

4) إذاً، ما هو عدم الهبوط؟

بدأ هذا المصطلح يتردد كثيراً في مطلع 2023، عندما كانت هناك حالة من اللغط الشديد بشأن الوضع الاقتصادي في بداية العام. فنسبة التوظيف ارتفعت، وكذلك مبيعات التجزئة، بل إن شركات التطوير العقاري باتت أكثر تفاؤلاً. وفي ظل هذا السيناريو، يتسارع النمو مجدداً بعد تحوّله إلى التراجع في العام الماضي. وفي الواقع، يمكن القول إن الاقتصاد ظل كما هو، ولم "يتقدم خطوة واحدة إلى الأمام".

"غولدمان" يخفض توقعاته لركود الاقتصاد الأميركي إلى 25%

5) هذا يبدو وكأنه نتيجة عظيمة!

نعم ولا. كل هذا يتوقف على ما يحدث للتضخم. فرغم أن ذروة التضخم كانت في العام الماضي، إلا أنه لا يزال أعلى بكثير من هدف الاحتياطي الفيدرالي الرسمي البالغ 2%. وإذا استمر في الانخفاض مع تسارع نمو الاقتصاد، فسيكون ذلك مبلغ المنى. لكن، إذا تبيّن أن ضغوط الأسعار مستمرة -أو حتى تزداد سوءاً- ينبغي حينها توخي الحذر. في هذه الحالة، من المحتمل أن يشعر الاحتياطي الفيدرالي بأنه مضطر إلى رفع أسعار الفائدة أكثر من أي وقت مضى، ما يزيد من خطر حدوث هبوط أكثر "حدة" للاقتصاد في المستقبل.

6) هل الفيدرالي ملتزم حقاً بإعادة التضخم إلى 2%؟

أقسم باول وزملاؤه أنهم عازمون على ذلك، وهم يصرّون على أن ليست لديهم خطط لرفع المعدل المستهدف، رغم كل الدعوات من الاقتصاديين في هذا الشأن.

العريان: الأسواق تشك في قدرة الفيدرالي على خفض التضخم إلى 2%

لكن باول وشركاءه أوضحوا أيضاً أنهم على استعداد لتحمل معدل تضخم فوق 2% لفترة من الوقت، خصوصاً إذا كان يتجه نحو الانخفاض. فهم ليسوا مصممين على تدمير الاقتصاد لمجرد إعادة التضخم إلى هدفهم.

7) هل حقق "الفيدرالي" هبوطاً سلساً من قبل؟

يمكن القول إن ذلك حدث مرة واحدة فقط في 1994-1995. في عهد رئيس البنك آنذاك، آلان غرينسبان، حيث ضاعف البنك المركزي أسعار الفائدة إلى 6%، ونجح في إبطاء النمو الاقتصادي دون القضاء عليه. لكن تشديد الائتمان كانت له عواقب وخيمة. وأدى ذلك إلى خسائر فادحة للمستثمرين في سوق السندات، كما ساهم في إفلاس مقاطعة أورانج بولاية كاليفورنيا في 1994.

8) هل باءت كل المحاولات الأخرى بالفشل؟

ليس تماماً، حيث يقول آلان بلايندر، الذي شغل منصب نائب رئيس الاحتياطي الفيدرالي إبان الهبوط "السلس" في 1994-1995، إن البنك المركزي نفّذ عمليات هبوط "سلس للغاية" خلال فترة نصف القرن الماضية. كانت إحداها في2001 ، عندما أدت زيادات أسعار الفائدة الفيدرالية التي بدأت قبل ذلك بعامين إلى تراجع اقتصادي معتدل للغاية لثمانية أشهر، وهو ما يسميه بلايندر "الركود". أشار باول إلى أنه ظن أن الاحتياطي الفيدرالي كان في طريقه نحو هبوط "سلس" مع بداية 2020. وبدا الاقتصاد الأميركي مستعداً لإطالة أمد فترة نمو قياسي طويلة بعد سلسلة من تحركات أسعار الفائدة. ولكن جائحة كورونا خيّبت ظن باول، وأتت رياحها بما لا يشتهيه هو ورفاقه، وأوقفت النشاط الاقتصادي.