تطعيم الدواجن ضرورة لوقف نزيف خسائر إنفلونزا الطيور في أميركا

التردد الأميركي يهدد الثروة الداجنة ويضر بالإمدادات الغذائية بعد إبادة 58 مليون طائر في عام

ديك محتجز في قفص داخل مزرعة في أوستن بولاية تكساس الأميركية.
ديك محتجز في قفص داخل مزرعة في أوستن بولاية تكساس الأميركية. المصدر: غيتي إيمجز
Adam Minter
Adam Minter

Adam Minter is a Bloomberg Opinion columnist. He is the author of “Junkyard Planet: Travels in the Billion-Dollar Trash Trade” and "Secondhand: Travels in the New Global Garage Sale."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أبادت سلالة شديدة العدوى من فيروس إنفلونزا الطيور ما يفوق 58 مليون طائر في الولايات المتحدة الأميركية منذ يناير 2022. هذه الحصيلة غير ناجمة عن الإصابة بالمرض. إنها غالباً نتيجة لذبح مزارعين أميركيين لقطعان كاملة من الدواجن منعاً لانتشار الفيروس عقب ثبوت إصابة طائر واحد، لكن هذه التدابير الصارمة لم تفلح في وقف عملية الإبادة.

يمكن بناء خط دفاع جديد من خلال تطعيم الطيور الداجنة. توافر لدى العالم لقاح للمساعدة في منع تفشي الفيروس منذ 2003 على الأقل، وثبتت فاعلية منعه انتشار المرض عند استخدامه في بلدان أخرى، لا سيما عبر آسيا.

دفعت موجة المرض الأخيرة دولاً أكثر للتحرك نحو تطعيم القطعان الخاصة بها. رغم ذلك، ومع الخسائر الهائلة في الأرواح، والضرر المالي الواقع على المزارعين والتكلفة المتزايدة في البيض والمنتجات الاستهلاكية الأخرى المرتبطة بالدواجن، تستمر الولايات المتحدة في الارتباك بين التأييد والمعارضة.

مخاوف أميركية

يكمن مصدر القلق الأساسي في أن التطعيمات قد تعرقل عمليات تصدير الدواجن الأميركية لدول أخرى تساورها مخاوف من أن شحنات الطيور المحصنة ربما تعاني من عدوى غير ظاهرة. ربما كان يمكن تبرير معارضة من هذا النوع حينما كانت السيطرة على موجات تفشي الفيروس عملية سهلة. لكن الحال لم يعد كذلك. يتعين على الولايات المتحدة الأميركية لمنع انتشار المرض مستقبلاً تطعيم الدواجن لديها.

ظهر ما يشتهر بمسمى إنفلونزا الطيور، أو إنفلونزا الطيور من نوع "إيه" (A) شديدة العدوى المرضية أو (H5N1)، للمرة الأولى بمزارع في هونغ كونغ وأسواق للدواجن في 1997، وانتقلت العدوى في نهاية المطاف للبشر، ما أودى بحياة 6 من كل 18 شخصاً أصيبوا بالمرض.

استجابت هونغ كونغ بإعدام واحدة من 1.5 مليون دجاجة موجودة بالمزارع التجارية التابعة لها، وفي أسواق الدواجن المحلية. كان الإجراء باهظ التكلفة، على صعيد الأرواح والأموال، لكنه ساعد في منع انتشار المرض.

أكبر شركة مُنتجة للبيض تُحذر من نقص الإمدادات بسبب تفشي إنفلونزا الطيور

لكبح مخاطر تفشي المرض مستقبلياً، طبقت هونغ كونغ بنجاح إجراءات حديثة خاصة بالعادات الصحية والأمن البيولوجي ورصد الفيروسات، لكن مع حلول العام 2001، بدأ الفيروس -الذي تقف الطيور البرية وراء تفشيه- في الظهور في الأسواق مرة ثانية.

قالت الدكتورة ليزلي سيمز، مصممة أساليب السيطرة على إنفلونزا الطيور في هونغ كونغ عقب تفشي عدوى المرض خلال 1997، عبر مكالمة هاتفية جرت مؤخراً من هونغ كونغ: "عندما حدث ذلك شرعت بالبحث في عملية التطعيم حيث كان يتوجب توفير مستوى إضافي من الحماية".

اختبرت هونغ كونغ التطعيمات خلال عام 2002، وأثبتت أنها فعالة في حماية الدجاج من العدوى ووقف تفشي المرض. خلال 2003، ألزمت المدينة كافة المزارع التي تمد هونغ كونغ بالدواجن بالتطعيم.

اعتماد اللقاحات

في الوقت الحالي، اعتمد ما يفوق 30 بلداً لقاحات إنفلونزا الطيور للدواجن. وتحققت نجاحات كبيرة، حيث تخطى الأمر مجرد استئصال تهديدات الدجاج. وعلى صعيد الصين، البلد الذي استخدم التطعيمات بطريقة هائلة، أظهرت الأبحاث أن تراجع العدوى وسط الدواجن قلص العدوى وسط البشر أيضاً.

رغم ذلك، وحتى تصاعد انتشار المرض في الآونة الأخيرة، كانت أغلب الدول مترددة –لا سيما المصدرة للدواجن- في اعتماد عمليات التطعيم. وكانت هناك أسباب عديدة لهذا التردد. أولاً، إن اللقاحات تكون أقل فاعلية مع مرور الزمن بسبب حدوث طفرات للفيروس.

على سبيل المثال، أثبت باحثون مصريون أن سلالات اللقاحات لم تعد مواكبة لسلالات الفيروس المتفشية. بإمكان هذه اللقاحات الأقل فاعلية أن توفر للبلد شعوراً مزيفاً بالأمان ضد المرض، لاسيما عندما لا تُعتمد إجراءات أخرى، على عمليات السلامة البيولوجية والرصد أيضاً.

أمريكا تشهد أسوأ موجة انتشار لإنفلونزا الطيور منذ 7 سنوات

ثانياً، يساور القلق العديد من العلماء والجهات التنظيمية من أن ما يُطلق عليه "العدوى المستترة" ربما تستمر وسط الطيور المحصنة وتنتقل عبر شبكات السلامة وقيود النقل عبر الحدود. هذا هو السبب الأساسي لمقاومة قطاع الدواجن ووزارة الزراعة الأميركيين لتبني اللقاحات خشية تعريض منتجات الدواجن والبيض بقيمة 6 مليارات دولار مصدرة من الولايات المتحدة الأميركية في 2022 للخطر، لكن هذا الاتجاه المعارض ليس محسوماً بشكل نهائي.

وقف الخسائر

في ظل تصاعد التكاليف، يعيد المزارعون النظر في تقييم التكاليف والعوائد. مثلاً، خلال 2015، اختزنت وزارة الزراعة الأميركية مئات الملايين من جرعات اللقاح، إذ أباد انتشار إنفلونزا الطيور في الولايات المتحدة الأميركية في ذلك الحين ما يفوق 50 مليون دجاجة وديك رومي. ولم تُستخدم المخزونات على الإطلاق، حيث تلاشت موجة المرض قبل التصريح باستخدام باللقاحات.

تفشي إنفلونزا الطيور يرفع أسعار البيض والدواجن في أمريكا لمستوى قياسي

تُعتبر حالات تفشي المرض المتواصلة على مدى عامي 2022 و2023 أسوأ كثيراً، وعلى إثر لذلك، تعيد دول عديدة مترددة النظر في لقاحات إنفلونزا الطيور. بدأت في أوروبا وفرنسا وهولندا والمجر وإيطاليا إجراء تجارب للقاحات وعلى الأرجح ستبدأ عمليات التطعيم الخريف المقبل.

خلال الشهر الجاري، اتفقت المفوضية الأوروبية على قواعد منسقة بين الدول للتطعيم، بما فيها قواعد الرصد والسلامة البيولوجية التي ستكتشف العدوى (إن وجدت) بالقطعان المحصنة. وصممت هذه القواعد للسماح بتجارة الدواجن المحصنة فيما بين دول الاتحاد الأوروبي. في هذه الأثناء، تواصل فرنسا محادثاتها مع شركاء تجاريين من خارج دول الاتحاد الأوروبي للسماح بتجارة الدواجن التي تم تطعيمها.

يتعين في الوقت الحاضر على الولايات المتحدة الأميركية أن تُصعد من جهودها. في وقت سابق من الشهر الحالي، أفاد تقرير لشبكة "سي بي إس نيوز" التلفزيونية بأن علماء تابعين للحكومة الفيدرالية "يجهزون" لإجراء تجارب للقاحات إنفلونزا الطيور على الدواجن الأميركية. لم يُعلن عن جدول زمني، لكن لا ينبغي أن يمنع هذا الجهات التنظيمية من وضع إرشادات للرصد (ربما تقوم على الإرشادات الأوروبية) لبث الطمأنينة لدى الشركاء التجاريين.

نموذج فرنسا

في غضون ذلك، ينبغي على إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أن تقتفي أثر فرنسا، وتبقى على تواصل مع شركائها التجاريين، بجانب الشروع في عملية وضع إرشادات لتجارة الدواجن التي تم تطعيمها. لن تتسم العملية بالسهولة أو السرعة، وعلى الأرجح سينظر بعض الشركاء التجاريين إلى المفاوضات بوصفها أداة للضغط تُستعمل في مسائل تجارية أخرى.

لكن تبقى هذه المحادثات ضرورية بطريقة متنامية. وتُعد موجة تفشي المرض الحالية بمثابة تذكير واضح بأن الفيروس يواصل الانتشار، ليكون متوطناً في بعض الأنحاء من العالم، في حين يمثل خطراً متصاعداً على الأرواح والممتلكات. تشكل عمليات التطعيم، في حال أجريت بعناية، وسيلة فعّالة لمنع انتقال العدوى وانتشار المرض. حان وقت انضمام الولايات المتحدة إلى البلدان المعتمدة لهذه الأداة.